التقطت الصورة في 24 مارس 1985 في باريس لعارضة أزياء أثناء عرض مجموعة الملابس الجاهزة لخريف وشتاء، تحت أنظار المصممة الفرنسية مدام غراي (في الوسط)، في متجرها الواقع في شارع لا بيه في باريس. الصورة من موقع AFP

أسماء بَجَلها التاريخ: "مدام غراي" مُصممة المنحوتات القماشية

نورا البشر

لِكل صناعة تاريخ ولِكل صَنعة خَبير، يتميز عالم الموضة وصناعة الأزياء بشكل عام بتاريخه العريق المُرتبط بحِد كبير بالوقت ومروره من العقود الى القرون والسنوات المتباعدة نسبياً وحتى الأشهر عندما ننظر الى السرعة الفائقة التي تتحرك بها الصناعة اليوم وشِدة دورانها وتقلباتها.

تتموضع الأزياء كمرآة الأزمان والعناصر الملبسية التي تُحَدد الحُقب الزمنية، ولكنها أيضاً دليل وقتي وسرد قصصي لولوج مصممي ومصممات أزياء عَرفوا ما تعنيه الفخامة والموهبة والهويات الفنية التي نَقلت الملابس كمفهوم الى ما هو أكثر من ذلك، فتحولت الملابس الضرورية الى أزياء مُختارة تُعرف عن مُرتديها وتحمل التوقيع الحِرفي والفني لمصممها.

هنالك الكثير من العوامل التي تكاد أن تكون لا تحصى يُمكن للمصمم الأزياء التعلم منها و التأثُر بها من الحسية الى الشخصية و الأكاديمية و بلا شك سِيَر مصممي الأزياء العمالقة الذين حَفروا أسماءهم في التاريخ فبَجَلهم..و مازالت ذكراهم و أعمالهم تتردد بأصداء عميقة و واضحة حتى اليوم.

 

في عالم الموضة والأزياء، ظهروا مصممين ومصممات أزياء شكلوا الصناعة كما نراها اليوم وأثروا في مشهد الأزياء باختلاف توجهاتهم الاستثنائية والمغايرة لما كان رائج في وقتهم وبعضم صنع موجات لا زالت تكتسح الموضة حتى اليوم لمخالفتهم التيار.

المصممين الذي حُفرت أسمائهم في التاريخ، يعتبرون من رأيي معاهد ومدارس يُتعلم منها الأسس ويستمرون في كونهم مصدر للإلهام النابض بالتجدد وأمثلة يُحتذى بها في خلق أساليب متفردة لم يرها العالم من قبلهم. ولكن من المهم التأكد من أن مصممي الوقت الحالي لا يفقدون ما يميزهم عن غيرهم في عملية الاستلهام من العمالقة. 

 

الطيات المُحددة ودقة تنفيذها 

في مجموعة Alaïa لـخريف وشتاء 2024 قَدم المدير الإبداعي "بيتر مولييه" مجموعة خلابة جمالياً ومُبهرة تقنياً، لكونها نُفذت بمبدأ وأسلوب الخيط الواحد.

حيث وَظَف المدير الإبداعي قماش واحد لِخياطة وتنفيذ المجموعة بالكامل وهو صوف ميرينو، الذي صَرح بأنه عمل على تطويره لمدة عام.

تتألق المجموعة بالصور الظلية الدائرية والخطوط المنحنية والأنثوية وإطلالات مُعقدة بطبقات متداخلة ومتدرجة من الأورغانزا الرقيقة والطيات الدقيقة المُنفذة بحَرفية عالية تجعل من تقنية مفعمة بالحركة تبدو وكأنها تمثال حجري.

من مجموعة Alaia خريف و شتاء 2024
من مجموعة Alaia خريف و شتاء 2024
من مجموعة Alaia خريف و شتاء 2024
من مجموعة Alaia خريف و شتاء 2024
من مجموعة Alaia خريف و شتاء 2024
من مجموعة Alaia خريف و شتاء 2024

 

عندما أَنظر للطيات في مجموعة Alaïa تنقلني ذهنياً الى مُصممة الأزياء العبقرية التي تميزت بتقنية الطيات وأخذتها الى طور آخر ومستوى أعلى أشبه الى الفن من الملبوس، كما أنَ هنالك رابط تاريخي عميق يجمع مؤسس دار Alaïa عزالدين عِليه التونسي بالمصممة الفرنسية وهو فن النحت، في حين كانت الرغبة الأولى والشغف المتفرد لمدام "غراي" أن تعمل في النحت وكان التخصص الدراسي الذي اتخذه عِليه من مدرسة الفنون الجميلة في تونس.

فستان من تصميم مدام غراي (يسار) معروض في مخزن متحف غالييرا للأزياء في باريس في 25 فبراير 2013. صورةAFP  بيير فيردي (تصوير بيير فيردي /AFP)
فستان من تصميم مدام غراي (يسار) معروض في مخزن متحف غالييرا للأزياء في باريس في 25 فبراير 2013. صورةAFP  بيير فيردي (تصوير بيير فيردي /AFP)

 

 

المُصممة التي لُقبت بـ The Sphinx of Fashion 

 

كانت مدام "غراي" النحاتة التي نَحتت القماش وشكلته وكأنه حجر أو طين، مصممة أزياء بأيادي وميول نَحتيه، أهدت العالم وأرشيفات الموضة فساتين وأثواب تشبه الحجر مصنوعة بطيات وثنيات دقيقة للغاية، حادة ومصفوفة بإتقان بحيث تبدو التصاميم وكأنها غير قابلة للحركة والخفة لوزنها الثقيل المرتبط بالحجر.

فساتينها ذات الطراز اليوناني خالدة، ليس فقط في بساطتها المذهلة وأناقتها الاستثنائية، ولكن في هذا الاتجاه الذي بنت إرثها فيه وأشعلت قدراتها الفنية ومهاراتها التي لا مثيل لها في عمق هذا الاتجاه الفني المبني على الحِرفة والتقنيات المُبهرة أولاً من خلال الالتزام بهذا النمط المعين من التصميم، أصبح توقيعها مما يجعلها كلاسيكية وخالدة بشكل افتراضي. 

 

مدام "غراي" واسمها الحقيقي "جيرمين كريبس" بدأت بالعمل في الثلاثينيات الميلادية.

في عام 1933، في شارع ميرومينيل في باريس، تعاونت مع المصممة "جولي بارتون" لفتح دار "أليكس بارتون"، الذي أصبح ميزون أليكس في عام 1934 في شارع فوبورج سانت أونوريه. وسرعان ما حققت نجاحًا كبيرًا من خلال تصاميمها التي تُشبه الى حدٍ كبير التماثيل الحجرية العتيقة وفي آنٍ واحد تتسم هذه المنحوتات القماشية باللمسات العصرية التي تؤشر للحداثة بفضل تقنية اللف الخاصة بها. بعد خلافات مع شركائها، أسست "جيرمين كريبس" دار Grès في عام 1942.

كانت مدام "غراي" تُصمم مباشرة على الجسم البشري الذي كان محور تركيزها وكأنه النقطة التي تبدأ بها عملية النحت لتزيينه ودلالة على حرفتها العالية، كانت العديد من الفساتين ذات الثنيات الدقيقة مُثبتة بصدرية مجوفة لتعطي مظهر الحجر والنحت للطيات المصفوفة بإتقان.

مدام "غراي" لم تتبع الاتجاهات الرائجة أو التفاصيل المرتبطة بالعقد الزمني الذي عاصرته، بل قدمت مجموعاتها الخالدة هنا حتى عام 1987. ومن بين عملائها المشهورين "غريتا غاربو" و "مارلين ديتريش" و "ماريا كاساريس" و "دلفين سيريغ" و "غريس كيلي".

صورة التقطت في 21 يناير 1988 للمصممة الفرنسية مدام غريس وهي تضع لمسة نهائية على إحدى عارضاتها، في متجرها الواقع في شارع لا بيه في باريس، الصورة من AFP
صورة التقطت في 21 يناير 1988 للمصممة الفرنسية مدام غريس وهي تضع لمسة نهائية على إحدى عارضاتها، في متجرها الواقع في شارع لا بيه في باريس، الصورة من AFP