من فستان الطفولة إلى خزانة النجمات... راكان شمس الدين لـ"هي": الهندسة المعمارية شكّلت رؤيتي للموضة

من فستان الطفولة إلى خزانة النجمات... راكان شمس الدين لـ"هي": الهندسة المعمارية شكّلت رؤيتي للموضة

نادين منيّر
30 أبريل 2025

يبرز اسم "راكان شمس الدين" كواحد من المصممين العرب الذين استطاعوا شقّ طريقهم بثبات نحو العالمية. منذ أن رسم أولى ملامح تصاميمه في الطفولة، مروراً بإطلاق علامته الخاصة عام 2018، وصولاً إلى حضوره اللافت على الساحة الدولية، لم تكن مسيرته سوى انعكاس لإصرار لا يلين، ورغبة في تحويل الأزياء إلى فن نابض بالحياة.

مستلهماً من جذوره الشرق أوسطية وخلفيته الأكاديمية في الهندسة المعمارية، يقدّم راكان تصاميم تتجاوز فكرة اللباس لتصبح لغة بصرية تُحاكي الهيكل، الحركة، والهوية. تُجسّد مجموعته الأخيرة 2.0، العابرة لمواسم الموضة التقليدية، سمفونية آسرة من المنحنيات الانسيابية والخطوط الحادّة، مستوحاة من عمالقة العمارة أمثال فرانك جيري وسانتياغو كالاترافا. تتألّق التصاميم المستوحاة من المنحوتات بتدرّجات معدنية لامعة، حيث تلتقي الأبعاد الثنائية مع الأشكال ثلاثية الأبعاد، وتنسجم مع حركة الجسد الطبيعية في تناغم بالغ الدقّة.كلّ إطلالة في هذه المجموعة هي رحلة بحث عن التوازن، حيث تلتقي القصّات الدقيقة بالتصاميم الانسيابية.

في هذه المقابلة الخاصة مع "هي"، نغوص في عالمه الإبداعي، لنكتشف كيف يُعيد ترجمة التقاليد والعمارة إلى أزياء تخطف الأنفاس.

من مجموعة المصمم راكان شمس الدين بعنوان 2.0
من مجموعة المصمم راكان شمس الدين بعنوان 2.0

بدأت برسم الخطوط الأولى لتصاميمك في سنّ الخامسة. هل تتذكر أول تصميم رسمته؟ وما الذي جذبك للتصميم في تلك المرحلة المبكرة؟

بالعودة إلى طفولتي، أذكر أنّ أول تصميم رسمته كان لفستان بلا أكمام، بتنّورة واسعة وياقة على شكل V عميقة، باللون البني مع حزام عريض باللون الأصفر العسلي، رُبط عدّة مرّات حول الخصر. أذكر هذا التصميم جيدًا لأنّني رأيت بعد سنوات تصميمًا مشابهًا جدًا له في متحف ديور، وكان من رسومات فيراغامو خلال أيّامه في الدار.

لا أعرف تمامًا كيف بدأت في هذا المجال في صغري، لكن أحيانًا أقول إنني وُلدت وفي داخلي هذا الشغف! أو ربّما يعود السبب إلى أنّني نشأت محاطًا بنساء أنيقات يتمتّعن بذوق رفيع، ممّا أثّر بي منذ البداية.

كيف ساهمت خلفيتك في الهندسة المعمارية في تشكيل رؤيتك التصميمية، وهل كان الانتقال إلى الأزياء طبيعيًا بالنسبة لك؟

لقد طبعت الهندسة المعمارية نظرتي إلى عالم الموضة، كما أثّرت في أسلوب التصميم الذي أتّبعه بشكل عام. علّمتني كيف أُقارب كل شيء من زاوية تصميم مختلفة. لم أكن أطيق الانتظار لإنهاء دراستي في مجال الهندسة حتى أبدأ بتحقيق حلمي في دراسة تصميم الأزياء. ووجدتُ أنّه من البديهي أن أتابع دراستي في هذا المجال، فأيقنتُ أنّني أسير على المسار الصحيح.

عند إطلاق علامتك في 2018، ما الرؤية التي كانت تقودك؟ وكيف تطوّرت اليوم بعد كل هذه النجاحات؟

أطلقت أوّل علامة لي وأنا لا أزال طالبًا في مدرسة تصميم الأزياء، ولن أنسى أبدًا شعوري عندما رأيتُ تصاميمي تنبض بالحياة أمام عيني. عندما انتقلت إلى الولايات المتحدة، كانت البداية من جديد بمثابة رحلة حقيقية، رحلة لاكتشاف صوتي الخاص في عالم الموضة، وتحديد هويتي كمصمّم، إلى جانب اكتساب الخبرة من خلال العمل مع علامات تجارية وشركات أخرى. أمّا اليوم، ومع علامة RAKAN، أشعر بثقة تامّة برؤيتي. وقد زادني النجاح الذي حقّقته حتى الآن التزامًا بهذه الرؤية، مع الاستمرار في التطوّر والنمو.

من مجموعة المصمم راكان شمس الدين بعنوان 2.0
من مجموعة المصمم راكان شمس الدين بعنوان 2.0

ما الدور الذي تلعبه الجذور الشرق أوسطية في تشكيل هوية راكان شمس الدين كعلامة عالمية؟

نشأتُ في سوريا وسط غنى ثقافي وتاريخي يحيطني من كل جانب، من العمارة إلى الشوارع والطبيعة. هذا المحيط المليء بالتفاصيل والألوان والأنسجة، درّب عيناي منذ سنّ صغيرة على رؤية الجمال في البنية والزخرفة، في التناقض والانسجام. وما زلتُ أحمل هذه النظرة معي حتى اليوم في الطريقة التي أتعامل بها مع الشكل والخطوط والقصّات في تصاميمي.

في مجموعتك الأخيرة 2.0، نرى تأثيرًا واضحًا من عمالقة العمارة مثل فرانك غِري وكالاترافا. كيف تترجم أفكارهم المعمارية إلى خامات وقصّات؟

لطالما كان كلٌّ من فرانك غِري وكالاترافا من المعماريين المفضّلين لديّ خلال سنوات الدراسة، ولطالما انجذبتُ إلى المواد المعدنية اللامعة والأحجام التفكيكية في أعمال غِري، فيما توحي خطوط كالاترافا المتوازية وبُنيته الأنيقة بدقّة من نوع مختلف. يتميّز كلاهما باستخدام هندسة غير تقليدية ورؤية مستقبلية لترجمة أفكارهما إلى واقع ملموس، الأمر الذي أتأثّر به في مقاربتي الخاصة للتصميم.

كل إطلالة في هذه المجموعة تُشبه رحلة بحث عن التوازن. هل يمكن القول إنك تعكس أيضًا رحلة شخصية في التصميم من خلال هذه القطع؟

بكل تأكيد. بدأت هذه الرحلة فعليًا مع المجموعة التي طرحتها كمشروع تخرّجي، حيث ظهرت ملامح هويتي التصميمية بوضوح، وكانت المجموعة فريدة ومختلفة. لكن على إثر التنقّل بين بلدان ومدن مختلفة بثقافات متعدّدة، وعملي مع علامات تجارية لا تشبه توجّهي الإبداعي، بدأتُ أشعر أنني أفقد ملامح هويتي كمصمّم. وعام 2018، بدأت رحلة عميقة من إعادة الاكتشاف، وطرح تساؤلات جوهرية حول هويتي التصميمية: من أنا كمصمّم؟ وما الذي يجعل عملي يحمل بصمتي فعلًا؟ كنت لا أزال أعمل بدوام كامل في نيويورك حينها، لكنّني شعرت أنني بحاجة إلى العودة إلى ذاتي. واليوم، أشعر أنّني استعدتُ صوتي الحقيقي، وأدرك تمامًا ما أريد أن أُعبّر عنه، وهذا الصوت بات أقوى وأكثر صدقًا من أي وقت مضى.

من مجموعة المصمم راكان شمس الدين بعنوان 2.0
من مجموعة المصمم راكان شمس الدين بعنوان 2.0

كيف غيّر وصولك إلى نهائيات Project Runway USA مسارك المهني؟ وهل كانت التجربة نقطة تحوّل في تعريفك كمصمم عالمي؟

كانت بالتأكيد خطوة غيّرت حياتي. كريستيان سيريانو، الذي كان المرشد في ذلك الموسم من البرنامج، آمن بموهبتي ومنحني أول فرصة عمل كبيرة في نيويورك. تعلّمت الكثير من خلال العمل معه عن قرب، وكانت تلك التجربة بمثابة مفتاح شرّع أمامي الكثير من الأبواب لاحقًا.

فوزك بجائزة Rising Star شكّل محطة مهمّة. كيف تنظر إلى هذا التكريم في سياق تطوّرك المهني؟

لم يخطر ببالي أن أصل إلى هذه المرحلة! كنت في قاعة مليئة بالشخصيات المؤثّرة في مجال الموضة، وأتنافس مع مصمّمين صاعدين من الولايات المتحدة، يحملون شهادات من أرقى الجامعات ومدعومين بشبكات واسعة داخل صناعة الأزياء في نيويورك. لم أشكّ يومًا في موهبتي أو في جودة عملي، لكنّني لم أتوقّع أن أفوز، خاصةً كشاب سوري لا يملك الكثير من العلاقات العامة، ويجد البعض صعوبة حتّى في نطق اسمه. لذلك، شكّل هذا الفوز بالنسبة لي تأكيدًا كبيرًا على موهبتي، واعترافًا مهمًّا من مؤسسة مرموقة في الولايات المتحدة.

ما الذي يعنيه لك أن تتألّق تصاميمك على نجمات عالميات مثل ماي ماسك وإليانا؟ وهل تتعامل مع كل إطلالة كفرصة لرواية قصة جديدة؟

هذه الفرص تُشكّل دعمًا هائلًا لي، خصوصًا عندما تأتي بشكل طبيعي وعفويّ وتتلمّس بنفسك ردود الفعل الإيجابية على التصاميم المفصّلة خصيصًا لهذه الشخصيّات. أشعر بفخر كبير لأن ماي ماسك ما زالت ترتدي أحد تصاميمنا في مناسبات مختلفة، وهذا يعني لي الكثير، لأنّه يُظهر كيف أصبحت تصاميمنا جزءًا من خزانة حقيقية وواقعية. لكن الأمر لا يقتصر على النجمات فقط، فأيّ امرأة أُلبسها تجعلني أشعر بالفخر والسعادة.

ما المشروع أو التحدّي التالي الذي يثير حماسك كمصمّم؟

في الوقت الحالي، أنا متحمّس جدًا لتوسيع انتشار علامة RAKAN عالميًا، والعمل على تشكيلتنا الجديدة. أسعى إلى دفع رؤيتنا النحتية والتعبيرية إلى آفاق أوسع، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الهويّة التي ارتبطت باسم العلامة والبناء عليها.