الأناقة الأبدية للون الأسود وهيمنته على صيحات موسم ربيع و صيف 2024
هيمنة اللون الأسود على مدارج ومنصات عرض موسم ربيع وصيف 2024 ليست فقط مناقضة لمفهوم الملائمة والتناسب بين لوحة الألوان وأجواء الموسم الدافئة والمعتدلة، بل هي بيان على استمرارية هذا اللون المتسيّد باندماجه وملاءمته لجميع المواسم والمناسبات والأزمان.
اللون الأسود هو أحجية ولغز في عالم الألوان، بداية بحقيقة أنه ليس لونا رغم اعتقاد الكثيرين، فالأسود هو ظل، وهو ما نراه عندما يمتص جسم ما جميع الأطوال الموجية المرئية، وهو ما يضعه في فئة بمفرده.
يتمتع ظلامه الحالك بقوة بصرية فريدة من نوعها، كما أن قدرة هذا الظل الخالد على التكيف جعلته محفزا منذ فترة طويلة لإعادة التفسير والتبني من قبل المجموعات العديدة التي اتخذته كمؤشر بصري لهم. من مرونة اللون الأسود وتنوعه وتشعب معانيه التي يمكن أن تستنبط من جمالية الإطلالة أو القطعة وصفاتها الواضحة، حيث يرمز الأسود إلى الجدية والاجتهاد، كما يمكن أن تتبناه الطوائف الدينية.
ويمكن أن يوحي بالشر من جانب، ويعزف على نغمة التمرد من جانب آخر، كما أنه في الكثير من الثقافات لون الحداد. أما في عالم الأناقة والرقي، فلا لون ولا ظل آخر يضاهي وقْعه عندما يتحد تشبع اللون وحلكة الليل بمقومات التصميم التي تشكل من الملابس والأقمشة بيانا جماليا هادئا بوضعه من ترتديه في نقطة التركيز، وهو جريء بحضوره اللافت.
من إعجاز الأسود اعتباره درجة وظلا من لوحة الألوان الكلاسيكية والأساسية في اختيار الأزياء وصناعتها، فيلجأ إليه الكثيرون لإبراز قوامهم أو تنحيفه أو للظهور بمظهر لائق ذي معانٍ رسمية، فهو كما تطرقنا له يُنظر إليه كلون أساسي وشائع إلى حد كبير، وعنصر لا يُستغنى عنه.
ولكن عند النظر في التاريخ نجد أن الأسود أكثر الألوان جدلا، وأعمقها ارتباطا بالأزياء والموضة، فلا توجد الثورة وتحقيقها في سيرة أي لون آخر، بينما للأسود إنجازات عميقة لها أثر تبقى أصداؤه على مر الأزمان، ليغير مفاهيم الثقافة الشعبية إلى الأبد، ويتوج الأسود كملك الألوان وسيد الظلال في عالم الموضة، فلم يكن الفستان الصغير للمصممة الفرنسية "كوكو شانيل" أحمر اللون، بل بسواده وبساطته تلاعب بأعراف معانيه واستخداماته.
قبل عشرينيات القرن العشرين، كان ارتداء اللون الأسود مخصصا للحداد فقط. في ذلك الوقت كانت صناعة الأزياء تتمسك بالكورسيهات الضيقة والقبعات كبيرة الحجم. كل هذا تغير عندما طبعت "كوكو شانيل" فستانا أسود قصيرا وبسيطا على غلاف مجلة "فوغ" عام 1926. وسرعان ما أصبح الفستان الأسود الصغير من أكثر الملابس تأثيرا وأهمية وظل رواجه خلال فترة الكساد الكبير في الثلاثينيات بسبب بساطته وقلة تكلفته.
أحدثت "شانيل" ثورة في عالم الموضة بفستان.. بصورة ظلية مستقيمة بعيدة عن المبالغة، والكورسيه الضيق، والملابس المقيدة التي سيطرت على الفترة التي قبلها.
في عام 1962، وفي مقدمة فيلم سينمائي شهير، ظهرت على الشاشة الممثلة البريطانية الأيقونية "أودري هيبورن" بفستان أسود ذي تفاصيل خلفية استثنائية، وهي تقف مقابل متجر "تيفاني آند كو" الرئيس في نيويورك، حاملة بيديها كيسا ورقيا يحتوي على إفطارها.
هذه الصورة كانت بمنزلة التقاء الفن السينمائي وتأثير الأزياء، حيث أصبح فستان "هيبورن" من تصميم المصمم الفرنسي "هوبير دو جيفنشي" أحد أكثر الفساتين تأثيرا في تاريخ تصميم الملابس والأزياء في القرن العشرين، وكان التفسير الأكثر حداثة للفستان الأسود الصغير، بعد تقديم المصممة الفرنسية "كوكو شانيل" لهذا المفهوم في عشرينيات القرن الماضي.
لم تكن بدلة التوكسيدو الأولى للنساء من إبداع المصمم الفرنسي "إيف سان لوران" من ألوان براقة، بل كانت باستخدام أكثر الظلال خلودا الأبيض والأسود.
Le Smoking التي قدمها "سان لوران" في عام 1966 والتي من خلالها مكّن المرأة وأعطاها قوة الخيار التي تتعدى حدود الملابس النسائية، وهذه من مقومات وصفات الثورة، غالبا ما كانت تقابل بالرفض، لتكتسح بعدها العالم، وتتخذ مكانتها في تاريخ الأزياء، أما بالنسبة لـ"لي سموكينغ"، فهي من أساسيات الموضة الحديثة والمعاصرة والتاريخية التي غيرت معجم الأزياء الرجالية والنسائية.
الأمثلة للحظات الأسود في عالم الموضة وتأثير الأزياء كثيرة، ولكن هنالك صورة لفستان أسود محدد تتردد في ذاكرتنا، حينما خرجت الأميرة "ديانا" من السيارة بفستان أسود قصير بلفات وكسرات دقيقة وأكتاف مكشوفة، فأذهلت العالم، وكسرت قوانين اللباس الملكية، وأصبحت هذه الإطلالة ومعانيها العميقة ظاهرة في الثقافة الشعبية، ودرسا في التلاعب بالألوان لإيصال الرسائل.
عند ارتدائك لفستان أسود أو إطلالة يكتسحها السواد، تذكري أنك لم تختاري الأسود لبساطته ورسميّته وجماليته الكلاسيكية فحسب، بل لمكانته كبيان جسيم ضارب في عمق التاريخ.