
حين يتحوّل الحب إلى أزياء.. عاطفة تنسج بخيوط الفن
في عالم الأزياء، لا يعدّ الحب مجرّد إحساس، بل هو النبض الذي يحيي القماش، والهمسة التي تلهم التصاميم. من الإلهام الخفيّ إلى البوح الإبداعي، يسكب المصممون مشاعرهم في إبداعات تتجاوز الجمال الظاهري، لتصبح تجسيدا صادقا لأحاسيسهم. كل غرزة تروي حكاية، وكل قصّة تحمل ذكرى، وكل مجموعة تتحوّل إلى رسالة حبّ، سواء كانت لملهمة، أو للحظة خالدة، أو لحلم جامح. فحين تتجلى العاطفة في الأزياء، لا تعود القطع مجرّد أقمشة تُرتدى، بل تصبح أحاسيس تحسّ وهوية فنية تُترجم بخيوط الحِرفة والإبداع.
ALEXANDER MCQUEEN.. قصة حب أسطورية بين الظلام والنور

في عام 2008، أطلق المصمم الراحل "ألكسندر ماكــــويـــــن" مجـــمـــوعــــة "الفـــتـــــاة التي عــــاشــــــــــت في الشــجـــــرة"، مستــــلهما من أسطورة فتاة برية وقعت في حب أمير، فتحولت إلى أميرة تتلألأ بالفخامة. جاءت التصاميم كتحول بصري بين العتمة والضوء، من القصّات الحادة إلى الفساتين المطرزة بغزارة، كأنها سردية مجازية لقوّة الحب في تغيير المصائر.
في النهاية، تبقى الموضة مرآة للمشاعر، والحب هو مادتها الخام الأجمل. في كل درزة تحاك، تكمن حكاية وفي كل قطعة تولد، ينبض قلب جديد.
VALENTINO.. حين يهمس الشعر في ثنايا القماش

في مجموعة "فالنتينو لخريف 2019"، اجتمع الشعر مع الأزياء في حوار بصريّ نابض بالرومانسية. تحت إشراف المدير الإبداعي السابق "بييرباولو بيتشولي" تزيّنت بعض القطع بأبيات من الشعر، فتحولت التصاميم إلى قصائد معاشة تُرتدى كما لو كانت رسالة حبّ تلامس الجلد.

عندما يصبح الوطن مصدر الإلهام.. تجسيد الهوية والثقافة بأنامل المصممات السعوديات
ليــــس من المســـتــــغـــــرب أن تـــجـــــد الطبيــــعة والتراث الســــعــــــودي طــــريــــقــــهـــمـــا إلى الــمــنــصــــات العـــالمــيــــة، فالمملكة ليست مجرد وطن، بل هي قصة تحـــكى بلغة الرمال والبحر والنخيل، في كل خيط ينسج وكل قصــــة تــــروى على القـــمـــاش. في أسبوع الأزياء في الريــــاض، لـــم تــــكـــن الـــعــــروض مجرد استعراض للأزيــــــاء، بل قـــــصـــائــــــد تحـــتـــفــــي بجـــــمال الأرض وتقاليدها العريقة.
البحر الأحمر.. إلهام يتهادى على المدرج

في أحدث مجموعاتها، أخذت دار الهنوف عشاق الموضة في رحـــلـــــة بصرية عبر البحر الأحمر، حيث تــــمــــــاوجت الفســــاتـــيـــــن كـــأنــــهــــا أمواج ناعمة تعانق الشاطئ. كانت الإطلالة الأولى بمنزلة نافذة تطل على مشهد سعودي أصيل، حيث التقت ألوان البحر وأطيافه مع تفاصيل مترفة تعكس تضاريس الساحل الفريد. لطالما كان البحر الأحمر نافذة المملكة على العالم، بحضوره الأزلي وسحره الذي لا ينضب، فكيف لا يكون مصدر إلهام تتراقص تفاصيله على القماش؟
فستان من همسات القمر.. حين يتحول الحب إلى أسطورة تُرتدى

28 حرفيا، وأكثر من 4 آلاف ساعة من العمل الدقيق، وفستان يجسّد التقاء الإلهام العريق بالتقنيات الحديثة.
تحفة فنية مرصعة بـ 34 ألف كريستالة، مرصوفة بدموع ثلاثية الأبعاد، ومطرّزة يدويا بمشاهد راقصة وسط عناقيد الكروم، وزنابق الوادي، وزهور الوستارية، ونوافير تحاكي حدائق الأساطير.
"أندريا بروكا"، المصمم الذي لا يعترف بالحدود الإبداعية، قدّم فستان MOONLIGHT WISTERIA، فابتكر تعريفا جديدا لما يمكن أن يكون عليه فستان الزفاف الخيالي.
لكن هذا التصميم لم يكن مجرد استعراض للحرفة، بل ولد من عاطفة صادقة، تجسيدا للصداقة والحب في أبها صورهما. فقد صمم الفستان خصيصا لعروس استثنائية، "كلوي روجرز" صديقة المصمم منذ أيام دراستهما معا في CENTRAL SAINT MARTINS، حيث التقيا للمرة الأولى. في أواخر سبتمبر 2024، ارتدت "كلوي" هذا الفستان في حفل زفافها الفاخر في فندق GRAND HOTEL DU CAP FERRAT على الريفييرا الفرنسية، ليصبح جزءا من لحظة حب خالدة.
عند التأمل في تفاصيله، تظهر الدموع المطبوعة بتقنية 3D، والتطريزات اليدوية التي ترسم لوحات راقصة وسط مشاهد طبيعية تنبض بالحياة، تستحضر فخامة الجداريات الرومانية القديمة وسحر حدائق بابل المفقودة. أما الخيوط البيضاء المصنوعة من ذهب عياره 18 قيراطا، فتضفي عليه لمسة من الفخامة الملكية، بينما تتناغم أقمشته من الشيفون المطبّق يدويا، وطبقات الأورغانزا الملونة، والحرير المزدوج في درجات مضيئة تتغير مع الضوء، تماما كما يتبدّل ضوء القمر مع حركة الليل.
تعدى هذا التصميم الفكرة وتجلّى كعمل فنيّ خالد، يثبت أن بعض المشاعر لا تحكى بالكلمات، بل تطرّز على الأقمشة، وترتدى كذكرى من زمن لا ينسى.
تراث يتجدد.. الطبول وحكاية النفط الأولى

أما المصممة هنيدة الصيرفي، فقد اختارت أن تحاكي إرثا مختلفا، حيث استعادت ذاكرة المملكة إلى عام 1938، إلى أول قطرة نفط تدفقت من بئر الدمام رقم 7، وحوّلتها إلى قطعة فنية عبر حقيبة "البرميل الأخضر". لم تكن مجرد قطعة إكسسوار، بل كانت رمزا يحتفي بالتحولات الكبرى التي صنعت الحاضر، بحرفية تتمازج فيها الأناقة المعاصرة مع نبض الماضي. تماما كما تعزف الطبول إيقاعاتها في المناسبات التقليدية، كذلك جاءت هذه القطعة لتعزف سيمفونية الثقافة السعودية على منصات العرض العالمية، شاهدة على كيف يمكن للأزياء أن تكون مرآة للهوية.
النخلة رمز الحياة والصمود في "أباديا"
أما علامة ABADIA، فقد غزلت حكاية مستوحاة من رمز خالد: النخلة. هذا الكائن الذي ظل شامخا في صحاري المملكة، وشاهدا على أجيال توارثت الحكمة والقوة. في مجموعة "ريزورت 2025"، أعادت المصممة شهد الشهيل صياغة العلاقة العميقة التي تربط أهل الأحساء بالنخيل، تلك الأشجار التي منحتهم الظل والغذاء، وكانت جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية. من هنا، افتتحت العرض بكلمات من أوبريت "مولد أمة"، وكأنها ترسم جسرا بين الماضي والحاضر، بين الجذور والحداثة.

تلألأت التصاميم بألوان الأرض الحيادية، من الأبيض والبيج إلى الأخضر الزيتي، في قطع عكست تباينا جميلا بين الانسيابية والهيكلية، وبين الحرفية الفاخرة واللمسات العصرية. النخلة، تماما كعلامة ABADIA، ليست مجرد عنصر بصري، بل هي هوية متجذرة، صامدة، تنبض بالحياة، تماما كالأزياء المستدامة التي تقدمها الشهيل، والتي صنعت لتبقى.
الأناقة المتوارثة.. حين تصبح العائلة هي الإلهام الحقيقي
في عالم الأزياء، هناك تصاميم تأسر العين، وهناك تصاميم تلمس الروح. في أسبوع الأزياء في الرياض الأخير استعرضت العلامات مستويات باهرة للأناقة، وعَكست قيما متجذرة لحكايات متوارثة، ولحب ينبض من قلب العائلة. كل مجموعة قدّمتها المصممات السعوديات حملت في طياتها قصصا عن الأهل، وعن الأجداد، وعن الذكريات التي لا تبهت وعن الحب الذي يترجم إلى أقمشة وتفاصيل تنبض بالحياة.
"فهده" لأشواق المرشد.. إرث الأناقة الممتد بين الأجيال

مجموعة "فهده" كانت إهداء شخصيا من مصممة لابنتها، ومن جيل إلى آخر. إنها قصة الأناقة التي تنتقل بين الأمهات وبناتهن، بين الجدات وحفيداتهن، قصة الملابس التي ليست مجرد قطع تُرتدى، بل كانت حكايات منسوجة من الذكريات والعادات العائلية. من الوردي الدافئ الذي يعكس الحنان، إلى العنابي الغني الذي يذكر المصممة بأناقة جدتها وعبق شيلتها، جاءت المجموعة كأنها صندوق مجوهرات يضم إرث النساء السعوديات.

في كل ثنية من الشيفون، وفي كل تطريز متقن، كانت هناك لمسة حب، لمسة تذكّر بأن الموضة ليست فقط عن الصيحات، بل عن المشاعر التي نحملها معنا في تفاصيلها، عن القصص التي نرتديها بفخر كما نرتدي ذكريات الطفولة وأحضان الأمهات.
حنين الذكريات في كل غرزة مع منى الشبل

مجموعة "ذكريات" هي رسالة حب من حفيدة إلى جدتها. منى الشبل لم تقدّم مجموعة جديدة فحسب، بل استحضرت طيف جدتها "نورة" في كل قطعة، جعلتها حاضرة في التطريزات المستوحاة من الحناء، في النقوش التي تزين الأكمام، وفي تلك التفاصيل التي تحاكي الزخارف التي اعتادت الجدات رسمها بحنّاء معطرة في أيدي الصغيرات.

كل قطعة كانت امتدادا لذاكرة عائلية، لرائحة العطور في خزائن الجدات، لأقمشة خفيفة ترفرف في ليالي الصيف الدافئة، لقصص تحكى على ضوء القمر. جاءت الدنتيلات كأنها وشاح من الحنين، تغطي العينين لا لتحجب الرؤية، بل لتجعلنا نرى الماضي بنظرة جديدة، بنظرة مليئة بالشغف والامتنان لمن سبقونا ومن ألهمونا.
عندما يتحول الحب الأبوي إلى قصة خالدة في أتيليه حكايات

المجموعة التي قدّمتها علياء وعبير عُريف كانت خطاب حب، ورسالة وفاء، وحكاية لوالد رحل لكنه بقي في كل غرزة، وفي كل طية، وفي كل قطعة تحاكي المســـــرح الذي كـــــان جزءا من روحه. من اللون الأسود الدرامــــي إلى البنفسجي الغامض، إلى الطبعات التي تحكي عن جدة، كانت التصاميم أشبه بصفحات كتاب تروى بصمت، بلغة القماش والتفاصيل، وبلغة الشوق والاشتياق.
كان من الصــــعـــــب ألا نــــشــعـــــر بتــــلك المشاعر التي حملتها هذه المجموعة، وخاصة عندما امتزجت العروض بصوت يروي ذكريات الطفولة، ويخاطب الأب الراحل بكلمات حب خالدة. في النهاية، كانت هذه المجموعة تكريما لكل أب زرع في أبنائه حب الحياة، وحب الإبداع، وحب تحويل الحنين إلى فن خالد.
حين تصبح الموضة انعكاسا للعائلة
ما قــــدّمتـــــه المـــصــمــــمــــات السعــــوديــــــات في أسبوع الرياض للأزياء لم يكن مجرد عروض أزياء، بل كان انعـــكـــاســــا لعلاقــــة المرأة السعودية بجذورها، بعائلتها، وبماضيها الذي تعيد صياغته بلمسات معاصرة. سواء كان ذلك في إرث الأمهات الذي احتفت به أشواق المرشد، أو في رسالة الوفاء لروح الجدة عند منى الشبل، أو في الخطاب العاطفي العميــــق لعلــيــــاء وعبـــير عُريف، كان هناك خيط مشترك يربط هذه المجموعات جميعها: العائلة، والحب، والذكريات التي تبقى، حتى حين يتغير كل شيء آخر.