الدمج بين عالمي الموسيقى والموضة مساحة للتعبير الإبداعي والتحولات الثقافية

لطالما كان الفنانون الموسيقيون من بين أهم مطلقي صيحات الأزياء وموجّهيها، وكثيرا ما اكتسبت إطلالاتهم وأساليبهم الشخصية في تنسيق الملابس مكانة أيقونية تماما مثل موسيقاهم. ومنذ وقت بعيد، وفّر الدمج بين هذين العالمين مساحة للتعبير الإبداعي والتحولات الثقافية. فرأينا على مرّ العقود عددا كبيرا من ماركات الأزياء التي من أجل توثيق صلتها بعصرها ومجتمعها، تبني شراكات مع شخصيات أيقونية في مجال الموسيقى وأسماء تقف في طليعة الثقافة الشعبية. وقد ازدادت قوة تأثير المشاهير في جذب الاهتمام نحو علامات الأزياء الفاخرة مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي يثير الجدل أحيانا في صفوف مواهب التصميم الشابة والناشئة.

في العام الماضي، تعاونت "فرساتشي" VERSACE مع "دوا ليبا" في أول تعاون للمغنية مع دار أزياء فاخرة، وذلك لمجموعة "لا فاكانزا" LA VACANZA لموسم ما قبل الخريف. وكانت الخطوة جريئة أيضا بالنسبة إلى الدار الإيطالية، التي فتحت أبواب عملية تصميمها بهذا الشكل للمرة الأولى في حكايتها التي بدأت أحداثها قبل ٤٥ عاما.

التعاون على التصميم بين المديرة الإبداعية "دوناتيلا فرساتشي" و"ليبا" (التي أطلقت قبل ذلك مجموعات مع "بيبيه جينز" و"بوما") شهد انبثاق ثنائي متكامل؛ أما الإلهام للمصممة "دوناتيلا"، فأتى من حبها للصيف وللمغنية الألبانية: "أحب الصيف، وبالنسبة لي، تحتفي هذه المجموعة بأجمل وقت من السنة على الإطلاق. مع ألوان رائعة ونقشات مرحة وقصات خفيفة، إنها المجموعة الصيفية المثالية. سواء كانت للاسترخاء بجوار بركة السباحة في زيّ مطبّع بنقشة مرحة أو للتأنق بفستان مسائي مثالي في سهرة صيفية راقصة، تجعلني هذه الأزياء أفكّر فورا في الإجازة وتمضية الوقت تحت أشعة الشمس".

أما عن السبب خلف نجاح هذا الثنائي واختيار "دوناتيلا" لأيقونة موسيقى البوب، فيكمن في حب "دوا ليبا" للموضة وشغف المصممة الإيطالية بالموسيقى. وقد ناقشت المرأتان فكرة المجموعة للمرة الأولى خلال أمسية نيويوركية، قبل تأكيد التعاون في أكتوبر من العام نفسه. فاجتمعت الرسوم البسيطة الأولية التي نقلت رؤية "دوا"، بخبرة "دوناتيلا". وهكذا ولدت مجموعة من قطع الإجازة السهلة الارتداء والمفعمة بالمرح والشباب.

لا شك في أن مجموعة "ليبا" أنعشت عالم "فرساتشي" بلمسة متجددة، وأتت بأسعار معقولة أكثر من الملابس الجاهزة التي تقدّمها الماركة تقليديا، وذلك كان بالنسبة إلى "دوناتيلا" طريقة ذكية لشدّ المستهلكين الشباب الذين يبدو أنهم يهيمنون على عالم الموضة حاليا.

وقد طرحت "فرساتشي" كل قطع المجموعة للبيع في بوتيكاتها وعبر التسوق الإلكتروني مباشرة بعد عرضها، رغبة منها في الاستفادة القصوى من تفاعل الجمهور معها حين كان اهتمامه في ذروته. وانخراط "ليبا" مع الدار الإيطالية يشير إلى تحوّل في طريقة تعاون شركات الأزياء مع المشاهير، الذين لم يعودوا يكتفون بارتداء التصاميم الفاخرة فحسب، بل يصممونها أيضا.

في العام نفسه، شاركت "بيونسيه" في تصميم مجموعة كوتور مستوحاة من ألبومها "رينيسانس" RENAISSANCE مع "أوليفييه روستان" المدير الإبداعي لدار "بالمان" BALMAIN. عملت ملهمة المصمم وصديقته العزيزة إلى جانبه على مدى ستة أشهر من أجل تقديم مجموعة مميزة بالفعل من قطع الكوتور الحديثة.

صدر ألبوم "رينيسانس" في وقت كان العالم في أمس الحاجة إليه. بعد ثلاث سنوات من الجائحة، أعطتنا "بيونسيه" هذا العمل القوي الجديد والجامع بين موسيقى الهاوس والإلكترو والفانك، وألهمت به "أوليفييه روستان" تصميم كل إطلالة بشكل يلائم كل أغنية من الأغنيات الست عشرة في الألبوم. تضافرت جهود "بيونسيه"، ومنسقة أزيائها "مارني سينوفونتي"، و"روستان"، وفريقه الإبداعي، وعمل الجميع معا لإتقان كل تفاصيل التعاون. وحالما صُنعت العينات الأولى، سافر الفريق إلى لوس أنجلوس للعمل بدوام كامل على مدى عشرة أيام من أجل وضع اللمسات الأخيرة والإضافات، ولإجراء جلسات القياس والتصوير، وبعد ذلك إجراء أي تعديلات مطلوبة. وقال "روستان": "سأكون إلى الأبد ممتنا على هذه الفرصة التي أتاحت لي التوقف لفترة وجيزة عن تصميم المجموعات، والتركيز فقط على أفضل السبل لمزج ما يمكنني تقديمه مع موهبة بيونسيه المذهلة واندفاعها ورؤيتها".

ثمرة التعاون مجموعة مدهشة هي في الوقت نفسه متألقة ومستقبلية، وتتراوح بين الإطلالات القاتمة والفائقة الأنيقة وبين إطلالات نحتية ومبالغ أكثر بها مع تفاصيل نفيسة مثل الريش واللمسات المعدنية واللوركس والبلّور، وأذكر على سبيل المثال الإطلالة الأخيرة المستوحاة من أغنية SUMMER RENAISSANCE والمصنوعة تماما من خيوط فضية ولآلئ.

تنبع مشاريع التعاون التي يطلقها "روستان" من بحثه عن طرق جديدة لمساعدة الدار على النمو والتواصل مع أكبر عدد ممكن من عشّاق الدار المعروفين بلقب "جيش بالمان"، وما يدفعه أيضا هو سعيه إلى مواجهة تحديات جديدة والتعلّم من خبراء رائدين في مجالات مختلفة تماما: "سواء كان ذلك في مجال التكنولوجيا أو التجميل أو حتى الباليه الكلاسيكي، يساعدني على النمو كشخص، ويدفعنا أنا وفريقي إلى تطوير طرق جديدة للتفكير فيما سنقدّمه في المستقبل. ولكن التعاون مع "بيونسيه" نقل عملية التعلم هذه إلى مستوى آخر تماما. تملك "بيونسيه" رؤية شخصية قوية وحبا للأزياء وجدتُه ملهما للغاية".

عندما دعيت "ريهانا" للتعاون مع "ديور" DIOR في عام ٢٠١٦ في أول مشروع تصميم لها كسفيرة للعلامة، عملت نجمة البوب على مجموعة نظارات شمسية مستقبلية استوحتها من شخصية "لا فورج" في "ستار تريك". حملت تلك النظارات المستقبلية والملونة بدرجات معدنية جرأة شبابية جديدة، وانطلقت بعدها "ريهانا" في رحلة تأسيس مجموعة أزيائها "فينتي" FENTY التي أسهمت في جعلها مليارديرة، قبل أن تنتهي هذه الرحلة وتُغلَق الشركة خلال فترة الجائحة.

وقد دخل فنانون آخرون عالم الموضة على مرّ السنين أيضا، مثل رائد الأعمال والفنان الموسيقي المتعدد المواهب "فاريل ويليامز" الذي عيّنته دار "لويس فويتون" LOUIS VUITTON مديرا إبداعيا جديدا لأزيائها الرجالية، وقد أثار الإعلان عن هذا القرار جدلا ساخنا حول ما إذا كان قطاع الأزياء يفضّل إحداث ضجيج، والوصول إلى عدد أكبر من الناس على دعم المواهب الناشئة ولكن الأقل شهرة. ويأتي ذلك بعد قصة المصمم الراحل "فيرجيل أبلوه" الذي كان قبل أن يصمم حقائب "لويس فويتون" والبذلات الإيطالية الصوفية منسق أغانٍ ومنتجا موسيقيا. ولا ننسى "يي" الذي تعاون سابقا مع "أبلوه" وجمع في مسيرته المهنية بين الموسيقى وعلامته الخاصة بالأزياء "ييزي" YEEZY ؛ أو حتى "هاري ستايلز" الذي حقق نجاحا قصيرا حين صمّم جوارب لدار "غوتشي" GUCCI.

خوض مجال الأزياء لا ينطوي فقط على تصميمها، بل ما هو مهم أيضا هو العملية بأكملها وما تمثّله هذه الشخصيات الأيقونية. وهذه التعاونات هي طريقة لبعث الحياة في إبداع كلا الفنانَين، أي المصمم والموسيقي، بطريقة يفهمها جيل اليوم؛ فتسمح للعلامات التجارية بسرد قصة تتخطى حدود الموضة، وتضفي العمق على هويتها. ويبدو أن عالم الموضة يتّجه أكثر فأكثر نحو تبنّي هذا النوع من أدوات التسويق الذكية التي تعزز النمو مع جمهور أوسع.

تحتاج العلامات التجارية الكبرى إلى مستوى جديد من الظهور الآن، وتعلم دور الأزياء أن السرعة التي يتغير بها مشهد الموضة تعني أنها بحاجة إلى النظر خارج حدود ما تعرفه. وإن التعاون مع أشهر وأحدث الأسماء الكبرى في موسيقى العصر هو أسلوب مؤكّد لتحقيق ذلك.