الفنان ومُلهمته؛ الثنائيات الديناميكية التي اتخذت من الأزياء حَلبة للإبداع والهيمنة
في عالم الأزياء الواسع تتشعب المِهن والتخصصات والأدوار المُهمة التي تجعل من الصناعة كُتلة متكاملة ومتعددة الأوجه، من مُصمم الأزياء والمدير الإبداعي والخياطين والحِرفيين والمصور الفوتوغرافي ومُنسق المظهر والإطلالات الى عارضات الأزياء والرسامين وغيرهم الكثير.
لكل مسمى عطاء ولكل مهنة مكانة جسيمة لا يمكن استبدالها، ولكن هنالك أيضاً تقاطع فريد ينتج عن تعاون مِهني وفني له القدرة على جَمع صناعتين ببعض وبناء جسر تُبنى حجارته من التقاء الهوية الفنية للمُصمم أو الفنان مع تلك بالهوية الفنية والشخصية بمُلهمته الاستثنائية التي تُجسد روح علامته وتوقيع داره.
العلاقات التعاونية في صناعة الأزياء جزء لا يتجزأ من نسيج الموضة بتعقيداته وطبقاته ومنها علاقة الفنان ومُلهمته تحديداً، فنتائجها لها تأثير ثقافي يرتد إيجابياً وعميقاً على الجهتين على حد سواء، فهنالك كيمياء، انسجام وتفاهم تام يجعل من بعض الحالات والثنائيات عظيمة وذات تأثير هائل قادر على إحداث تيار متدفق من الإبداع والإلهام والتفرد.
عند الحديث عن أبرز ثنائيات الأزياء يتجه بنا المسار في التاريخ الى مصمم الأزياء الفرنسي "هوبير دو جيفنشي" والممثلة البريطانية "أودري هيبورن" الذي ابتدأ نار تعاونهم المتميز من لقاء غير متوقع، إذا تطرقنا لتأثير وإرث "أودري" فجزئياً نحن نتناول قوة تأثير الأزياء في السينما والتلفزيون وأهمية الموضة و تصميم الأزياء في ترسيخ عمل معين أو شخصية معينة أو مُقدم الرسالة الفنية والموهبة في ذاكرة العالم وارتباطها المباشر بالموضة و تأثيرها.
"أودري" و "جيفنشي".. الأرشيف الأشهر في عالمي الأزياء والسينما
وُلد التأثير والإرث الأسطوري لـ"هيبورن" و صورتها النموذجية كأيقونة موضة خالدة بعد تعاونها مع المصمم الفرنسي "هوبير دو جيفنشي" الذي امتد من عام 1954 عندما طلبت الممثلة عدة إطلالات من "جيفنشي" لفلم Sabrina حتى وفاتها في عام 1993.
قالت "هيبورن" : "دخلت الموضة إلى حياتي عندما ارتديت أول فستان من تصميم "هوبير دو جيفنشي".
كان فيلم "سابرينا" بمثابة بداية صداقة وتعاون مدى الحياة بين مصمم الأزياء الفرنسي "جيفنشي" ونجمة هوليوود الذهبية "أودري" التي كانت بالنسبة له المُلهمة والصديقة.
ومن العمل الأول الذي جمعهم الذي شَكل نقطة البداية للعلاقة العملية والشخصية، ابتكروا معًا جزء من تاريخ السينما وإرث رصين من الموضة الملهمة و مثال استثنائي لتعاونٍ أسطوري تُوجت نتيجته لتجمع مابين صناعتين حيث كان هوبير دو جيفنشي" وراء العديد من إطلالات "هيبورن" الشهيرة على الشاشة و خارجها وقد أنتج الاثنان معًا إرثًا خالدًا من الأناقة، من الفستان الأسود الشهير الذي كان نجم مقدمة فلم Breakfast at Tiffany’s, 1961 و تصميم ظهره الاستثنائي الذي يُعد اليوم أشهر فستان أسود في قاموس الموضة.
بأسلوبها الشخصي البسيط المذهل، والتصاميم التي تُركز على الجودة والجمالية في الخطوط والانسيابية والتفاصيل الدقيقة الجميلة التي بُثت بها الحياة بعفوية "هيبورن" و مظهرها المميز و تفاهم تام و انسجام كامل مابين المصمم و الملهمة الذي كانت مخرجاته أرشيف من الأزياء السينمائية و الإطلالات الشخصية لنجمة السينما و إرث مستدام لمعاييره الكلاسيكية من الجمال والصور الظلية و الأناقة الخالدة.
مُصطلح فنان يشمل بمعانيه مختلف التخصصات وتعدد الفنون بأنواعها و بينما كان "جيفنشي" و "هيبورن" الثنائي التعاوني الأشهر من فترة الستينات الميلادية الى التسعينات الذي جَمع التقاءهم الموضة بالسينما، يهيمن اليوم ثنائي مشابه باختلافه و مُقارب بِفنه.
فنجد اليوم أَن منسق المظهر بَفنِه المختلف الذي يعني إدارة إطلالة الممثلة بالكامل و الإهتمام بجميع التفاصيل الظاهرية و الجسدية و المعنوية، و من هذا المنظور نرى أن الثنائي المهيمن اليوم بلا شك هو منسق المظهر الأمريكي"لاو روتش" و الممثلة الأمريكية "زندايا".
صداقة ووِحدة وهيمنة.."زندايا" و "لاو روتش"
هنالك أوجه يتشابه بها الثنائي التاريخي "جيفنشي" و "هيبورن" والثنائي الحالي "لاو روتش" و "زندايا" في الصداقة والتاريخ والتفاهم التام النابع من ثقة متبادلة.
يعد منسق المظهر الذي يُطلق على نفسه بلقب مُهندس الصورة أشهر الأسماء اللامعة في المجال على الرغم من اعتزاله لمهنة التنسيق في شهر مارس من عام 2023 باستثناءه لتنسيق إطلالات الممثلة "زندايا" التي يعتبرها بمثابة الأخت والصديقة والمُلهمة.
تكمن عبقرية "روتش" في درايته العميقة لصناعة الأزياء وتاريخ الموضة وأرشيفها وولعه الواضح للأزياء فهو يعمل على مبدأ التحليل والتنسيق والملائمة التامة، فيقوم بِدراسة عميلاته واحتياجاتهم وميولهم كما تمتد دراسته الى أعمال عملاؤه الفنية من الأفلام الى المسلسلات و الشخصيات الاتي يؤدونها.
فابتدأ "لاو روتش" مايعرف بالـMethod dressing وهو مفهوم يُعَرف التوجه الذي يقتصر حول حضور الاحتفالات الرسمية أو المهرجانات أو العروض الترويجية للأفلام حيث لا تزال الممثلات ينتحلن شخصياتهن خارج موقع تصوير الفيلم فتُعرف بتقنية التسويق الجديدة التي تجمع بين الموضة والأداء بمصطلح Method dressing الذي تُجَسدت عندما ارتدت الممثلة "زندايا" إطلالة من تنسيق "لاو روتش" من فستان مستوحاة من شبكة العنكبوت مُنسق مع قناع غامض للوجه من تصميم خاص بتوقيع "فالنتينو" لحضور العرض الأول لفلم Spider-Man: No Way Home .
هنالك انتصارات عدة تحت تُنسب للثنائي الموضة من إطلالات متتالية لحفل الـMet Gala إلى السجاجيد الحمراء لعروض أفلامها السينمائية الضخمة.
بلقيس فتحي و سيدريك حداد..الثنائي العربي الديناميكي
يكمن سِر المهنة لمنسق الأزياء في التفاهم المتكامل والثقة المُطلقة بينه وبين عَميله، كما يقول سيدريك حداد مُنسق المظهر للمشاهير ومالك StyledByCed "كل عميل لديه شخصية الموضة الخاصة بهم ودوري هو إما ابتكارها أو تعزيزها بما يرتديه. أقول دائمًا: "أنتَ كيف ترتدي ملابسك".
ومن الواضح أن التفاهم المُطلق يتواجد في العلاقة المهنية وحِس الأزياء الحاد ما بين الفنانة بلقيس فتحي وسيدريك حداد حيث أثبتَ نجاح إطلالاتها المتكرر المعنى الحقيقي لإيجاد شخصية الموضة للعميل.
من خشبة المسرح وصفحات المجلات إلى الصف الأول في عروض الأزياء في عاصمة الموضة والأزياء باريس، تألقت بلقيس بإطلالات أخاذة في تناسقها العام مع مظهرها وشخصيتها والملائمة التامة مع المناسبة وأيضاً تاريخ دور الأزياء والعلامات التجارية التي تحضر بلقيس لرؤية أحدث مجموعاتهم.
من الأبيض الأثيري لدار "فالنتينو" الى الأسود الجريء بتفاصيله السيريالية لدار "سكياباريلي".
كما تألقت بلقيس بتوقيع تنسيق سيدريك حداد بأبهى إطلالاتها الحديثة في مهرجان كان السينمائي بفستان أبيض من الدانتيل الناعم وصورته الظلية الرومانسية من دار "جيامباتيستا فالي" ومجوهرات لامعة من "ميسيكا".
في مؤتمر هيَ هب 2022 تمت استضافة الفنانة بلقيس فتحي ومنسق الأزياء سيدريك حداد لإثراء الحضور المهتمين بأسرار نجاح العلاقة الديناميكية ما بين العميل و منسق المظهر، و كان الحوار الحيوي مفعم بالطاقة و الخِبرة من القِصص التي تحدث خلف كواليس المسرح و التصوير، كما كتبت الفنانة في منشور على منصة انستقرام عن جلسة النقاش في Hia Hub "كُنا أنا و سيدريك حداد متحدثين عن علاقة خاصة جمعت الفن و الموضة و أسرار تحصل في كواليس المسرح و التصوير."