قصر ميلانو الملكي استضاف معرض "إلهام وإتقان: دولتشي أند غابانا"... رحلة إبداعية وحرفية خلف الأزياء والمجوهرات الراقية من DOLCE&GABBANA
في بداية شهر أبريل الماضي قضيت يومين رائعين في "قصر ميلانو الملكي" PALAZZO REALE DI MILANO الذي فتح ذراعيه للدار لإيطالية العريقة DOLCE&GABBANA محتضنا المعرض الساحر "إلهام وإتقان: دولتشي أند غابانا" DAL CUORE ALLE MANI: DOLCE&GABBANA الذي يغوص في عالم الإبداع والبراعة الذي بناه المصممان الأيقونيان "دومينيكو دولتشي" و"ستيفانو غابانا" ويستمرّ حتى نهاية شهر يوليو/تموز القادم.
في ذلك القصر الشامخ منذ قرون كثيرة في قلب مدينة ميلانو، الذي كان مقرا حكوميا لمئات السنين، وتحول إلى مركز ثقافي حظيتُ بفرصة استثنائية خلال حضوري حفل افتتاح المعرض والسفر من خلاله عبر الدروب الكثيرة المتشابكة في مخيليتي "دومينيكو دولتشي" و"ستيفانو غابانا"، والتي تتفرع دائما من عشق الثقافة الإيطالية، وتعانق مهارات حرفية يدوية تحوّل الحلم إلى حقيقة تضاهيه جمالا.
كل موضوعات المعرض تعبّر عن روح الدار الإيطالية متجذرا في حب مؤسسَيها لإرثهما وتمسّكهما بالحرف التقليدية الدقيقة
لوحات بتوقيع "آن دونغ" مستوحاة من الجولة العالمية لمجموعات "ألتا مودا"
ومتناغمة بين الأسلوب الجمالي لأعمال الفنانة وهوية العلامة الإيطالية
إنه المعرض الأول من نوعه في مسيرة دار "دولتشي أند غابانا"، وكل تفصيل فيه تحية إلى جانب من جوانب الثقافة الإيطالية التي ألهمت وما زالت تلهم عملها، من الفن إلى العمارة والموسيقى والباليه والأوبرا. تنظيم "إلهام وإتقان: دولتشي أند غابانا" جاء بدعم من المكتب الثقافي في بلدية ميلانو، لتكون هذه المدينة الإيطالية النابضة بحب الموضة والفنون محطة الانطلاق لجولة ثقافية عالمية سينفذها المعرض. وقد وقع الخيار على القيّمة الفنية والمؤلفة الشهيرة "فلورنس مولر" التي أسهمت في إعداد أكثر من 150 معرضا على مستوى العالم، وألّفت أكثر من 40 كتابا حول الموضة والأزياء، وشغلت مناصب مهمة كثيرة، للإشراف على المعرض وتنسيق أقسامه ومحتوياته. عنوان المعرض باللغة الإيطالية يعني "من القلب إلى اليدين"، أي من حيث تولد الأفكار العظيمة إلى الأداة التي تمنح الأفكار حياة، أما نهجه، فيجمع قطعا فريدة من مجموعات الأزياء النسائية الراقية "ألتا مودا" والأزياء الرجالية الراقية "ألتا سارتوريا" والمجوهرات الراقية "ألتا جويليريا" بتركيبات فنّية رائعة وأعمال رقمية مصممة خصيصا للمعرض، فتتفاعل هذه العناصر كلها في حوار يغمر الزائر بمضمونه وأسلوبه.
إيطاليا والحب اللامتناهي: كل موضوع من موضوعات المعرض يعبّر عن روح الدار الإيطالية، متجذرا في حب مؤسسَيها لإرثهما، وتمسّكهما بالحرف التقليدية الدقيقة. وتبدأ الرحلة مع التصاميم المصنوعة يدويا، ولوحات بتوقيع "آن دونغ" مستوحاة من الجولة العالمية لمجموعات "ألتا مودا" ومناغمة بين الأسلوب الجمالي لأعمال الفنانة وهوية العلامة الإيطالية. تستعرض الغرفة الثانية فن صناعة الزجاج الذي تشتهر به مدينة البندقية، مع مجموعة من المرايا والثريات التي تعكس التطريز الدقيق والتفاصيل الكريستالية الموجودة في الأزياء المعروضة بجوارها. بعد ذلك، ندخل عالم رواية "الفهد" للكاتب "جوسيبي توماسي دي لامبيدوزا"، وهي قصة لطالما شكّلت مصدر إلهام لرؤية "دولتشي أند غابانا"؛ ويسافر زوار هذه الغرفة نحو سحر الماضي الجميل، وتحديدا فيلم "لوتشينو فيسكونتي" المقتبس عن الرواية، حيث تعيدنا كل التفاصيل إلى عظمة مشهد الرقص الأسطوري في الفيلم بكلّ تفاصيله الباهرة. ويطغى مزاج العصر الباروكي على الوقفة التالية، حيث تحكي إبداعات "ألتا مودا" و"ألتا جويليريا" عن روعتها بغموض الأسود وفخامة الذهب. أما المساحة الخامسة، فتحاكي تصميم مشاغل الأزياء النسائية والرجالية الراقية والمجوهرات الراقية، وتتيح للزوار مشاهدة خيّاطيها وحرفييها وهم يحوّلون الإلهام إلى إبداعٍ حقيقي كل يوم جمعة.
في النصف الثاني من المعرض، تحية إلى فن الهندسة المعمارية الذي يشكل مصدر إلهام ثابتا خلف إبداعات الدار، مع تفاعل استثنائي بين الماضي والحاضر يتجلّى في لقاء بين تقنية العرض الضوئي "فيديو مابينغ" وروائع فنون عصر النهضة. ويفوح من غرفة العرض السابعة عبق تراث جزيرة صقلية، فنرى تركيبا فنّيا يدويا لعمالقة فن المايوليكا مع استخدام رمز العربة الصقلية التقليدية، كما تتألّق مجموعة "ألتا مودا" المغمورة بالرموز الشعبية للعربات الصقلّية. ويستمر الغوص في التقاليد الفنية المرتبطة بجزيرة صقلية مع فن الباروك الأبيض والفنان "جياكومو سيربوتا" الذي كرّس موهبته لتقديم أجمل التصاميم الجصية، إلى جانب تشكيلة من فساتين "ألتا مودا" المستلهمة من هذا الفن. قبل الغرفة الأخيرة، تستيقظ الأساطير القديمة لتحيي رموزها الإغريقية في أثواب أثيرية من مجموعة سابقة من "ألتا مودا"، وبقربها مجموعة أزياء رجالية راقية تزيّنها نقوش فسيفسائية تلمّح إلى طراز البازيليكا البيزنطي العريق. أخيرا، أغنية الوداع بصوت أوبرالي يحوّل قاعة القصر الملكي إلى مسرح إيطالي عريق تتدلى فيه الستائر القرمزية، وتصطفّ المقاعد الفخمة، ليكشف عن منصة معروضة عليها إبداعات استثنائية مستوحاة من أعمال الأوبرا الفنية المفضلة لدى "دومينيكو" و"ستيفانو".
خيوط وبكسلات: يفتح المعرض أبوابه أيضا على سلسلة من الأعمال التركيبية الرقمية التي تحمل توقيع فنانين معاصرين، وتستقي إلهامها من عالم "دولتشي أند غابانا"، دامجة الإبداع بالتكنولوجيا والماضي بالمستقبل بلغة البيانات والبكسلات والخوارزميات. مع أعمال "فيليتشي ليموساني" و"أوبفيوس" و"ألبرتو ماريا كولومبو" و"كوايولا" و"فيتوريو بوناباتشي" و"كاتيلو"، يتجلّى الخيط الرفيع الفاصل بين الأبعاد المادّية والرقمية فيسلّط الضوء على تطور الخبرة الحِرفية من خلال استخدام التكنولوجيا والتقنيات المتطورة، وإثراء التراث التقليدي بأدوات جديدة مثل الفن التوليدي، والتجارب الافتراضية الغامرة، والذكاء الاصطناعي.
يدعونا الفنان "فيليتشي ليموساني" الذي يوظّف مهاراته في فن الفيديو والتركيبات الآسرة والنحت الحركي سعيا لتحقيق أهداف اجتماعية وتعليمية، إلى التأمّل في تأثير يد الإنسان في العالم من خلال رسالة عميقة تتخطى حدود الجسد لتلامس روح الإنسانية. أما العمل الفنّي التوليدي الصوتي من مجموعة "أوبفيوس" الفرنسية، فمستوحى من مستقبل الموضة وأسلوب "دولتشي أند غابانا" المميز. ويتحدّث الفيديو الرمزي الذي ابتدعه الفنان البصري "ألبيرتو ماريا كولومبو" عن ولادة "دولتشي أند غابانا"، وذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي وبطريقة سريالية معبّرة. بدوره، اختار الفنان "كوايولا" المعروف بأعماله الهجينة وتركيباته الغامرة، تقديم فيديو يغوص في تقاليد رسم المناظر الطبيعية بمقاربة تدمج تقنيات رسم قديمة مع خوارزميات متطورة، وقد وجد إلهامه لهذا العمل في رموز الطبيعة الموجودة في أرجاء مجموعات الأزياء والمجوهرات من "دولتشي أند غابانا".
الفنان الرقمي والمصمم السينوغرافي "فيتوريو بوناباتشي" صمم لهذا المعرض عشرة أعمال فنية رقمية يتداخل فيها العنصر الآلي مع العنصر البشري، وتأخذنا في رحلات بصرية تمزج تلميحات إلى فن عصر النهضة والأوبرا والمسرح والأزياء والهندسة المعمارية. ومن الفنان الإيطالي "كاتيلو"، المتخصص في فن الرموز القابلة للاستبدال والمعروف بإخفاء الوجوه للتعبير عن العواطف من خلال الشكل واللون والضوء، سلسلة من رسوم البورتريه ذات الإلهام المستقبلي والرؤية الجديدة لمعنى الجمال.
كنوز منعكسة: بالتزامن مع المعرض يستعرض قصر ميلانو الملكي قصة تاريخ الصناعة الإيطالية وبراعتها وذوقها. ويعيد القصر إلى الواجهة بعض القطع التاريخية التي كانت فيما مضى ضمن مجموعاته، ويضعها إلى جانب مجوهرات وأزياء من تصميم "دومينيكو دولتشي" و"ستيفانو غابانا". هذا المعرض الثاني بعنوان "تيزوري ريفليسي" TESORI RIFLESSI أي "كنوز منعكسة" يلقي الضوء على خمسة فنانين عملوا بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكانوا أبطال ديكور قصر ميلانو الملكي ومفروشاته وزخرفاته بأعمالهم التي أثّرت في أزياء القرون التالية وأذواقها وتصاميها، وهم: فنان الفسيفساء "جياكومو رافايلي"، ومشغل "مانفرديني"، والمصمم الداخلي "جوكوندو ألبيرتولي"، ومبدع قماش النجود "ميشال أودران"، والنحّات "أنطونيو كانوفا".
يقرأ معرض "كنوز منعكسة" أهم صفحات قصة قصر ميلانو الملكي، ويحكي عن تمثيل النفوذ والسلطة من خلال الفنون الزخرفية منذ الماضي حتى يومنا هذا. ويحتفل بروائع مجموعتي المجوهرات الراقية والساعات الراقية من "دولتشي أند غابانا" التي تجسّد ذروة الإبداع والجمال والتميز في فنّ الحرف اليدوية، وتعيد اكتشاف تقاليد صياغة الذهب الإيطالية، وتحيي تراثا عريقا من المعرفة والمهارة يمتدّ لقرون طويلة.
البداية مع مجموعة الساعات الراقية "ألتا أورلوجيريا" من "دولتشي أند غابانا" وبراعة الصناعة في مشغل "مانفرديني" العريق، والمثال الأهم على ذلك في موديلات "فيديريكو II" و"دراغو إمبيراتوري" و"سان روكو" التي تُصنع كل مكونات هيكلها ومينائها يدويا في إيطاليا قبل أن تجتمع بحركات وتعقيدات سويسرية الصنع. ننتقل بعد ذلك إلى قاعة تكرّم "ميشال أودران"، وهنا تبهرنا الأحجار الكريمة الاستثنائية بأحجامها وألوانها وتقطيعاتها التي ترصّع كنوز "ألتا جويليريا" بعد صقلها يدويا لتعزيز لونها وشفافيتها وتألقها، وقبل أن يأتي الضوء لينعكس وينكسر على جوانبها بانسيابية، فيذكّرنا بالتفاعل المعقد بين السداة واللحمة في منسوجات "أودران" الرائعة.
ثم نتعلّم الكثير عن فن الفسيفساء، الذي ابتكره الفنان الروماني "جياكومو رافايلي" في أواخر القرن الثامن عشر، والذي يتنفس حياة جديدة مع مجموعة من الميداليات الرائعة المستوحاة من الزهور. تميز إبداع "رافايلي" بتحويل عجينة الزجاج إلى قضبان رفيعة لإنشاء قطع فسيفسائية صغيرة لتزيين مدينة روما؛ ونرى في مجوهرات "ألتا جويليريا" هذا الإلهام منعكسا بكل رقيّ. ونكتشف في هذه القاعة أيضا ميداليات مستوحاة من الزخارف البيزنطية وآتية من مدينة البندقية، حيث نشأت تاريخيا تقنية تذهيب ألواح الفسيفساء الزجاجية بأوراق الذهب بعيار 24 قيراطا.
الموضوع التالي هو العملات المعدنية كعنصر زخرفي، وعلى قطع المجوهرات، تشبه هذه العملات المعدنية القطع المعقدة الموجودة في أعمال "جوسيبي ماجيوليني". ويخبرنا المعرض عن تاريخ دمج العملات المعدنية في المجوهرات الشخصية، وهي ممارسة تعود إلى العصر الهلنستي، وازدهرت بصورة خاصة في أواخر عهد الإمبراطورية الرومانية، حيث شكّلت العملات المعدنية رمزا للهيبة والقوة الاقتصادية. وفي المجوهرات المعروضة، عملات معدنية هي نسخ حديثة، وأخرى هي قطع برونزية رومانية أصلية تعود إلى الحقبة الإمبراطورية، وقد منحها صاغة دار "دولتشي أند غابانا" ألقا جديدا.
وفي ختام هذا المعرض المركّز، مجموعة مختارة من مجوهرات "ألتا جويليريا" مستوحاة من لوحات الجص المذهّب للمبدع الراحل "جوكوندو ألبرتولي". النقش اليدوي الفائق الدقة واضح هنا، ومادّة المينا البيضاء تكرّم فن الجص الراقي الذي قدّمه "جياكومو سيربوتا" رائد النحت الباروكي في صقلية خلال القرن السابع عشر.
من تحف الأزياء والمجوهرات الراقية المحتفية بالإبداع والإتقان والإلهام الراسخ في الهوية الثقافية الإيطالية، إلى أعمال فنانين تاريخيين وما ألهموه من مجوهرات راقية، نقع أكثر وأكثر في حب عالم "دولتشي أند غابانا"، عالم الجمال والحب والحياة الحلوة.
لزيارة معرض "إلهام وإتقان: دولتشي أند غابانا"، يمكن حجز البطاقات عبر الموقعين التاليين:
MOSTRADOLCEGABBANA.COM
PALAZZOREALEMILANO.IT