الكعكة المقسومة... الصراع الخفي بین "قـرُمـز" وNot Boring ونورة سلیمان على الخزانة السعودية
بقلم: Mohammad Yousif
في صورة نشرتها وكالة الأنباء السعودية في الـ22 من يوليو، ظهر وزير السياحة الأستاذ أحمد بن عقيل الخطيب في منطقة الباحة، مرتديا الجبّة من تصميم "قُرمز"، وذلك ضمن جولته على عدد من مناطق المملكة، وبالتزامن مع برنامج صيف السعودية، وبمرافقة عدد من قيادات الوزارة. وهذه ليست أول مرة تحصل فيها "قُرمز" على التأييد النخبوي.
الجبّة تصميم أعادت إحياءه "قُرمز" في الدورة الثامنة من مهرجان البندقية السينمائي 2023 على نجم مسلسل سكة سفر محمد الشهري في السجادة الحمراء. وهي وسيلة أخرى تستخدمها "قُرمز" لتبرهن على أن أزياءنا التقليدية بإمكانها أن تعبر كل الحدود الجغرافية. هذا التصميم الذي استوحته "قُرمز" من البيدي، وهو بشت اختصّ أهل الباحة بصناعته قديما، وسبب تسميته هو نسبة إلى منطقة بيدة التي اشتهرت بصناعته. وهذا بالطبع كان دافع الوزير لارتدائها. هذه الصورة تجعل من "قُرمز" محركا ديناميكيا في قطاع السياحة، وليس فقط الأزياء والثقافة، وظهور الوزير بالجبّة يعطي (مجازيا) إشارة تأكيد على فكرة "قُرمز" التي تؤمن بأن الأزياء السعودية التقليدية يجب أن تعود أزياء يومية مواكبة للعصر، وألا تبقى مجرد صورة تراثية. عندما تنجح "قُرمز" فهي تنجح نجاحا مدويا. يُجيد عبدالرحمن العابد مؤسس "قُرمز" الجمع بين جوانب كثيرة في عمله، وتمهيد الطريق جيدا لأفكاره القادمة. وعندما تكون خططه مدروسة تتحوّل منتجات "قُرمز" الجديدة إلى قطع يصعُب التخلي عنها، تماما مثل الجبّة اليوم، إذ استطاعت الوصول إلى الكثير من الخزانات. كما تعامل معها الجمهور بدهشة، فقد كانت "قُرمز" ذكية في اختيارها لمهرجان البندقية السينمائي موقع عودة للجبّة، وهو ما جعلها ترتبط بشعور الفخر والتمسّك بالتراث والثقافة. وبالفعل عادت الجبّة مجددا في أذهان الجميع زيّا تقليديا. ولكن على الرغم من نجاح الجبّة وقبلها "البشاية" ووصولهما إلى النخبة، فإنه لا يمكننا الجزم بأن خط الأزياء الخاص بـ"قُرمز" وصل وصولا ملحوظا إلى خزانة الملابس السعودية، وتحديدا خزانة الرجل الذي يُهيمن عليه الثوب. فكيف تجد علامات الأزياء الرجالية السعودية مكانها في الخزانة السعودية الأكثر انتقائية، وخصوصا عند الشخصيات القيادية والأكثر تأثيرا؟
عند الحديث عن خزانة ملابس الرجل السعودي، لا يتعلق الأمر فقط بمدى احترافية المصممين في الخياطة أو التنفيذ، فسهولة الوصول إليه أشبه بتحدٍّ تواجهه كل علامات الأزياء الرجالية السعودية. يقول لي يزيد أباحسي مؤسس Not Boring عندما التقيته قبل أيام من كتابتي للمقال: "باعتبارنا علامات أزياء يومية، نحن نتنافس على جزء صغير من خزانة الرجل السعودي". كما أشار إلى أن حصته في الخــــزانــــة تشــبــــه "القــطــعــــة الصغـــيـــــرة المقسومة من كعكة كبيرة"، كان هذا ضمن سياق حديثنا الذي تناولنا به طريقة تعامل الرجل السعودي مع الأزياء بوجه عام، وكيف يمُكننا تصوّر خزانته بوجه خاص. يميل معظم الرجال في السعودية، وتحديدا في الرياض، إلى ارتداء الثوب في حياتهم اليومية، وبالتأكيد في المناسبات العامة، وعند النظر إلى الثوب، هناك ثلاثة عناصر أساسية تجتمع في آن معا، وهي الثقافة والأناقة والعملية. وغالبا هذه العناصر الثلاثة هي الدافع خلف اختيارات الرجل السعودي لبقية القطع في الخزانة. على الرغم من أن التعامل مع الأزياء ومفهوم "الموضة" عند الرجل السعودي اختلف بشكل ملحوظ في السنوات السبع الأخيرة مع ظهور علامات الأزياء اليومية بكثرة، أو كما تسمى في مجال الأزياء "بأزياء الشارع"، فإنني أجد أنه لا يزال يختبر مدى قدرته على التجربة، ويميل أكثر إلى الاندماج مع أساليب المظهر الموجودة بالفعل، حيث إن قيمة أن يكون الجميع على النسق نفسه عالية جدا في مجتمعنا. لكن الرجال في الوقت نفسه يبحثون عمن يوازن لهم الأسلوب العملي، وطابع التميز البسيط، سواء على "هودي" أو سترة أو قميص، أو حتى بنطلون، وهذا قد يتجسّد في تفاصيل صغيرة مثل العبارات التي يشعرون بأنها تعبّر عنهم، والتي قد تكون أحيانا ساخرة أو عميقة، وأحيانا لا معنى واضحا لها سوى أنها مميزة في سياق ما، أو رسومات الجرافيك والمطبوعات ذات الطابع العصري وأحيانا المرح. وهذا السياق يساعد على دفع علامات مثل "قُرمز" بعيدا عن الخزانة، مقارنة بـ Not Boring مثلا، لكون هذا المستوى من بساطة المعنى والتكيّف مع عفوية الشباب وبحثهم عن الرسومات السهلة أكثر من الدلالات العميقة لن تجده كثيرا في "قُرمز"، لكنك ستجده في Not Boring التي تسعى إلى إثبات فكرة أنها عفوية، وإلى حد ما غير متوقعة في كل مجموعة أو "دروب" يقدمه أباحسي وفريقه.
ولذلك تملك Not Boring فرصة أكبر للوصول إلى خزانة الرجل السعودي، لكونها أكثر اتصالا بالشارع من "قُرمز"، وعلى الرغم من ذلك لا يزال أباحسي يرى أن حصته صغيرة.
"قُرمز" ثقافية أكثر، وتدغدغ حاسة الانتماء والاتصال بالإرث، وتتمكن ببساطة من ربط الجيل الجديد بأجداده. أتذكر حينما أرسلت لي "قُرمز" البشاية التي أجدها الأبرز في تاريخ العلامة، وهي تصميم يجمع بين البشت والعباءة، ارتديتها للمرة الأولى عند تسجيل حلقة "بالحديث عن الأزياء التقليدية" مع العابد لبودكاست "بالحديث عن الموضة". قلت حينها للعابد، إنني أشعر بأن جدي كان سيكون فخورا بي. ابتسم، ويبدو أنه وجد من يُدرك أن "قُرمز" ليست فقط بتصاميمها، بل بالقصة والشعور أيضا. كما أن العابد متصل جدا بهذه السردية، وملتزم بهذا المبدأ على الرغم من التحديات التي بدأ يواجهها المصمم السعودي عموما أثناء محاولة تشكيل صورة متطوّرة للأزياء التقليدية، إذ يشعر الشارع أو العامة في كثير من الأحيان أن معظم الأفكار الإبداعية التي يخرج بها المصممون بهدف عصرنة الأزياء التقليدية أو تحويل العناصر غير القابلة للارتداء إلى حقائب مثلا، أفكار غير منطقية. البعض يرى أن الأزياء التقليدية غير قابلة للمس، والبعض يجد أن إضفاء الفن عليها ينُم عن عدم أخذها بجدية. وهناك بالتأكيد من يدعم هذه الخطوات الجديدة ويشتريها.
"قُرمز" على الرغم من أنها تملك قدرة عالية على رؤية الثقافة من زاوية مختلفة عن الجميع، فإنها تبقى أكثر رتابة وأقل مسرحيّة، وإن حاولت أن تبرهن على عكس ذلك، فهي بالطبع محكومة بقدسية التراث. والرتابة أو التوازن بين الأناقة والحس الثقافي هو ما يجعل الوصول إلى النخبة والرجال القياديين والأكثر تأثيرا بالنسبة لـ"قُرمز" تلقائيا وممكنا، على عكس Not Boring البعيدة عنهم تماما، لكونها تلبي رغبة "الشباب" في الظهور العملي والمميّز البسيط في الحياة اليومية. وبالطبع يعي أباحسي ذلك، ويُدرك نوعية عملائه، وأن علامته ليست للجميع، ولكن هنا نجد أن القطعة الصغيرة من الكعكة أيضا يتم تقسيمها بين علامات مختلفة النوع مثل: Not Boring و"قُرمز"، حتى أصبحوا لا يتنافسون على مدى حجم حصتهم، بل على نوعية الرجل. هذا لا ينطبق بالتأكيد على "لومار" مثلا، التي تصب تركيزها على الثوب السعودي الذي يشغل الحيّز الأكبر في الخزانة، لكنها بالطبع تواجه تحديات مختلفة مثل الاستمرار في إقناع الرجال باقتناء ثوب فاخر وغالي السعر نسبيا بمواد طبيعية.
إذا كانت "قُرمز" نخبوية وNot Boring أكثر ارتباطا بالشارع، فهناك نوع ثالث من علامات الأزياء التي تقدم ملابس رجالية لديه فكر جديد وأزمة مختلفة مع الكعكة المقسومة، وهو النوع الأقرب إلى أن يكون فاخرا. وهنا أقصد تحديدا نورة سليمان. تقول لي المصممة التي تصنف على أنها أول مصممة أزياء رجالية فاخرة في السعودية: "الأزياء النسائية يسهل بيعها أكثر من الأزياء الرجالية، إذ إن الرجل بحاجة إلى إقناع أكثر، وهذا على قياس عالمي، وليس فقط في السعودية". لم تتردد نورة في أن تناقش معي هذا الموضوع، ولم تحاول حتى تلميعه، على الرغم من كونها تقف وحيدة ومتميزة على منطقة جديدة من الأزياء الرجالية في السوق السعودي. ففكرة أن تبدأ مشروع علامة فاخرة وتوجّهها للرجال، تجعلك مباشرة أمام تحدي الإقناع وأيضا المقارنة من ناحية الجودة والسعر. وتكمل في حديثها معي، وتقول: "سوق الأزياء الرجالية يضعك في تحدٍّ كبير من نواحٍ عدة. لا يمكننا إنكار ذلك، ولكن هذا لا يعني أننا لم ننجح في التعامل معه". تحدثت معي بإسهاب عن أن هذه المشكلة لها نطاق عالمي واسع، حيث تجد أن مدى توسّع وانتشار العلامات المتخصصة في الأزياء الرجالية أقل من النسائية. كما ترى أن العلامات الكبيرة التي تقدم الأزياء للجنسين، تضع تركيزها أكثر على الأزياء النسائية لكونها تجني منها أرباحا أكثر. وأشارت إلى أنه حتى في المتاجر متعددة الأقسام قسم الأزياء الرجالية هادئ مقارنة بقسم النساء.
مشكلة الكعكة المقسومة لا يعاني منها مصممو الأزياء النسائية السعوديون مثلما يعاني منها مصممو الأزياء الرجالية، فالنساء في السعودية متنوعات وأكثر تقبلا للمختلف، بل يبحثن بشكل مستمر عن الجديد، وأحيانا يصنعنه بأنفسهن ويتخطين المصممات. وهن بطبيعة الحال يلعبن دورا ملحوظا في سوق السلع الفاخرة عالميا. فليست فقط المصممة السعودية من تعرف شخصية العميلة السعودية، بل أيضا Dior وChanel على سبيل المثال. هذا لا يعني أن النساء السعوديات لا يشتركن مع الرجال في الميل إلى ما هو سائد في المجتمع، والابتعاد عما هو مختلف بشكل كبير. قيل لي أكثر من مرة إن حفلات الأعراس الفاخرة في الرياض تكاد لا تخلو من فساتين إيمان العجلان. وهذا مؤشر على أن هناك نمطا متكررا في المظهر العام في مجتمع النساء. وهنا لست أنتقد، وإنما أحلل سلوكيات المجتمع.
قالت لي زميلة عمل غير مطلعة على مجال الأزياء ذات مرة: "لا أفهم لماذا كثير من البنات يقصدن بوتيك إيمان العجلان! فكلنا نعرف تصاميمها". وهذه مسألة شائكة، فليس هناك مشكلة في أن يعرف العميل ما سيجده عند المصمم، ولكن المشكلة في الطريقة التي يقول فيها ذلك. قد يتساءل البعض: لماذا لا تغيّر إيمان العجلان أو حتى إيلي صعب وزهير مراد نوعية التصاميم التي يقدمونها. وببساطة السبب هو أن لديهم قاعدة عملاء مستدامة تجعلهم بشكل غير مباشر يؤمنون بعبارة "بيرت لانس" مدير مكتب الإدارة والميزانية في عهد الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر"، الشهيرة: "إذا كان هناك ما يؤدي أداء جيدا، فلا تعبث به". كما أن ما يقدمونه هو تجسيد لرؤيتهم ووجهة نظرهم التي لا يمكن استبدالها بسهولة، فتصاميم المصممين تشبه القناعات الشخصية. وعموما الهيمنة على الشارع أو العموم مثل التي أجدها عند Not Boring وإيمان العجلان، مع فارق نوعية العملاء طبعا، هي ميزة يطمح إليها الجميع في قطاع الأزياء. فلا يوجد سيناريو أفضل للمصمم من أن يكون محبوب الجماهير، إلا لو كان ذلك لفترة وجيزة فقط، وهو ما يُسمى "بالترند" في مجال الأزياء. حينها تكون سقطة العلامة قوية وموجعة.
في الواقع هناك تفاوت واضح بين إمكانية وصول علامات الأزياء الرجالية إلى الرجل السعودي وبين وصول علامات الأزياء النسائية للمرأة السعودية، فهذا لا يعني أن المرأة السعودية سهلة الإرضاء، فهي أيضا بطبيعتها انتقائية على مقاييس مختلفة، لكن يبقى إقناع الرجل السعودي أكثر صعوبة، وإن كثفت أساليب التسويق، واستخدمت المشاهير الصغار والعلاقات العامة، كما تفعل Noble & Fresh. وعلى عكس علامات الأزياء النسائية، تواجه علامات الأزياء الرجالية السعودية شخصية الرجل الانتقائية وأحيانا الحذرة، وفي الوقت نفسه هناك مشكلة أكبر، وهي عدم قدرتها على مجاراة السوق الصيني الذي يزُج بالبضائع بسرعة هائلة، وبأفكار ليست بعيدة عن أفكارهم في بعض الأحيان. نعم إن مصممي الأزياء النسائية يواجهون مشكلة السوق الصيني أيضا، لكنهم على الأقل لديهم ميزة التجربة التي تملكها المرأة، إذ أن هناك نساء لا يمانعن شراء قطعة بهدف اختبارها. أما الرجل فغالبا لن يجازف، والسوق أيضا يلقنه أن خياراته محدودة. كما أن المناسبات الخاصة في السعودية لا تطلب من الرجل سوى ثوب وشماغ، على عكس ما تطلبه من النساء، وهو ما يجعل توجّههن إلى المصممين واردا جدا ولأسباب كثيرة.
المجتــمــــع الـسعــــــودي كـــكــــل نـــشـــأ عـــــلى مبدأ الأناقة والمظهر المرتب. وهذه من الطباع التي يصعب اختراقها اجتماعيا. قد ترى في السعودية تنوعا في أسلوب المظهر، لكنك لن ترى مظهرا غير لائق، فالجميع يلتزم الأناقة، ويشعر بأنها ضمن احترام الغير والعامة حتى في الأماكن البسيطة مثل المقاهي الصغيرة. جرّب أن تزور الرياض في الشتاء، وأن تلقي نظرة عامّة على الشارع، وستدرك فورا كيف يتعامل السعوديون مع الأناقة كقيمة عالية. الأمر في الصورة الكبيرة يدعم التنوع في مجال الأزياء السعودية، ويدفع المصممين إلى التنافس على كل الحصص، سواء الصغيرة أو الكبيرة. أؤمن بأن مشكلة الكعكة المقسومة التي لا تُشبع مصممي الأزياء الرجالية مفيدة. وأعتقد أنه على الرغم من ذلك، هناك ميزة تنافسية يمكنهم الاستحواذ عليها، وهي رغبة السعوديين بشكل عام في ارتداء علامات سعودية من باب التأييد للصناعة والترابط أيضا. كما أن الثقافة السعودية هي كنز من الأفكار الإبداعية التي من خلالها سيتمكنون من إقناع الرجال. الأمر يتطلب فقط إبداعا جديدا ومختلفا، ونظرة غير مسبوقة للأشياء من حولهم، وتوقعا مستقبليا لمظهر الرجل، ورغبة في تحمل مسؤولية تشكيل خزانة جديدة للرجل السعودي.