Jet Set... مجموعات كروز هذا الموسم
إعداد: HEBA NOUMAN
حين انطلقت مسيرتي المهنية في عالم الموضة، كانت مجموعات "كروز" أو "ريزورت" أو "ما قبل الربيع" مجموعات كبسولية صغيرة تتألف من قطع خفيفة للإجازة، وتبدو إلى حد كبير مصممة حسب الطلب. فكان تقديمها حصريا لعملاء معيّنين كانوا يسافرون إلى وجهات استوائية لتمضية عطلاتهم خلال أشهر الشتاء الطويلة، وكانت للباقين بعيدة المنال.
في عام ١٩١٩ عندما أدركت "غابرييل شانيل" أن أرقى زبائنها يقضون عطلات منتصف الشتاء حول البحر الأبيض المتوسط، ويبحثون عن ملابس جديدة لهذه الرحلات، قررت تصميم مجموعة من القطع الخفيفة والسهلة الارتداء والمناسبة لرحلة على متن البواخر، وهكذا أبصرت النور أول مجموعة "كروز" في العالم.
ولو ضغطنا زر التقدم السريع وعبرنا قرابة مئة سنة، لوجدنا أن عالم الموضة أصبح مكانا مختلفا تماما: سوق مشبعة إلى أقصى الحدود مع التسوق الإلكتروني الذي بات في متناول أيدينا، فضلا عن الفئة الجديدة من الزبائن المتلهّفين لكل جديد (مثلي أنا!)، والذين يمهّدون الطريق أمام تغيير نظام الموضة، وإنشاء نسخته الحديثة.
إن جذب انتباه المتسوق العصري ليس بالمهمة السهلة، وكان النموذج الكلاسيكي المتمثل في إطلاق مجموعتين في السنة قد صار يبدو غير متوافق مع ما يريده الزبون. ومنذ ذلك الحين، حسّنت العلامات التجارية قواعد اللعبة مع مجموعات "كروز"، وصارت تقدّم مجموعات جديدة ومشوّقة، إلى جانب طرق مبتكرة لزيادة التفاعل معها. اليوم، تنظّم علامات الأزياء الفاخرة فعاليات ضخمة وباهرة في وجهات مختلفة حول العالم لعرض مجموعات "كروز"، وتحضّنا من خلالها على الحلم، وتحتلّ صدارة النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي.
في بداية الألفية الثانية، أعاد "كارل لاغرفيلد" إحياء حلم "كروز" مع أول عرض أزياء من "شانيل" مخصص لمجموعة "كروز" وذلك لموسم ٢٠٠١ -٢٠٠٠، وقد طلب إعداد سفينة بحرية واقعية الحجم (تطلب بناؤها ١٥ يوما) تكريما للمرأة التي بدأ معها كل شيء.
وسرعان ما سارت في هذه الخطى أهم الدور الفرنسية مثل "ديور" و"لويس فويتون"، وأعطت فكرة "كروز" طابعا رسميا خارج أسابيع الموضة المعتادة. وقد مكّنها ذلك أوّلا من إبهار الزبائن الغربيين مع تحفيز الاستهلاك، وكذلك الاستجابة لطلب زبائن الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، حيث المناخ ملائم للملابس الصيفية خلال الشتاء الأوروبي. وقد تبعتها العلامتان الإيطاليتان المرموقتان "برادا" و"غوتشي" بعد فترة وجيزة، وبعد إدراك القوة الاتصالية والتجارية لهذه العروض المستعدّة للربيع.
شاهدنا احتفالية كوبيّة مع "شانيل"، ومركز "تي دبليو أيه" الجوي الأسطوري في مطار "جون كينيدي" مع "لويس فويتون"، ومراكش الساحرة مع "ديور"، ودير ويستمنستر المهيب مع "غوتشي". وقد حوّلت هذه الدور عروض "ريزورت" إلى أداة تواصل فائقة القوة والتأثير. ومع صدى إعلامي يضاهي أصداء عروض الهوت كوتور، تمكّنت العلامات من تجديد إبداعها بشكل منعش، بفضل الإلهام الكبير الذي ينبض به الموضوع الأصلي الذي وُلدت لأجله، وهو السفر.
هذا الموسم كان موسما استثنائيا، مع عدد كبير من الدور التي اختارت تقديم عروضها في أراضٍ بعيدة أكثر من المعتاد. فتوجّهنا إلى لوس أنجلوس مع "شانيل" لحضور عرض مرصــــــــــــــــع بالنجوم، وسافرنا إلى مدينة مكسيكو مع "ديور" التي كرّمت الرسامة "فريدا كاهلو" مع لوحة غنية من الأقمشة والتطريزات، واحتفلنا بجمال سيول مع "غوتشي"، وشــــــــاهدنا "فرســــــــــــــــاتشي" تحتلّ مدينة كان، واستمتعنا باحتفال مستوحى من طقــــــــــــــــوس "منتصــــــــف الصيف" مع "ماكــــــــس مارا" في ستوكهولم، وغيرها الكثير.
عبّرت دار "شانيل" عن تحيّــــــــــــــــــــــة واضحــــــــــــــــة إلى الجيل الشابّ ضمن أجواء المدن الأمريكية الساحلية الكبرى، فرأينا عارضات يحملن ألواح تزلّج تحت أذرعهن، ويرتدين جوارب سميكة مدفِّئة للساق، ويكتسين بألوان حيوية تذكّرنا بفترة الثمانينيات. أما مجموعة "غوتشي" فكانت بمعظمها متأثرة بأزياء الشارع في كوريا الجنوبية، وبالإطلالات المتعددة الثقافات التي نجدها في شوارع مدن عالمية مختلفة، مع لفتة نحو رياضتَي ركوب الأمواج والتزلّج على الألواح. فهل يمكن أن نكون أمام ثورة جديدة ينقل المصممون من خلالها مجموعات "كروز" نقلة حديثة نحو الزبائن الأصغر سنا؟ الأكيد أن العمل الشاق والدقيق الكامن خلف هذه المجموعات الواقعة عند منتصف الموسمين الأساسيين، يرسّخ وجودها في صناعة الأزياء ويجعلها مجموعات مستقلة قائمة بذاتها وغير مخصصة بعد الآن للزبائن المسافرين في عطلات بعيدة الوجهات.
نعم، هناك بعض التلميحات الطفيفة إلى السفر، مع ملابس خارجية عملية، وأزياء شاطئية، وفساتين صيفية، لكن مجموعات "كروز" صارت الآن برأيي نسخة مخففة من الأزياء الراقية ومستوحاة حصريا من الأماكن البعيدة.
واجهت مجموعات "كروز" تحدياتها، وازدادت أهميتها في السنوات العشر الماضية إلى أن أصبحت حدثا بارزا وعنوانا عريضا في رزنامة الموضة للأسماء التي تختار تقديمها. تبقى الوجهة هي نقطة الانطلاق لإلهام المصمم، قبل أن تكون خلفية عرض المجموعة بشكل متكامل ومدروس، وكأننا في حفلة ذات موضوع معيّن تتفاعل فيها الأزياء مع ثقافة المكان وجمالياته، لابتكار شيء سيراه العالم بأسره ويتحمس لاكتشافه.
لم تعد مجموعة "كروز" منذ وقت طويل مجرّد تشكيلة كبسولية صغيرة وحصرية، بل هي اليوم امتداد ملهم لعروض الأزياء السنوية التقليدية. تكريسها للسفر ما زال ملموسا من خلال القطع الموجودة فيها، لكن مصادر إلهامها كبرت ونمت وازدادت أضعافا.