حين تعيد المصممات العربيات رسم خريطة الفخامة

حين تعيد المصممات العربيات رسم خريطة الفخامة

نورا البشر

إعداد: Nora AlBesher
حين يلتقي الإبداع بالقوة، تولد لغة جديدة للأزياء، لغة تتجاوز القواعد المألوفة، وتتحدث بجماليات متجددة تعيد تعريف الفخامة. تقف المصممات العربيات اليوم في طليعة هذا التغيير، مستلهمات من الإرث العريق، لكن بأدوات الحاضر، ليصغن رؤية مستقبلية تجسد توازنا آسرا بين الحرفية والتجديد. تيما عابد وديما عيّاد ليستا مجرد أسماء في عالم الموضة، بل هما مهندستان تعيدان رسم خريطة الأناقة العربية، حيث تصبح كل غرزة، وكل قطعة قماش، وكل تفصيل، سطورا في سردية مترفة تحكي عن القوة، والأنوثة، والهوية.

تيما عابد.. دراما الأناقة المتحركة

في عالم تيما عابد الأزياء ليست مجرد تصاميم، بل منحوتات تنبض بالحركة، حيث تعيد الخطوط المعــمـــاريــــة تعــــريف الأنـوثـــة، لتـتـراقـــص بين الـحــدة والانسيـــابـيــة. مجمــوعــاتـــها أشبه بلوحات دراميـــة مذهلة، تمتزج فيها الهياكل الصارمة مع الأقمشة التي تنساب وكأنها تحمل أسرار الزمن.

لكن بالنسبة لـتيما، فإن دورها باعتبارها مصممة سعودية يتجاوز مجرد تقديم مجموعات أزياء. "ألم نتخطَّ وصولنا للعالمية؟ ألم تصبح الرياض المشهد العالمي والوجهة الأكثر ازدهارا على جميع الصُعُد ثقافة، وفنا، وسينما، وأزياء، وصناعة؟ أدوارنا ليست بما نقدمه من أعمال، نحن الإضافة كأشخاص مؤمنين، وجودنا هو إبداعنا ودورنا بحد ذاته".

من مجموعة Tima Abid للأزياء الراقية التي عرضت في أسبوع الأزياء في الرياض، ٢٠٢٤
من مجموعة Tima Abid للأزياء الراقية التي عرضت في أسبوع الأزياء في الرياض، ٢٠٢٤
المصممة السعودية تيما عابد
المصممة السعودية تيما عابد

منذ تأسيس علامتها في عام ٢٠٠٣، تطورت رؤيتها باستمرار، لأن التطور بالنسبة لها هو حليف الرؤية. "لا شيء يشق الأفق مثل الرؤية. العرب منذ القدم كانوا يرسلون أبناءهم إلى مرضعات في البادية لمد النظر الذي يثري خيالهم، فينشؤون شجعانا، ويمتلكون من الفصاحة والبلاغة ما جعلهم فوق رؤوس الناس". لكن التحول الأهم في مسيرتها لم يكن مجرد إنجاز مهني، بل لحظة اعتراف وطني بها عندما حصلت على جائزة مصممة العام، والتي تصفها بأنها "أهم من جوائز العالم".

بعد تقديم عروضها في باريس، كانت ردود الأفعال ساحرة، ولكنها لم تفاجئها. "لم يكن عرض باريس مفاجأة لي، بل كان مفاجأة لهم. الصحف تحدثت عن العرض، قارنوني بـ(كوكو شانيل)، لكنني لم أجد ذلك مثيرا للإعجاب. الفنان الحقيقي هو من يترك بصمته الخاصة". وعلى الرغم من ذلك، ما زالت تعتقد أن الطلب العالمي على الأزياء الراقية القادمة من الشرق الأوسط لم يصل بعد إلى ذروته، قائلة: "لم يحدث ذلك إحصائيا بعد، ما زال الطلب على مناطق معينة من الشرق الأوسط، وننتظر تسليط الضوء على مملكتنا، على الرغم من أنني لا أؤمن بالحدود، لكن مملكتي هي واحة الشرق".

المصممة السعودية تيما عابد تفوز بجائزة مصمم عام ٢٠٢٤ في حفل توزيع جوائز الأزياء السعودية
المصممة السعودية تيما عابد تفوز بجائزة مصمم عام ٢٠٢٤ في حفل توزيع جوائز الأزياء السعودية

تتمكن تيما من الجمع بين السمات المعمارية والروح الدراماتيكية في تصاميمها، لكنها ترى أن المرأة العربية أكثر عمقا من أن تُختزل في مجرد عـــــــرض أزيــــــاء. "الـــمــــرأة العـــربــــيـــة هي الأرض. وعلى الرغم من ذلك، شعرت بأن التحولات الحديثة، على الرغم من بهجتها، تحمل بعض الصعوبات، وخصوصا للمرأة. من يقول إن التغيير سهل، لا أعتقد أنه يتغير. ولكوني والدة، أحاول ما استطعت أن أواكب هذا القرن لكي يصبح الحوار بين الأجيال متواصلا".

أما عن حفاظها على هويتها الإبداعية وسط عالم يتجه إلى التجديد والابتكار، فتعتبر أن هذا التوازن بين الحداثة والتراث هو تحدٍّ ممتع. "المحافظة على الهوية تشريف وليس تكليفا، وأدعها دائما للمفاجأة".

من مجموعة  Tima Abid للأزياء الراقية التي عرضت في أسبوع البحر الأحمر للموضة، ٢٠٢٤
من مجموعة Tima Abid للأزياء الراقية التي عرضت في أسبوع البحر الأحمر للموضة، ٢٠٢٤

أما التحدي الأكبر بالنسبة لها، فلم يكن السوق أو المنافسة، بل ذاتها. "أكبر تحدٍّ هو تيما ذاتها. أتحدى نفسي كل يوم على الاستمرار، أوليس النجاح هو الاستمرار؟". في رؤيتها، النجاح ليس مجرد وصول إلى القمة، بل في الاستمرار على القمة، حيث يتطلب الأمر حبا، وإتقانا، واستمرارية لا تهدأ.

وتعتقد أن النجاح الحقيقي لأي مصممة عربية في السوق العالمي يستند إلى ثلاث ركائز أساسية: "الحب، والإتقان، والاستمرار". فمن دون هذه العناصر، لا يمكن لأي علامة أن تترك أثرا مستداما في عالم الأزياء.

من مجموعة Tima Abid للأزياء الراقية التي عرضت في أسبوع الأزياء في الرياض، ٢٠٢٤
من مجموعة Tima Abid للأزياء الراقية التي عرضت في أسبوع الأزياء في الرياض، ٢٠٢٤

أما عن الثقافة والتراث السعودي، فهما في صميم أعمالها، لكنها ترفض تقييد الفن داخل إطار الرسائل المباشرة. "نحن أوسع من إطارات أعتقد أننا تخطيناها. ثقافتي وتراثي في دمي وروحي، ولن تجدوا عملا لا يحمل في طياته تاريخنا. أنا من المدرسة التي لا تفضل أن يحمل الفن رسالة، فذلك يُثقل الإبداع. أوليس الجمال أجمل الرسائل؟".

وعلى الرغم من كل الإنجازات، لا تزال هناك أحلام لم تحققها بعد. "أريد أن أرى تيما عابد في عواصم العالم، أن أوّحد الطبقات ليصبح بإمكان أي سيدة، بغض النظر عن إمكانياتها، اقتناء تصميم يحمل بصمتي. أريد أن أترك خريطة لمن يأتي بعدي".

ديما عيّاد.. الفخامة التي تُحرر الأنوثة

أما ديما عيّاد، فتعتبر أن الموضة ليست مجرد حلم بعيد المنال، بل هي ضرورة يومية، وسلوك يتجسد في كل تفصيله نرتديها. "الموضة ليست مجرد طموح، بل هي حاجة يومية. الجميع يرتدي الملابس كل يوم. بقدر ما تعتبر الموضة شكلا من أشكال الفن، فهي أيضا ضرورة إنسانية. يحتاج أي شكل وحجم إلى ارتداء الملابس، ويتولى مصممو الأزياء تصميم الملابس للأشخاص. في عالم مثالي يجب أن نكون جذابين للجميع، لكن ذلك نادر الحدوث. أتمنى أن يستيقظ العالم على هذه الحقيقة".

المصممة اللبنانية ديما عياد
المصممة اللبنانية ديما عياد

لكونها مصممة لبنانية، تفخر بمكانة الشرق الأوسط في عالم الأزياء، ليس فقط من ناحية القوة الشرائية، ولكن أيضا بسبب المواهب الفريدة التي تميز المنطقة. "العالم يعتمد بشكل كبير على سوقنا. لدينا أكبر المراكز التجارية، لكن الأمر لا يتعلق فقط بالشراء، بل بالفن والمهارة التي يقدمها مصممونا على المستوى العالمي. فخورة ويشرفني أن أكون جزءا من هذه المحادثة حول أهمية المنطقة في القوة الشرائية وأهميتها في المواهب. الشرق الأوسط حاضر بقوة، والعالم بدأ يلاحظ ذلك".

رؤيتها تجسدت بوضوح في أسبوع دبي للموضة، حيث نجحت في تقديم هويتها الإبداعية من خلال عروض تُرحب بجميع الأحجام والأعمار. "لطالما التزمت بجعل منصة العرض شاملة، تضم جميع النساء بمختلف الأشكال والأعمار. المزج بين ثقافة القفطان والقصّات الحادة جميعها جزء من هويتي، بحيث يجد الجميع ما يناسبهم في تصاميمي".

مجموعة رمضان ٢٠٢٥ من Dima Ayad
مجموعة رمضان ٢٠٢٥ من Dima Ayad
مجموعة رمضان ٢٠٢٥ من Dima Ayad
مجموعة رمضان ٢٠٢٥ من Dima Ayad

تعتمد ديما على الأقمشة الحرة والقصات الانسيابية، التي تمنح المرأة حرية في الحركة، مؤكدة أن الفخامة تتجاوز الزخرفة، فهي تكمن في الإحساس الذي تمنحه القطعة لمن ترتديها. "الفخامة ليست فقط في التفاصيل المزخرفة، بل في كيف تشعر المرأة عندما ترتدي قطعة معينة. الأقمشة المنسدلة والقصات الحرة تمنحانها الثقة والراحة، وتعيدان تعريف الفخامة بطريقة أكثر تحررا، تعطي الأولوية لكيفية تفاعل الملابس مع الجسم، وهو ما يسمح بالأناقة السهلة بدلا من القيود. يتعلق الأمر بصنع قطع تمكن النساء من الشعور بالجمال بشكل غير مقيد وخالد".

تعتبر الأزياء أداة قوية للتعبير عن الهوية، وترى أن المرأة العربية اليوم تستخدم الموضة لإعادة تعريف ذاتها بين الحداثة والإرث. "تصاميمي تحتفي بقوة المرأة العربية، فهي تتكيف مع حركتها، ولا تقيدها. تتيح الأقمشة المتفقة، والقصات الحرة والتوازن بين التصميمات المنظمة والبسيطة توفير الراحة والرقي. تضيف التفاصيل الفاخرة مثل اللمعان المعدني وأنماط الشيفرون والزخارف المعقدة إحساسا بالتمكين، وهو ما يجعل كل قطعة تبدو فريدة وشخصية".

أما التغيير الأكبر الذي تود رؤيته في عالم الموضة، فهو تعزيز مفهوم الشمولية، ليس فقط في المقاسات، ولكن في التمثيل وإمكانية الوصول. "لطالما حددت الفخامة بمعايير صارمة، لكنني أؤمن بأن الموضة يجب أن تحتفل بكل امرأة، بغض النظر عن شكلها أو خلفيتها أو أسلوب حياتها. مساهمتي في هذا التغيير تأتي من خلال التصاميم التي تعطي الأولوية للأناقة والسهولة، وتضمن شعور المرأة بالراحة والثقة. أصنع قطعا تتحرك مع الجسم، باستخدام الصور الظلية الانسيابية والأقمشة الفاخرة والتفاصيل المدروسة التي تناسب الأشكال المختلفة. بعيدا عن التصميم، أدعو إلى إجراء المزيد من المحادثات حول التمثيل في الأزياء، وإظهار أن الرفاهية ليست حصرية، بل هي شيء يمكن لكل امرأة تجربته بطريقة حقيقية بالنسبة لها. يجب أن تعمل الموضة على التمكين، وليس الاستبعاد. ومن خلال علامتي التجارية آمل أن أستمر في إعادة تعريف معنى أن تكون أنيقا وواثقا وحرا دون عناء".

إلهامها يأتي من تطور المرأة نفسها، ومن رحلاتها التي أصبحت تركز على اكتشاف الدول العربية أكثر، حيث ترى أن الإبداع ينبع من فهم أعمق للثقافة المحلية. "أسافر كثيرا، لكن في السنوات الأخيرة، بدأت أستكشف عالمنا العربي بشكل أوسع، وهذا ما يغذي إلهامي باستمرار".

مجموعة رمضان٢٠٢٥ من Dima Ayad
مجموعة رمضان٢٠٢٥ من Dima Ayad

وترى أن المصممات العربيات "يشكّلن تيارا جديدا في صناعة الأزياء، حيث شهدت السنوات الأخيرة صعود أسماء قوية مثل Mrs. Keepa، Maison Yeya، Lama Jouni، Bouguessa، Bambah وأباديا، نحن في صعود مستمر، والمزيد من المصممات قادمات. كل ما نحتاجه هو مزيد من الحضور العالمي، ومنافذ بيع حول العالم".

أما عن المرأة العربية، فهي ترى أنها تمتلك حسا فطريا للفخامة، لا يتعلق فقط بالمظهر، بل بالحرفية ورواية القصة وراء كل قطعة. "تتمتع المرأة العربية بتقدير فطري للأزياء الراقية المتجذر بعمق في الثقافة والتقاليد والتعبير عن الذات. إنهم ينجذبون نحو الفخامة ليس فقط من أجل البذخ، ولكن أيضا من أجل الحرفية وسرد القصص والجاذبية الخالدة وراء كل قطعة. أذواقهم راقية وجريئة في الوقت نفسه، فهي تحتضن التفاصيل المعقدة والأنسجة الغنية والصور الظلية التي توازن بين الأناقة والتفرد".

مجموعة رمضان٢٠٢٥ من Dima Ayad
مجموعة رمضان٢٠٢٥ من Dima Ayad

عملاؤها يلهمونها باستمرار لتقديم تصاميم تجمع بين الراحة والتميز، حيث تسعى إلى إبداع قطع تتحرك بانسيابية بين المناسبات الخاصة والإطلالات اليومية "في نهاية المطاف، يتجاوز حب المرأة العربية للأزياء الاتجاهات السائدة، فهو يتعلق بالتراث والهوية والقدرة على التعبير عن أنفسهن من خلال الملابس التي تحتفي بهويتهن. وهذا ما يدفعني إلى إنشاء تصميمات خالدة ومفعمة بالحيوية".

حين تصبح الموضة لغة عربية

لم تعد المرأة العربية متلقية للموضة، بل أصبحت صانعتها، تحدد معايير جديدة للأناقة، وتكتب فصولا جديدة في رواية الفخامة العالمية. بين تيما عابد وديما عيّاد، نرى مدرستين تتباينان وتتكاملان، إحداهما تعيد تشكيل الأزياء الراقية بمنظور دراماتيكي معماري، والأخرى تكسر قواعد الألبسة الجاهزة الفاخرة لتجعلها أكثر شمولا وانسيابية.

مجموعة ربيع وصيف ٢٠٢٥ من Dima Ayad
مجموعة ربيع وصيف ٢٠٢٥ من Dima Ayad
مجموعة ربيع وصيف ٢٠٢٥ من Dima Ayad
مجموعة ربيع وصيف ٢٠٢٥ من Dima Ayad

لكن هذا التغيير ليس لحظة عابرة، بل حركة راسخة تعيد تعريف الفخامة برؤية عربية أصيلة. ومع تزايد الاعتراف العالمي بهذه الأسماء، يتضح أن الموضة العربية ليست مجرد موجة، بل هي تيار يكتب التاريخ، بخيوط مُذهّبة، وبصوت قوي وملهم.

اليوم، لم تعد الأزياء مجرد ما نرتديه، بل رسالة فنية، وهوية متحركة، ومرآة لعصر جديد تعيد فيه النساء العربيات رسم معالم الفخامة بأسلوب يحمل بصمتهن الخاصة.