خاص "هي": فنون التراث X دار الهنوف: عندما يُنسَج التراث بخيوط الكوتور

خاص "هي": فنون التراث X دار الهنوف: عندما يُنسَج التراث بخيوط الكوتور

نورا البشر

في قلب جناح المملكة الفاخر بفندق “فور سيزونز” الرياض، كان التاريخ حاضراً، متجسداً في كل قطعة من مجموعة فنون التراث X دار الهنوف، حيث التقت الحِرفية بالأناقة، والتقاليد السعودية بالأزياء الراقية، في تعاون أشبه بأن يكون حُلماً متجسداً على هيئة أزياء راقية خالدة.

المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية
المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية

منذ اللحظة الأولى، كان واضحاً لي أن هذه المجموعة لم تكن مجرد تصاميم، بل رحلةٌ في الزمن، تمتد عبر قرون من الإبداع الحرفي السعودي، مُعاد صياغتها بأسلوب حديث ومترف. بين ظلال البيج العاجي، والذهبي الترابي، والتطريزات التي تحمل بين خيوطها لمسات من كل منطقة في المملكة، جاء هذا التعاون ليحكي حكاية أجيال بعيون معاصرة.

المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية
المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية

 

حين يصبح الإرث جزءًا من معادلة الأناقة

بالنسبة للمصممة الهنوف مازن القبساني الجهني، لم يكن هذا التعاون مشروع آخر بل محطة فارقة في رحلتها نحو ترسيخ الفخامة السعودية بأسلوب عالمي، فلطالما كانت المصممة تسعى إلى دمج الفخامة مع الهوية السعودية من خلال التفاصيل الجمالية و قوة الفلسفة التصميمية التي تعكس جذور الثقافة بأسلوب عصري. منذ انطلاقتها، لم تكن الأزياء بالنسبة لها مجرد مهنة، بل مشروع شغف، رحلة تسعى من خلالها إلى بناء هوية بصرية تُحاكي التراث دون أن تعوقها حدوده.

في هذا التعاون، وجدت الهنوف فرصة لدمج عالمها المترف الذي يرتبط بالكريستال الفاخر و قصات الأزياء الراقية مع عالم “فنون التراث”، حيث يمتد عمق الحِرفة اليدوية السعودية. كان اللقاء بين هذين العالمين أشبه بمزيجٍ من الضوء والظل، حيث يتوهج الكريستال النمساوي ببريقه، بينما تروي التطريزات التراثية حكاياتٍ من الماضي، مُعاد حياكتها بلغة الـ"هوت كوتور".

"منذ انطلاقتي، كان هدفي تقديم الفخامة بأسلوب يعكس الهوية السعودية برؤية عصرية. هذا التعاون يعزز مكانة الأزياء السعودية عالميًا، ويُسهم في ترسيخ هوية راقية للمناسبات الخاصة، تعكس ثقافتنا بلمسات حديثة تواكب التطور.”

في هذه المجموعة، وجدت المصممة نقطة التقاء مثالية بين عالمين متباينين ولكنهما متكاملان—عالم الحِرف اليدوية العريقة الذي تمثله “فنون التراث”، وعالم الفخامة والتألق الذي لطالما ميّز “دار الهنوف”. كان هذا التناغم واضحًا في كل تفصيل من تفاصيل المجموعة، حيث تداخلت الفخامة المعاصرة مع جذور الحرف التقليدية، مما خلق تصاميم متألقة تجمع بين الرقي والأصالة.

“نخلق تصاميم تعكس الفخامة المعاصرة برؤية مستوحاة من الأصالة، مع الحفاظ على الهوية التراثية بأسلوب راقٍ وحديث، حيث يتألق الترف مع لمسات التراث، ليشكلان معًا هوية جديدة للموضة السعودية.”

 

من “رفيعة الشأن” إلى “الثريا”: قصائد مطرزة تستعيد بريقها

في وسط المعرض، وقف فستان الزفاف “رفيعة الشأن” شامخاً كتحفة ملكية، مستلهماً من الثوب المسرح النجدي الذي اشتهرت به نجد، لكنه أُعيدت صياغته بأكمام دانتيل واسعة وغطاء رأس مطرز بزخارف نجدية، مع فستان من الكريب يفيض بالأناقة الخالدة.

"رفيعة الشأن" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية
"رفيعة الشأن" المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية

أما في إطلالة “الثريا”، التي تستمد اسمها من رمز النور المتوهج، فتجسدت الفخامة العصرية من خلال تيور مصنوع من التفتة المورية الفرنسية، مع تنورة من الدانتيل الفرنسي الفاخر، مُطرزة بوحدات مستوحاة من إرث نجد والحجاز، تلمع بوهج فضي يعكس تألق النجمات في السماء.

"الثريا" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية
"الثريا" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية

وفي انعكاس آخر للطبيعة السعودية، كان فستان “الهبوب” تكريماً لرمال الربع الخالي الذهبية، حيث انسكب الشيفون الطبيعي والدانتيل المقصب بالذهبي كضوء الغروب على الكثبان، مرصعاً بكريستالات سواروفسكي، مستلهماً من ثوب المتفت التراثي، الذي يحمل ذكرى شخصية للمصممة مُستوحى من قطعة تعود لجدتها الراحلة حصة.

"الهبوب" من "الثريا" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية
"الهبوب" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية

أما “الزري”، فكان احتفاءً بالحِرفة الأحسائية التقليدية، حيث تدفقت خيوط الحرير الذهبية فوق فستان بشال منسدل، مطرز بخيوط “الزري” الفاخرة بدرجات الأزرق والبني، مُستلهماً من نقوش الأحساء القديمة.

"الزري" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية
"الزري" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية

وفي تصميم “التحوال”، عادت العروس النجدية إلى الواجهة، في فستان مستوحى من ثوب التحوال التقليدي، بطابعٍ عصري مطرز يدويًا، مع طرحة طويلة تبدأ من الرأس بطريقة عكسية، مُطرزة يدويًا بالورد البارز بلون الخزامى، ومرصعة بكريستالات سواروفسكي المتلألئة.

"التحوال" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية
"التحوال" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية

أما “الجاكرندا والضباب”، فقد كانت ترجمة بصرية لمشهد ربيعي من شوارع أبها، حيث تزينت أطراف فستان الكريب بنقوش تشبه أزهار الجاكرندا البنفسجية، بينما انسدل فوقها وشاح شفاف من الشيفون، وكأنه امتدادٌ للضباب الذي يعانق الأشجار.

"الجاكرندا و الضباب" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية
"الجاكرندا و الضباب" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية

حوار بين الحاضر والماضي.. بين الذهب والأسود العتيق

في أحد أركان المعرض، تجسدت الدراما والترف في فستان “الماسة السوداء”، بتصميم عصري فاخر من الكريب الفرنسي الأسود الداكن، مزين بتطريز هندسي ونباتي مستوحى من تراث المنطقة الشمالية، ليجمع ما بين أصالة الماضي وأناقة الحاضر.

"الماسة السوداء" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية
"الماسة السوداء" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية

أما فستان “خيوط الذهب”، فقد استمد إلهامه من ثروات المملكة الطبيعية، حيث جاء من الكريب والدانتيل الأسود، بخيوط “الكنتيل” المطرزة، مع سبع مناطق مطرزة في الفستان، في إشارة إلى عدد مناجم الذهب في السعودية.

"خيوط الذهب" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية
"خيوط الذهب" من المجموعة التعاونية ما بين فنون التراث و دار الهنوف للأزياء الراقية

ورأت الهنوف في هذه التفاصيل العميقة امتداداً لرحلتها الخاصة في عالم التصميم، حيث لم تكن تصنع فساتين فقط، بل كانت تحيك تاريخًا جديدًا للموضة السعودية بلغة توازن بين العراقة والتجدد.

“العنصر الأكثر تأثيرًا في هذه المجموعة هو المزج بين الفخامة العصرية والتفاصيل التراثية الحِرفية، حيث تم توظيف التطريز اليدوي الراقي والكريستال بأسلوب يعكس الترف والهوية الثقافية. أكثر ما يعكس ارتباطي الشخصي بهذا التعاون هو إبراز الحِرف التقليدية السعودية بأسلوب هوت كوتور، فهي تجسّد رحلتي في تقديم الأزياء السعودية بروح عالمية، مع الحفاظ على جذوري وهويتي التصميمية.”

 

“فنون التراث” ورؤية الوطن: حين يصبح الماضي مستقبلًا

تحدثت صاحبة السمو الملكي الأميرة نورة بنت محمد العبدالله الفيصل عن أهمية هذا التعاون، قائلة:

“نسعى لبناء جيل يعتز بتراثه ويعمل على صونه وإحيائه من خلال قطع أزياء راقية، صُمّمت بأيدي المصممة السعودية الشابة الهنوف القبساني الجهني، بالتعاون مع فنون التراث، بما يتوافق مع عادات وقيم مجتمعنا. وسيُخصّص جزء من ريع هذه المجموعة لدعم المجتمع في إطار مسؤوليتنا المجتمعية.”

 

نهاية مفتوحة.. وإرثٌ يستمر

اليوم، تخطت “دار الهنوف” كونها مجرد دار أزياء فقط، و أصبحت أرشيفًا للذكريات المطرزة، حيث يتحوّل التراث إلى لغة تنطق بالفخامة، وتتراقص القصص القديمة على إيقاع الأقمشة المتدفقة، كأنها تُعيد سرد حكايات الزمن و لكن بعيون المستقبل.

بهذا التعاون، لم تلتقِ دار أزياء بمؤسسة ثقافية فحسب، بل تلاقى الزمن بالحاضر، الماضي بالمستقبل، والأزياء بالهوية، في حكاية تنطق بأناقة خالد و استعراض للحِرفة الإستثنائية المُثقلة بوزن الشك و التطريزو راسخة بمعانيها و صِلتها العميقة بالجذور الثقافية و أصالة التقاليد.