أسبوع الهوت كوتور لربيع وصيف 2024 ابتعاد عن الخيال ومقاربة للواقع
نشأ مفهوم الهوت كوتور في باريس في القرن التاسع عشر، وتطور هذا المفهوم عاماً بعد عام وموسماً بعد الآخر ليصبح مثالاً للإبداع والحرفية والأفكار الغير مسبوقة، وللكثيرين أصبح بمثابة مساحة خاصة أو فترة زمنية قصيرة للخروج من الواقع إلى فضاءات إبداعية تُحفّز الخيال وتجدد الطاقات الذهنية.
لكن ومع التطور الذي شهده مفهوم الهوت كوتور عبر الزمن لاحظنا أيضاَ تحولاً في المفاهيم والمعطيات، وميلاً للاقتراب من الواقع، وهذا الموسم كان الدليل الأكبر على التحولات التي طرأت على الخياطة الراقية التي عودتنا على دفع حدود الموضة وطمس الخطوط الفاصلة بين الفن والملابس، لكن المشهد في موسم ربيع وصيف 2024 بدا أكثر واقعية، والملابس بدت أقرب إلى مفهوم الألبسة الجاهزة منها إلى الهوت كوتور.
غياب ملحوظ لحالة اللاواقعية السريالية
كشفت منصات عروض الأزياء لموسم ربيع وصيف 2024 للهوت كوتور خروجاً عن الخيال واقتراب من الواقع، مع غياب ملحوظ للتفاصيل السريالية، وبدلاً من ذلك بدا أن مصممي الأزياء كانوا ميّاليين لتبني أسلوباً جمالياً أكثر سهولة وأقرب للواقع من خلال ابتكار تصاميم من الممكن ارتداؤها بشكل فوري من منصة العرض وهذا ما جعل التصاميم تبدو أقرب للألبسة الجاهزة، لكن طبعاً مع الحفاظ على الحرفية العالية والعمل اليدوي الدقيق في التنفيذ.
وهذا الأمر أثار تساؤلات عديدة حول الدافع وراء هذا التحول، هل هو افتقار للأفكار المبتكرة والجديدة أم أنه حركة محسوبة بناءً على طلب السوق؟ وهل يهدف المصممون إلى جذب جمهور أصغر سناً؟ أو يسعون إلى زيادة أرقام المبيعات للدور التي يعملون بها مع ازدياد الحالة التنافسية في عالم الأزياء؟
هل عالم الأزياء بحاجة إلى مقاربة مع الواقع أم الخيال؟
قديماً كانت أزياء الهوت كوتو مخصصة لطبقة مُعيّنة من الناس والتي غالباً ما تكون من النخبة. ولكن مع تطور الموضة عبر الزمن تنوعت قاعدة العملاء وهذا ما دفع المصممين إلى النظر في نطاق أوسع من الأذواق والتفضيلات وطبعاً أثر هذا التحول في طريقة تقديم الأزياء، وهنا جاء الفصل بين مجموعات الألبسة الجاهزة وأزياء الهوت كوتور النخبوية.
لكن موسماً بعد الآخر بدأنا نلاحظ تماهي الخطوط بين هذين العالمين، وأصبحنا نلاحظ التصاميم المُعقدة أو المترفة وأحياناً السريالية في مجموعات الألبسة الجاهرة وفي المقابل بات هنالك عدد كبير من التصاميم التي تبدو سهلة أو جاهزة للبس في مجموعات الهوت كوتور، لكن ماهي حاجة عالم الأزياء الحقيقية اليوم؟
تساؤلات عديدة يطرحها خبراء الموضة، لكن برأي أن الواقع والخيال أمران حتميان في عالم الأزياء، والمحافظة على مستوى إبداعي مُعيّن في تصاميم الهوت كوتور يُبقي على عجلة الابتكار دائرة، والتي نحن بحاجة كبيرة لها في عالم تعمه الفوضى والمشاكل الشخصية أو العامة.
وعالم الترفيه بما يشمله من صناعة السينما أو الموسيقى أو الأزياء هو بمثابة فسحة أمل للمتلقي والذي ينتقل من خلالها إلى عوالم سحرية أكثر جمالاً من الواقع.
وحتى إن لم تستطع جميع الناس شراء التصاميم الفاخرة فإن مجرد مشاهدة المجموعات المبتكرة لكُبرى دور الأزياء العالمية وطريقة تقديمهم لها كفيلة بتحقيق شعور من السعادة الغامرة ينقلنا إلى عوالم خيالية وساحرة.
شكراً لجون غاليانو ودانيل روسبيري لإمدادنا بالجرعة اللازمة من الإبداع والخيال
مع كل ما ذكرنا سابقاً فإن مفهوم الهوت كوتور لم يتغير عند بعض المصممين الحالمين الذين حافظوا على الجانب الخيالي لهذا المفهوم من خلال أزياء أعادتنا إلى حقب تاريخية من الماضي أو نقلتنا إلى المستقبل مع تصاميم متطورة ومعقدة وهنا نذكر جون غاليانو John Galliano الذي قدم مجموعة آسرة لدار Maison Margiela بدت أشبه بعمل مسرحي مُبهر خرج به عن المألوف ونسج من خلاله حكاية أبطالها شخصيات متفردة بدت أشبه بالدُمى المتحركة في تصاميم لا تشوبها شائبة كشفت عن براعة في التصميم والتنفيذ.
وودانيل روزبيري Daniel Roseberry أيضاَ الذي قدم لنا لمحة عن مستقبل سريالي تسكنه الروبوتات والمخلوقات الفضائية من خلال التصاميم المبتكرة التي استخدم فيها مواد حديثة وتقنيات معقدة لتنفيذها.
وعلينا هنا أن نشكرهما على إمدادنا بالجرعة اللازمة من الإبداع والخيال.
بعد أن ودعنا أسبوع الهوت كوتور لربيع وصيف 2024 لا تزال الأسئلة قائمة. هل يبشر الموسم القادم بالعودة إلى الخيال أم أن هذا التحول نحو سهولة التصاميم له دلالات أكبر في عالم الأزياء. على أمل أن يبقى عالم الموضة منارة للهروب من الواقع والانغماس في مشهد الأحلام، وتحقيق التوازن الدقيق بين ماهو واقعي وسريالي حيث أن الموضة في جوهرها هي شكل من أشكال الفني السامي.