الخيال والجمال، الكوابيس والطبيعة... يُجسد مصممون عرب العوالم المتناقضة في مجموعات أزياء متفردة
إعداد: NORA ALBESHER
يتطلب تصميم الأزياء الموهبة، كما يعتمد على الكثير من المهارات والخطوات من الإبداع والحس الفني واللمسة المتفردة والرؤية المتميزة، ولكنه أيضا يتطلب بلا شك قدرا من الشجاعة والجرأة التي لا تنطوي فقط على الفكر الفني، وتجسيده في تصاميم جريئة وأفكار ابتكارية، بل تكشف عن مشاعر مصممي الأزياء الداخلية ومصادر إلهامهم الشخصية. فعندما ننظر إلى مجموعة أزياء، لا ننظر فقط إلى تصاميم جمالية وفن قابل للارتداء، بل ننظر أيضا إلى دواخل مصممها على أحد المستويات، فالأزياء تجسيد للمشاعر كما أن الفن تعبير عن الخواطر. نتحدث في هذا المقال مع اثنين من المصممين العرب الصاعدين، وهما حسين بظاظا ووعد العقيلي، عن أول خطوة في العملية الإبداعية لتكوين وتنفيذ مجموعة أزياء فريدة وهي الإلهام.
الإلهام بحد ذاته يعتبر مفهوما مرنا وغامضا وضيفا يحتفى بقدومه لتذبذب حضوره وأهمية وجوده، فبه يبدأ المبدعون بجميع أنواعهم، من المهندسين المعماريين إلى مصممي الأزياء، بفكرة أو صورة أو شعور يحفزهم وإمكانية تأرجح مصدره من جمال الطبيعة إلى ظلام الكوابيس، ومن شعور السعادة إلى لحظة تأمل عشوائية.
لا يوجد حدود للإلهام، كما لا يُحدد بأي قوانين. ومن خلال العملية الإبداعية يطور المصممون هذا الإلهام إلى مفهوم تصميمي ومن ثم إلى منتج نهائي.
من إتقان المصممين معرفة كيفية التعبير عن رؤيتهم وإبداعهم من خلال أعمالهم الحرفية ومجموعات الأزياء، وتوصيل إلهامهم الجامح إلى الجمهور.
عندما يكون الخيال ضمنيا يتجسد الإبداع في الأزياء..
المصمم الصاعد حسيـن بظاظا وفن رواية القصة
ما يقدمه المصمم اللبناني الصاعد، حسين بظاظا، هو تداخل ثلاثي ما بين الأزياء والخيال والفن الروائي، فتعتبر كل مجموعة بمنزلة حكاية تتمحور حول شخصية مدروسة التفاصيل.
يقبل بظاظا على مجموعة الأزياء كما لو أنه يخرج فيلما سينمائيا تمر بطلته بالكثير من التقلبات والأحداث التي تمثلها في كل مشهد بإطلالة وتصميم يلائمها ويرمز لها، من صفاء اللون إلى تعقيد الأقمشة، فتتقابل حبكة الأحداث بنسيج ولوحة ألوان المجموعة وصورها الظلية.
يخبرني بظاظا في حديث خاص، فيقول: "قبل أن أرغب في تصميم الأزياء كنت أريد أن أكون مخرجا سينمائيا، ومنذ ذلك الوقت وأنا أُدخِل فن رواية القصة في تصاميمي".
هوية بظاظا الفنية مرتبطة بشكل عجيب بالروح الإبداعية الخلاقة التي تعطي الحس المسرحي والدراماتيكي من دون أي أداء فعلي، فيعمل تضارب الألوان الصارخة وتصادمها المندمج مع تعقيد الأقمشة وتداخلها المذهل في التصميم نفسه على إيصال الرسالة وترجمة الإلهام.
يعادل المصمم الشاب كفة التلاعب الحاد بلوحة الألوان والأنسجة بالصور الظلية الأنثوية الكلاسيكية، كالقصة المتسعة تدريجيا والبدلة والتنانير الجميلة. يقول بظاظا: "تعلمت في تصميم الأزياء احترام جسد المرأة، كما أنني أحب المبالغة وتفكيك القوام. إن احترام جسد الإنسان أمر يهمني، ولهذا دائما تكون النتيجة النهائية قابلة للارتداء مهما كانت التصاميم دراماتيكية".
تميُّز تصاميم حسين بظاظا وحرفية تعقيدها مصحوبة بمصادر الإلهام التركيبية نجحت في جذب قائمة عميلات مرموقات كالملكة رانيا، وعارضة الأزياء العالمية "ناعومي كامبل"، والفنانة نانسي عجرم وغيرهن الكثير.
"أمل"، "ليلي"، "إليزابيث"، "أكاني"، "هيلين" بعض من عناوين مجموعات الأزياء لـحسين بظاظا، ولكن المثير للاهتمام أن الشخصيات المختلفات اللاتي تدور حولهن المجموعات المتباينة على مرّ المواسم ليست من وحي الخيال المطلق للمصمم، بل هن رموز مؤنثة لخدمة الأزياء النسائية، بينما مصدر الإلهام الأصلي هو المصمم نفسه، حيث أعرب المصمم عن ذلك بقوله: "كشخص، أنا صادق جدا مع نفسي، وهو أمر صعب في صناعة الأزياء وعالم الموضة. إن جميع أعمالي ومجموعاتي مستوحاة من نفسي وحالتي الذهنية ومشاعري الشخصية ومن أحداث معينة حصلت لي في الخط الزمني الموافق للمجموعة التي أعمل عليها، . عندما أبدأ التصميم تتبلور المجموعة من الحالة العاطفية التي أكون عليها من غضب، أو راحة، أو انتقام، أو أي شعور، فأنا شخص عاطفي جدا وحساس، وأشعر بكل ما هو حولي، وأستطيع قراءة أفكار الناس من نظراتهم، فتنتقل المجموعة من نقطة الشعور الحالي إلى مرحلة تكوين القصة التي تتمحور أحداثها حول تجربة أمُرّ بها شخصيا، ولكنني أحولها إلى شخصية نسائية، لأنني أصمم للمرأة. جميع الشخصيات النسائية التي أنشأتها هي أساسا أنا". بنظرته الفريدة التي تنظر إلى وسط الموضة كفيلم متكامل، يتخيل حسين بظاظا المكان التي تجري به القصة والعقد التاريخي ومصدر الصراع والعنصر الأساسي الذي تتفرع منه الأحداث، والذي لطالما اتجه إلى الجانب المظلم أو الدراماتيكي، من السياسة والحروب وفندق خطير مرتبط بالجريمة، ووباء ينتشر ليعدم الإلهام والشغف، إلى الجنيات والوحوش.
يحدثني بظاظا عن اتجاهه للجانب المظلم من الإلهام، "فيما يتعلق بالجانب المظلم، أعتقد أن قصصي مظلمة، ولكن نتائجها ليست بهذه الدرجة من الظلام. لا تكون المجموعة مرعبة، ولن تكتشفي أي رعب في التصاميم أو الإطلالات، يمكنكِ فقط معرفة أن هناك دراما. وأعتقد أن الدراما هي الكلمة الصحيحة لوصفها، لأن الدراما يمكن أن تكون عن الحب أو الغموض أو الرعب. لذا، فالمجموعات نابعة من مصدر إلهام دراماتيكي، والنتيجة النهائية تنعكس من مزيج الألوان والأنسجة والتقنيات".
ويتعمق المصمم في حديثه عن اهتماماته الشخصية التي لها دور في مصدر الإلهام، يقول: "يمكن أن تتجه مجموعاتي إلى الجانب المُظلم، لأنني لست شخصا أنجذب لمفهوم الحياة الوردية، وأحب الأشياء الغامضة، فشخصياتي المفضلة على سبيل المثال هي "وينزداي آدامز"، و"مورتشا آدامز"، فالإلهام المظلم نابع أيضا من طبيعة ميولي وذوقي الشخصي". عندما سألته عن مشاريعه المستقبلية ومجموعاته القادمة، أجاب بظاظا: "خلال العامين الماضيين لم أقدم مجموعة رسمية جديدة، وقدمت مجموعات كبسولية صغيرة، وحاليا أعمل على بضعة مشاريع رائعة، ومجموعة رئيسة قيد التنفيذ".
عندما تُطرز إبداعات الكوتـور بجمال الطبيعة وتتزين بألوان بزوغ الفجر وشروق الشمس..
في وعد العقيلي للأزياء الراقية يتجسد ازدهار الأناقة
عندما أنظر إلى مشهد الموضة وصناعة الأزياء المتسارع التطور في السعودية، لا يسعني إلا الاندهاش من تنوع التوجهات وتباين الهويات الفنية وقوة تأثيرها. في هذا المشهد الملهم تقف دار المصممة السعودية وعد العقيلي كرؤية مثالية مصممة للكمال، لتنتج روائع الإبداعات التي تليق بالسجاد الأحمر وبالمرأة القوية التي تنجذب للجمال والأنوثة والصور الظلية الأخاذة.
تمييز مجموعات وتصاميم وعد العقيلي لا يتطلب نظرة ثانية، فالألوان التي توظفها المصممة مستمدة من جمال الطبيعة وحيويتها، بينما تُطرَز وتُشَكّ بالزهور والورود والبراعم الخلابة، وهو مصدر الإلهام الدائم الذي يحرك الذخيرة الإبداعية للمصممة، حيث تقول لي في حوار خاص: "في أتيليه وعد العقيلي للأزياء الراقية، تولد تصاميمي من الجمال العميق لضوء الفجر الأول، وهو تذكير يومي بالتجديد والإمكانات اللامتناهية التي يحملها كل يوم جديد. كل إبداع غارق في جوهر هذه اللحظات التحويلية، وهو ما يعكس الرحلة من الظلام إلى النور، كناية عن النمو الشخصي والمرونة والصمود التي تعتبر أساسية لرؤية علامتنا التجارية".
في الدار الصاعدة التي أنشأتها عام 2019 المديرة الإبداعية وعد العقيلي وأختها أحلام العقيلي، لا تهدف الرؤية الإبداعية فقط إلى تصميم فساتين حالمة وأزياء متناهية الجمال، بل إلى تطبيق حرفة الكوتور، والتركيز على البنية التحتية للتصميم، لتحويلها إلى قطع فنية تُنحت على القوام الأنثوي، لتحسّنه وتلائمه، فتقف مجموعات وعد العقيلي اليوم في طور الأناقة الخالدة والجمال الدائم، لكونها إبداعات مستلهمة من الطبيعة، ومصممة من قبل امرأة للنساء، حيث تقول وعد: "باعتباري امرأة تصمم للنساء، أوجّه سرد رسالتنا الجماعية عن التباين والولادة الجديدة، وأخلق التصاميم التي هي ليست مجرد عناصر ملبسية، ولكنها رموز للتمكين، مصممة لتشجيع من ترتديها، وإلقاء الضوء على قوتها الداخلية".
تُسهب العقيلي عن رحلتها الإبداعية قائلة: "إن رحلتي الإبداعية هي بمنزلة تكريم لرقصة الضوء الحميمة التي تبشر ببزوغ الفجر، وهو التفاعل الذي يوجّه كل اختيار للتصميم، بدءا من الرسم الأولي حتى الغرزة النهائية. في وعد العقيلي كوتور، نحن نصنع أكثر من مجرد الملابس، نحن ننسج قصصا عن النهضة والصعود البهيج، ونصنع قطعا تتوافق مع قصص تطور عملائنا وازدهارهم. مع كل مجموعة، التزامنا لا يتزعزع عن إنتاج مجموعات تجسد التجارب التحويلية لعملائنا، وتمكين كل امرأة من احتضان تحولها بأناقة، والتقدم إلى عالم من الإمكانيات الجديدة والمتألقة والراقية".
من الفراشات والورود والبراعم وأوقات شروق الشمس وغروبها، إلى الألوان الفاتنة والصور الظلية الكلاسيكية التي تنبض بالأنوثة الصارخة والجمال الصريح، مصدر إلهام المصممة يظهر في حالة استقرار تام في الجانب المتلألئ والمشرق من الوحي. تستلهم المصممة الواعدة من الجمال البصري، لكنها توضح أن الصور الجمالية تتعدى معناها الواضح لترتبط بمعاني شخصية عميقة، تقول: "يكمن جوهر دار وعد العقيلي للأزياء الراقية في الإيمان العميق بقوة التجارب التحويلية. يقودني هذا الاعتقاد نحو مسار إبداعي يتأثر بشدة بالعواطف والروايات الشخصية. المجموعات التي أحضرها إلى الحياة هي تجسيد للنهضة والإيقاع الواضح للتجديد. إن تفتح الزهرة وبزوغ الضوء هما أكثر من مجرد إلهام بصري، فهما غارقان في الرحلة العاطفية التي يمر بها كل واحد منا. تعكس هذه الظواهر الطبيعية القصص الجماعية والفردية للنمو والتمكين التي تعتبر أساسية للتجربة الأنثوية. إن دوري كمصممة يتجاوز فعل الإبداع، ويتعلق الأمر بالتقاط خلاصة هذه اللحظات المشحونة عاطفيا، ونحتها في ملابس تخاطب الروح. من المؤكد أن الجمال البصري لصحوة الطبيعة يمهّد الطريق، لكن الارتباط العاطفي العميق بهذه التجارب كالانتصارات والتحولات التي تربطنا هو الذي يغذي تصاميمي وصوري الظلية، وتكوين روح وعد العقيلي للأزياء الراقية".
عند الاستفسار عن مشاريع وعد العقيلي القادمة ومجموعاتها المنتظرة، تجيب العقيلي: "نتطلع إلى الأمام، نحن متحمسون لتقديم مجموعتنا القادمة، والتي نعتقد أنها ستمثل قمة جديدة في رحلتنا الإبداعية. تعد المجموعة، التي تظل طي الكتمان بينما نتقن كل التفاصيل، بأن تكون عرضا مذهلا للجمال والدقة. يعمل فريقنا بلا كلل لضمان أن تتوافق الجاذبية الخارجية لكل قطعة مع الحرفية الرائعة لبنيتها الداخلية. نحن نؤمن بأن الجوهر الحقيقي للملابس يكمن في أساسها، وهنا يتألق التزامنا بالكمال حقا".