عصر جديد لدار Valentino
إعداد: HEBA NOUMAN
قد يبدو "أليساندرو ميكيلي" ALESSANDRO MICHELE ودار "فالنتينو" VALENTINO ثنائيا مستبعدا، ولقاء غير متوقّع. لكن عالم الموضة ينتظر بفارغ الصبر رؤية ما الذي يمكن أن يحمله المصمم الأيقوني والمشهور بأسلوبه الصارخ إلى التألّق الهادئ الذي ارتبطت به هوية "فالنتينو" عبر العقود. إنها بداية رحلة إبداعية جديدة تواصل تسليط الضوء على قيمة هذه العلامة، وإرثها، ورموز خياطتها الراقية، ولكن من خلال عينَي "ميكيلي" ووجهة نظره الفريدة وخبرته الكبيرة.
منذ تأسيسها في عام ١٩٦٠، لمعت دار "فالنتينو" ببريق تألّق مترف ورقيّ لا ريب فيه. وتحت قيادة "بييرباولو بيتشولي" ، ترجمت ألقها الساحر إلى فخامة يومية حيوية على مدى عقدين، بفضل استخدام ذكي للألوان والقصات الدراماتيكية، ولا سيما في مجموعات الأزياء الراقية التي قدّمها في عروض كانت من بين الأكثر تأثيرا، وستبقى من بين العروض التي لا تُنسى من السنوات العشر الأخيرة. ولعل اللحظة الأكثر تميّزا وسحرا كانت عرض الهوت كوتور على السلالم الإسبانية في مدينة روما عام ٢٠٢٢، والتي كانت المرة الأولى التي يستقبل فيها هذا المعلم التاريخي حدثا من هذا النوع. ولو أردنا التحدّث عن اختيار عارضاته، لقلنا: كان "بيتشولي" من أشدّ المؤيدين والداعمين للتنوع على منصات العرض، وذلك إضافة إلى إخلاصه لمشغله الذي لمسنا عمقه في تسمية كل فستان من مجموعاته للأزياء الراقية على اسم الحرفيّ الذي صنعه.
وكيـــــــف ننسى مجموعتــــــــــــــه التي تلوّنــــــــت تماما بالوردي، وحملت عنوان "بينك بي بي" PINK PP ، وأدّت حتى إلى ولادة لون خاص بها ضمن مجموعة ألوان "بانتون" العالمية. وحين أبصر النور ورديّ "فالنتينو" الرائع الجمال، أصبح جمهور الموضة مهووسا بهذه الخطوة الجريئة والمعاصرة للمصمم الإيطالي. لاحقا، وفي نقلة نوعية ودراماتيكية، اختار أن تكون مجموعته الأحدث مع "فالنتينو" لخريف وشتاء ٢٠٢٤ مكتسية تماما بالأسود، وأسماها "لو نوار" LE NOIR أو الأسود بالفرنسية؛ وكأنه أراد بهذا الابتعاد الواضح عن نهجه الحيوي المعتاد أن يمثّل تلميحا إلى توديع منصبــــــه ورحيله عن الدار.
من جهة أخرى، أحضر "أليساندرو ميكيلي" إلى دار "غوتشي" الفلورنسية، التي عمل لديها لمدة عشرين عاما تقريبا، إحساسا انتقائيا عبّر عنه في مزيج متنوّع وغني من الألوان، والأنماط الزخرفية، والرسوم المتكررة. النزعة الانتقائية كانت المصطلح الجديد الذي يردده الجميع في عالم الموضة، فيما بدأ "ميكيلي" جمع الفساتين الطويلة بالكنزات المفتوحة، والترترة بالملابس المحبوكة، في عملية تجديد هي الأكثر جرأة وإبداعا في تاريخ الأزياء.
إطلالات الزينة المبهرجة والأحذية الرياضية "الموسّــــــــخة" فسّرت رؤيتــــــــــــــــــــــــه الخارجــــــــة عن المألوف والنابضة بالطاقة، والتي برزت أيضا حين أرسل عارضاته إلى خشبة العرض وهن يحملن أفعى "غوتشي" الحقيقية، وزعزعت عالم الملابس الرجالية الصارم مع مجموعة أولى شملت قمصانا مزينة بعُقَد أنثوية مترهلة.
لا شك في أن "ميكيلي" يملك قدرة مثبتة على ابتكار معجم جديد تماما على لغة الأزياء، لكن السؤال الحالي يبقى: هل يستطيع أن يفعلها مجددا مع "فالنتينو"؟
لدى الإعلان عن خبر تعيينه في "فالنتينو" ، صرّح "ميكيلي": "إنه لشرف كبير لي أن تســــــــتقبلني دار "فالنتينو". أشعر بفرح غامر ومسؤولية هائلة للانضمام إلى دار أزياء راقية نقشت كلمة "جمال" فوق قصة جماعية أبطالها الأناقة المميزة، والرقي، والأناقة القصوى.
أول ما يخطر ببالي هو هذه القصة: غنى تراثها الثقافي والرمزي، وإحساس الدهشة الذي تبعثه باستمرار، وهويتها النفيسة التي منحها إياها مؤسساها "فالنتينو غارافاني" و"جيانكارلو جاميتي" بحبّ شديد. لطالما مثّلت هذه النقاط المرجعية مصدر إلهام جوهريا بالنسبة إلي، وسأكرّم هذا التأثير من خلال تفسيري الخاص ورؤيتي الإبداعية".
صحيح أنّه أضفى على ملابسه الجاهزة تحت جناحي دار "غوتشي" تألّقا رفيعا، إلا أن عالم الأزياء الراقية مختلف تماما ولا شك في أنه سيستمتع في استكشافه.
حتى الآن، لمحتُ بعض أوجه التشابه واللقاء بين رؤيتَي "بيتشــــــــــولي" و"ميكيــــــــلي"، بدءا بالفساتين الفضية الطويلة التي تزيّنها حبات الكريستال بكثافة، وصولا إلى التصاميم الزغبية، وهو ما يؤكّد أن تعيين "ميكيلي" بعد "بييرباولو بيتشولي" سيكون على الأرجح ملائما للدار بشكل طبيعي وعفوي. قد يأتي بحس فكاهة وجمالية غريبة جريئة إلى "فالنتينو"، على غرار ما قام به تحت راية "غوتشي"، وهو الأمر الذي سيمدّ الدار الإيطالية بلمسة شبابية تحتاجها في زمن تّتجه أجياله الشابّة أكثر فأكثر نحو السلع الفاخرة.
"ميكيلي" مصمم ماهر استأصل الحمــــــــض النووي لدار "غوتشي"، وحوّل كل عنصر فيه إلى قصة بحد ذاتها، بعد أن كوّن فهما عميقا لرموز الدار وتاريخها على مدى أكثر من عقدين من العمل تحت قيادة "توم فورد" و"فريدا جانيني"، وبعد ذلك تولّي الإشراف الإبــــــــداعي (لمدّة سبع سنوات).
لكنه يدخل عالم "فالنتينو" دون أن يملك هذه المعرفة المعمّقة عنها، لذلك نتوقع أن يخصص الأشهر القليلة التالية للغوص في أرشيف الدار، وتفكيك رموز لغتها الفريدة، وشرحها على طريقته وبسحر "أليساندرو ميكيلي".
في منصبه القيادي الجديد، سيكون "ميكيلي" مسؤولا عن الإشراف على مجموعات الملابس الجاهزة النسائية والرجالية. ونظرا إلى فهم "ميكيلي" للفخامة والترف، من المرجح أن نكون أمام فصل جديد مشوّق للمصمم والدار على حد سواء.
بعد التحوّل الكبير الذي أحدثه في دار "غوتشي" ومضاعفة إيراداتها ثلاث مرات، سيكشف "ميكيلي" النقاب عن مجموعته الأولى لدار "فالنتينو" في شهر سبتمبر المقبل. أنا شخصيا وكل من يتابع أخبار عالم الموضة وصيحاته، ننتظر على أحر من الجمر ما سيحمله الغد.