الفنانة المغربية العالمية Faouzia نجمة ديسمبر من "هي": جذور وأجنحة
تتحدث الرسامة الحداثية الأمريكية الراحلة "جورجيا أوكيف" في أحد أشهر أقوالها عن أهمية تعبير الفنان عن نفسه دون أن يفكّر في رأي الآخر بما يبدعه، مشددة على أهمية تحليه بالشجاعة حتى يبني عالمه الخاص في أي من الفنون. وهو تماما ما تفعله صاحبة الموهبة الموسيقية الفريدة "فوزية أويحيى"، التي تجرأت أولا على مشاركة قصصها الشخصية من خلال موسيقاها، وأيضا على دمج الأصوات والأنغام الحيوية بالكلمات والموضوعات العميقة والعاطفية، ودائما على الاحتفاء بثقافتها وجذورها المغربية على طول طريق نجاحها العالمي.
تغني في أحد أشهر أعمالها، جملة "لم أولد بدون قلب"، هي التي ولدت بقلب يفيض حبا، حبا للعائلة والوطن والفن والموسيقى والحيــــاة. ولدت المبدعة الشغــوفــــــــة، التي يعرفها العالم باسم "فوزية" في مدينة الدار البيضاء، هناك حيث تلتقي الحضارات والثقافات في العمارة والفن والتقاليد، وتحكي الشوارع والأزقة قصصا من الأمس واليوم تردد صداها أمواج المحيط الأطلسي اللامتناهي الآفاق.
وانتقلت مع عائلتها إلى كندا، وهي لا تزال طفلة صغيرة، وأقامت في بلدة ريفية صغيرة ضمن مقاطعة مانيتوبا الكندية، حيث عاش المغرب فيها ومعها. فظلّت تسافر مع العائلة إلى المغرب باستمرار، وبقيت متعلّقة دائما بجذورها وثقافتها المغربية التي لعبت ملامحها دورا كبيرا في تشكيل هويتها. منذ طفولتها، كانت الموسيقى ملاذها الآمن ومصدر تعبيرها الأقوى. وفي سن الرابعة، عبرت عن رغبتها في تعلم العزف على البيانو، فبدأت رحلة فنية نجومية يقودها صوت ساحر بمداه الاستثنائي، وتحدد إيقاعها أنغام آلات تجمع الماضي بالحاضر والتراث بالحداثة والشرق بالغرب.
بداية الحكاية
استطاعت الفنانة فوزية أويحيى أن تحجز لنفسها مكانا بين أبرز الأصوات العالمية لجيلها، آسرة القلوب بموسيقاها وحضورها وقصصها. وقد بدأت الحكاية في طفولتها، التي نشأت خلالها في بيئة متعددة الثقافات رسّخت الجذور المغربية الأصيلة في قلب "فوزية" ولحّنت أفكارها في الوقت ذاته بأنغام عالم الموسيقى الغربية المتنوع. وصنعت هذه الثنائية منها الفنانة الفريدة التي نراها اليوم: مغنية وكاتبة أغانٍ احتضنت أعمالها إيقاعات البوب العالمي والتأثيرات العربية والأصوات الكلاسيكية.
في أحضان عائلتها، التي يجمع بين أفرادها رابط حب قوي أبدي، اكتشفت "فوزية" شغفها بالموسيقى حين شاهدت شقيقتها وهي تعزف على البيانو، فانطلقت قصة حبها هي مع هذه الآلة الكلاسيكية، قبل أن تدخل إلى عالمها المبدع لاحقا آلات أخرى، مثل الغيتار والكمان. أما كتابة الأشعار وتأليف الأغاني، فتبلورا شيئا فشيئا منذ أن كانت في سن الخامسة فقط، إلى أن بدأت تلفت الأنظار في أرجاء كندا خلال سنوات المراهقة، حين حصدت جوائز كثيرة في مسابقات موسيقية مختلفة.
وسرعان ما وقّعت عقدا مع وكالة لتمثيل المواهب، لتطلق بعد ذلك أغنيتها المنفردة الأولى. وبدا واضحا منذ المراحل الأولى لمسيرتها الفنية نحو العالمية أن "فوزية" تمتلك شيئا استثنائيا: ليس فقط مدى صوتها الباهر، بل أيضا نضجها العاطفي الذي منح موسيقاها عمقا نادرا.
في أعماق الوجدان
استوحت "فوزية"، التي تتكلم الإنجليزية والفرنسية والعربية بطلاقة، كلمات أولى أغنياتها من تجربة الطفولة في الغربة التي أحسّت فيها بالإقصاء، وواجهت التحدّي الذي تعتبره الأكبر في حياتها آنذاك، وهو التأقلم. وبنغمات حماسية ديناميكية، ظلت تستكشف معاني عميقة وتنقلها بكلمات مؤثرة لا تخشى تحريك العواطف وتحريرها، فلامست قلوب مستمعيها بقصص مستوحاة من تجاربها الحياتية تحاكي خبرات الملايين حول العالم.
"فوزيــــة" المتـــــأثرة بأيقـــــونــــــات البوب الغــــــربي، وكــــذلك عبـــــــاقــــــــرة الموسيــــقــــى الكلاسيـــكــيــــة تحــــكي في أغانــيــهـــــا قصصـــا عن الـحـــــب والصمود والانتصار، وهو ما أكسبها قاعدة جماهيرية كبيرة تمتد عبر القارات، وشجّعها على استخدام منصتها وموهبتها لمشاركة الآخرين رسائل قوية، مثل الاحتفاء بفرادة الإنسان وأهمية احتضانه لهويته وقدرته على أن يكون هو البطل في قصّته.
هكذا، في زمن أصبحت فيه الهوية والتمثيل الثقافي أهم من أي وقت مضى، تقف "فوزية" حاملة اعتزازها بإرثها الثقافي وإصرارها على سرد قصّتها، لتكون منارة ملهمة للشابات حول العالم، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
عام الإنجازات
بعد سنــــوات من النـــجـــــاح بأغانٍ منــــفردة، وأسطـــــــوانات مطوّلة، ومشاريع موسيقية تعاونية مع فنانين عالميين مثل "ديفيد غيتا" و"كيلي كلاركسون" وطبعا "جون ليجيند" في أغنية "ماينفيلدز"، أعلنت "فوزية" قبل فترة قصيرة أنها أصبحت فنانة مستقلة للمرة الأولى في مسيرتها المهنية، مصرّحة بأن كل ما أرادته هو إبداع فنّ تشعر بأنها شغوفة به، وإصدار ألبومات تفتخر بها، مؤكّدة حماسها لما سيأتي بعد أن صارت زمام الأمور بين يديها. وفي الفترة نفسها، كان لها ظهور متألق في مدينة دبي، حيث كرّمها مهرجان "ضيافة" خلال حفل توزيع جوائزه، بجائزة "أفضل فنانة دولية لعام 2024"، حين عبّرت عن امتنانها وسعادتها بكلمات صادقة ورقيقة ونابعة من القلب.
وفي شهر ديسبمر الحالي، اعتلت مسرح "بيلبورد عربية" في النسخة الأولى من حفل جوائزها، وقدّمت في قلب الرياض أداء حيّا أبهرت فيه الحضور. هناك، في العاصمة السعودية، التقت "هي" بالفنانة العالمية "فوزية أويحيى" للتعاون على غلاف عددنا الأخير لهذه السنة، عددنا الذي يحتفي بالإبداع الحقيقي. والنتيجة قصة مرئية عن العصرية والأصالة، مكللة بالتراث وملونة بالحداثة لتعكس تعلّق "فوزية" بالتراث المغربي، ولقاء الثقافات الغربية والشرقية المتجذر في فنّها وهويتها، من خلال أزياء وتفاصيل مشبعة بالبصمات المغربية التقليدية في تفسير جديد.
آفاق الغد
تواصـل "فوزيــــة" رسـم ملامـــــح مســـيــــرتـــهــــا الفنــــــية بألبـــومها الأول المرتقب، الذي سيكون انعكاسا لنضجها الفني والشخصي. من خلاله، تعدنا بسيمفونية موسيقية تعكس رؤيتها الفنية بكامل أوجـــهــهـــا. ومع كــــل أغــنــيــــة وكل خـــطـــــوة، تواصـــل "فوزية" بإصرار وشغف كسر الحواجز ومحو الحدود، جغرافية كانت أم ثقافية أم موسيقية. بوهج لا ينطفئ، يشع نجمها، فيلهم الأجيال الصاعدة، ويدعونا كلّنا للاحتفال بالاختلافات التي تجعلنا فريدين ومميزين. وبلغة الموسيقى التي هي وسيلة التواصل الأولى بين الروح والروح، تذكرنا "فوزية" بأن الفن الأصيل ينبع من القلب، من الجذور التي تشكلنا، ومن الجرأة على الحلم بلا قيود؛ تذكّرنا أن نحتفل بأنفسنا.