أيقونات الموضة في التاريخ نتخيلها بأزياء اليوم
بتأثيرهن المستمر الذي يكتسح توجهات موضة اليوم رغم رحيلهن الفعلي عن الأرض، من أناقة "أودري هيبورن" وتقاطع البريق السينمائي مع الموضة وتأثيرها وظاهرة توهج الأميرة "ديانا" الأبدية، نتساءل بفضول: ماذا سيخترن من أزياء اليوم؟
هنالك نجمات سطع بريقهن في سماء الشهرة، واستقر أثرهن الكبير في عالم الأزياء، لتُشكل سيرة كل منهن مرجعا أسطوريا للمصممين على مر العقود، وتتواجد إطلالاتهن الموثقة من قبل الصحافة والمصورين في المجلات والصحف القديمة على لوحات الإلهام للكثيرين اليوم.
تأثيرهن الرصين والمدهش لا تقتصر أسبابه على مكانتهن في مجالاتهن المحترمة وأيقونية تاريخهن وسِيرهن الذهبية التي تتعدى حدود الموضة، بل بتميز أسلوبهن الشخصي وتَفرده، والذي هو بدوره نابع من شخصياتهن الاستثنائية وأعمالهن التي دشنها التاريخ. أيقونية الشخصية العامة وتميز الطباع والصفات والسلوك الشخصي وتفرد الأسلوب هي ما تجعل من الموضة التي تتبناها راسخة وليس العكس، فعند البحث عن العامل المشترك الذي يجمع الشخصيات التي ستتم مناقشتها في هذه الصفحات نجد أن الجوهر هو ما يشع وينعكس أثره إلى الخارج، جاعلا من كل ما يُرتدى وكل فعل ومقولة مرجعا يُدرس ويستنبط منه إلى نهاية الزمان.
ونتساءل من محض فضول وفكرة ولجت من التأثير الذي ما زالت له صلة قوية في حاضر اليوم، ماذا كانت قد ترتديه كل من أيقونات التاريخ اللواتي اخترناهن من موضة اليوم؟
الإنسانة الظاهرة وذكراها المتوهجة..
أميرة القلوب وأميرة الموضة الليدي "ديانا"
بعد رحيلها بـ26 عاما لا يزال تأثير أميرة ويلز ساحقا.
وبفضل المسلسل التلفزيوني الشهير "ذا كراون" في موسمه الأخير على منصة "نتفلكس" الذي عُرض في عام 2023، والذي يتناول الجزء الأخير من حياتها، والأحداث التراجيدية في أيامها الأخيرة، لم يزِد ذِكر الأميرة الراحلة وتأثيرها وإعادة سرد قصتها إلا تأججا.
كمثال لكونها مرجعا مباشرا للأزياء والإلهام، قدم المـصـمــم الـفــرنــســي "سيـمــون بــــــــورت جـــاكـيـــمـــوس" مجموعة خريف وشتاء 2023 لعلامته"جاكيموس" التي أوضــح أنـهـــا مســتـــوحــــــاة جـــزئـيــــــا من اللـيــــــدي "ديانا".
تقف "ديانا" أميرة ويلز على رأس قائمة أفضل النساء ملبسا في التاريخ، حيث تحولت الكثير من إطلالاتها إلى وقفات ومحطات في قاموس الثقافة الشعبية الحديثة.
من الكشكشات والفساتين الضخمة والتصاميم البراقة التي تليق بالحفلات والأمسيات الرسمية للأسرة الحـــاكـمــة كأميــــــرة ويلز في الثمانينيات إلى كســـــرها للأعـــــــراف والقواعـــــد الملبسية البريطانية الملكية في التسعينيات، واتباعها لقوانينها الذاتية التي أثبتت وَلع أكثر امرأة تم تصويرها في العالم بالأزياء واستعمالها للموضة كلغة تواصل تحكي بها رسالتها للعالم، وتوضح مزاجها، وتخاطب بألوانها اختلافها، إلى جانب تطويرها لنهج دبلوماسية الموضة التي طبقتها في رحلاتها للخارج، وهي التزين بإطلالات وتصاميم تحمل في تفاصيلها أو ألوانها إشادة وإهداء للدولة المُضيفة.
على سبيل المثال، حين ارتدت فستانا مزينا بالصقور الذهبية تكريما للمملكة العربية السعودية. ترجمت "ديانا" جانبها الإنساني والخيري الطاغي من خلال الموضة، حيث اهتمت بأدق التفاصيل وبتأثير ملابسها في ترسيخ حضورها السياسي والجسدي الحسي، فخلال الزيارات الخيرية التي عززت سمعتها بالتعاطف العميق كانت ترتدي ملابس مبهجة وملونة، لأنها أرادت أن تنقل الود والدفء، كما لم تكن ترتدي القفازات، لأنها تحب الإمساك بأيدي الناس. وكانت ترتدي أحيانا مجوهرات بارزة حتى يتمكن الأطفال من اللعب بها، وتتخلى عن القبعات، لأنها تقلل من إمكانية احتضانهم.
لحظات الأميرة ديانا التي شكلت سمعتها، وصعدت بها لأعلى القائمة كثيرة، ولكن عندما نتخيل أكثر الإطلالات تأثيرا تتجلى في ذاكرتنا لحظة خروجها من السيارة بفستان أسود من تصميم "كريستينا ستامبوليان" في عام 1994، والذي يتميز بفتحة عنق عميقة وأكتاف مكشوفة، وهو ذو ثنيات دقيقة ومتضاربة وطول حاشية يلامس الفخذ، مُنسق مع عقدها الـ"تشوكر" الشهير من الصفير والألماس واللؤلؤ.
يُعرف الفستان اليوم ومنذ ذلك الوقت بفستان الانتقام، ولا يزال مصدر إلهام حتى اليوم. من بدلات التنانير الرسمية بألوانها الجــذابــة وفـسـتـــــــان "كـاثـريـن والـكـــر" الأزرق السماوي بصورته الظلية العمودية ووشاح الشيفون الذي يغطي العنق، إلى قبعة البايسبول والجينز، وحذاء رعاة البقر، والبلايزر الواسعة والسترات الضخمة بطبعات جرافيكية، وشورت ركوب الدراجات إلى فستان "ديور" من تصميم "جون غاليانو" المستوحى من ملابس النوم الرقيقة في عام 1996 في حفل "المت غالا" المقام في نيويورك.
واحدة من أعظم الرموز الثقافية في العالم..
"أودري هيبورن" وتأثيرها الملهم والمتعمق في الموضة من شاشة السينما وخارجها
عند الحــديث عن المـــوضــــة وأيــقــونـــاتــــها والأزيــــاء والشــخــصــيــــــــات الـمـلـهـمــة في أغــلـــب الأحيـــــان لا يـســعــنــــا ألا أن نـتــطــــرق للـمــمــثــلــــــة البريطانية "أودري هيبورن". يصعب تحديد الصفات والسمـــــات وحتى الأسلوب الشخصي الذي تبنته "هيبورن" ليصعد بها على قـــائمة أيقـونـــات الـمـوضـــة والـشـخـصـيـات الأكثر تأثيرا على مستويات عدة، أهمها الأزياء والأسلوب الشخصي، لأنها كانت تمتلك توجها تلقائيا وعفويا نابعا من عمق شخصيتها وسحرها الخاص، إلى جانب شكلها ومقوماتها الجسدية والجمالية التي تحدت المعايير التقليدية لنجمات السينما ورموز هوليوود في الخمسينيات والستينيات الميلادية كالجسد النحيل مقابل الانحناءات الممتلئة، والماكياج المماثل للطبيعة تعارضا مع الماكياج المثالي البارز والملامح البريئة والابتسامة العريضة، كما أن اختيارات "هيبورن" للأزياء كانت محورية ومتميزة عن الأزياء في ذلك الوقت، حيث كانت تلك الفترة تأخذ اتجاه الأنوثة المفرطة بالخصر المحدد، والأكتاف الدائرية، والجزء الأسفل المبالغ به اتباعا للصورة الظلية الثورجية" المظهر الجديد" التي قدمها المصمم الفرنسي "كريستيان ديور" في أواخر الأربعينيات التي أخذت باريس والعالم بعاصفة اكتسح بها مشهد الأزياء والموضة.
إذا تطرقنا لتأثير وإرث "أودري"، فجزئيا نحن نتناول قوة تأثير الأزياء في السينما والتلفزيون، وأهمية الموضة وتصميم الأزياء في ترسيخ عمل معين أو شخصية معينة أو مُقدم الرسالة الفنية والموهبة في ذاكرة العالم وارتباطها المباشر بالموضة وتأثيرها.
وُلد التأثير والإرث الأسطوري لـ"هيبورن" وصورتها النموذجية كأيقونة موضة خالدة بعد تعاونها مع المصمم الفرنسي "هوبير دو جيفنشي" الذي امتد من عام 1954 عندما طلبت الممثلة عدة إطلالات من "جيفنشي" لفيلم SABRINA حتى وفاتها في عام 1993. قالت "هيبورن": "دخلت الموضة إلى حياتي عندما ارتديت أول فستان من تصميم "هوبير دو جيفنشي". كان فيلم "سابرينا" بمنزلة بداية صداقة وتعاون مدى الحياة بين مصمم الأزياء الفرنسي "جيفنشي" ونجمة هوليوود الذهبية "أودري" التي كانت بالنسبة له الملهمة والصديقة.
ومن العمل الأول الذي جمعهم والذي شَكل نقطة البداية للعلاقة العملية والشخصية، ابتكروا معا جزءا من تاريخ السينما وإرثا رصينا من الموضة الملهمة ومثالا استثنائيا لتعاون أسطوري تُوجت نتيجته لتجمع ما بين صناعتين، حيث كان "هوبير دو جيفنشي" وراء العديد من إطلالات "هيبورن" الشهيرة على الشاشة وخارجها. وقد أنتج الاثنان معا إرثا خالدا من الأناقة، من الفستان الأسود الشهير الذي كان نــــــجم مقـــدمة فيلم BREAKFAST AT TIFFANY’S وعــــام 1961، وتصميم تصميم ظهره الاستثنائي الذي يُعد اليوم أشهر فستان أسود في قاموس الموضة.
خطفت "هيبورن" الأنظار بأسلوبها الشخصي البسيط المذهل، والتصاميم التي تُركز على الجودة والجمالية في الخطوط والخياطة والانسيابية والتفاصيل الدقيقة الجميــلة التي بُثـــت بها الحــيــــاة بـعـفـويــــــــــــة. مظهرها المميز كان ترجمة جمالية لتفاهم تام وانسجام كامل بين المصمم والملهمة الذي كانت مخرجاته أرشيفا من الأزياء السينمائية والإطلالات الشخصية لنجمة السينما، وإرثا مستـــداما لـمـعــايـيــــره الكلاسيـكية من الجمال والصور الظلية والأناقة الأبدية.