"فان كليف أند آربلز" Van Cleef & Arpels: قصة ساحرة عن الفن والمجوهرات
السنين الأولى من القرن العشرين مثّلت لباريس عصرًا ذهبيًا بفضل النجاح العالمي لفعالية "المعرض الدولي"، فتردد إلى العاصمة الفرنسية في تلك الفترة أفراد الطبقة الأرستقراطية الأوروبية والأثرياء والمشاهير الآتين من حول العالم، بحثًا عن أحدث صيحات الأزياء والمجوهرات. في هذه الأجواء، فتح "ألفريد فان كليف" ونسيباه "شارل" و"جوليان آربلز" في 22 ساحة فاندوم مشغلهم الأول للمجوهرات الراقية، إلى جانب فندق "ريتز" الذي كان عنوان الإقامة الرئيس للمسافرين الأكثر ثراء. وبفضل المهارات الاستراتيجية التي تحلّى بها "فان كليف" والمهارات التقنية التي تمتع بها "جوليان آربلز" ومهارات "شارل" التجارية، شهدت الدار نجاحًا هائلًا سريعًا، وسرعان ما افتتحت فروعًا في نيس ودوفيل وفيشي وكان ومونتي كارلو.
المنتجات الأولى من المجوهرات البلاتينية والماسية التي كانت مستلهمة من أسلوب "غارلاند" الذي كان رائجًا في تلك الحقبة، غادرت عالم الدار بعد وقت قصير لصالح مصادر الإلهام الغريبة والأجنبية في العشرينيات. وقد ذهلت الدار بالجواهر التي وجدت عام 1922 في مقبرة توت عنخ آمون، إلى درجة أنها أثرت معجمها الإبداعي برسوم وألوان من إلهام مصري. ومن أبرز مجوهرات ذلك العصر، الأساور المزينة برسوم تماثيل السفينكس، وأزهار اللوتس، والخنافس، والأفاعي، والصقور، والأحرف الهيروغليفية المصنوعة بأحجار كريمة ملونة ومحدبة القصاتعلى خلفيات من الماس المرصوف. كما شكلت أيضًا فخامة مجوهرات الماهاراجا، وفنون الشرق الأقصى، والمشاهد الطبيعية الصينية والفينيقية مصادر إلهام لمصممي "فان كليف أند آربلز".
في 1925، فازت "فان كليف أند آربلز" بالجائزة الكبرى في المعرض الدولي للفنون الزخرفية الذي أقيم في باريس، بفضل سوار مزين بسلسلة من الورود الحمراء والبيضاء؛ ولاحقًا في العام 1933، أطلقت الدار عملية ترصيع الأحجار الكريمة في إطارات "غامضة" غير مرئية. وفي تلك السنوات، نجح التعاون بين "رونيه بويسان" ابنة "ألفريد آربلز" و"رينيه سيم لاكاز" المدير الإبداعي من 1922 إلى 1939، في تحقيق نتائج رائعة. في الواقع، تلك كانت الفترة التي ابتكرت فيها "فان كليف أند آربلز" أشهر مجوهراتها وأهمها. من بينها، سوار الصفير والماس الذي قدّمه دوق ويندسور إلى السيدة "سيمسون" سنة 1937، وعقد الياقوت والماس الذي صمم لدوقة ويندسور في 1939.
الأربعينيات كانت فترة عولمة الدار، مع افتتاح موقعها النيويوركي. من الناحية الإبداعية، اتسمت هذه الحقبة بابتكار مجوهرات "باس-بارتو" Passe-Partout وهي بروشات متعددة الاستعمالات على شكل أزهار مرصعة بأحجار كريمة ملونة. من منتجاتها الأيقونية التي ظهرت في هذه الفترة، ساعة المعصم "كادونا"Cadenas المصممة على شكل قفل، وسوار "لودو"Ludo المصمم بشريط من ألواح سداسية منفصلة من الذهب المصقول. كما كانت بروشات نفناف الثلج ورسوم الطيور والراقصات ناجحة للغاية.
مع الخمسينيات، أتى نجاح مجموعة "تيسو سيرجيه"Tissu Serge (1951) التي ضمّت بروشة على شكل عقدة، وسوار مطوق للمعصم وعقد. في عام 1954، قامت الدار بخطوة تجارية ناجحة جدًا حين فتحت بوتيكات لبيع مجوهرات محدودة الإصدار بأسعار معقولة إلى قاعدة عملاء واسعة وأكثر شبابًا. أما نمط الأزهار فكان محور إنتاج الدار في الستينيات والسبعينيات. ونذكر هنا طبعًا بروشات وأقراط "روز دو نويل" Rose de Nöelمن المرجان بالأحمر والوردي والأبيض، وبروشات "كليماتيس"Clematis من الذهب والخشب، وسلاسل "آلامبرا"Alhambra التي تألفت من تسلسل أوراق النفل الجالبة للحظ من الذهب والأحجار الصلبة. كما أن الإلهام الشرقي أدّى إلى تصميم سلسلة من العقود المستوحاة من مجوهرات المهاراجا المتعددة الألوان.
وبالنسبة إلى قائمة عملاء الدار، فقد ضمّت بعض أشهر شخصيات عالم السينما، مثل "غريس كيلي" التي كانت تملك مجموعة من عقود "آلامبرا" بالمرجان والمالاكيت واللازورد، والبروشات بأشكال الحيوانات، و"آفا غاردنر" التي كانت تهدي نفسها قطعة مجوهرات من "فان كليف أند آربلز" عند انتهاء تصوير كل فيلم، و"ليز تايلور" التي كانت تحبأن تتباهى بقطعة معينة هي خاتم الياقوت بعيار 8 قيراط والماس الذي قدمه إليها "ريتشارد بورتون" في 1968.
في السنوات الأخيرة، استمرت "فان كليف أند آربلز" بالتقدم من ناحيتي البحث والابتكار، مع إطلاق مجوهرات في مواد غريبة مثل الهيماتيت وعرق اللؤلؤ الرمادي. إنتاج "فان كليف أند آربلز"المعاصر مبني على رؤية إبداعية تريد من جهة أولى أن تعيد ترجمة كلاسيكيات خالدة مثل عقود الترصيع "الغامض"، ومن جهة ثانية أن تقدّم مجوهرات بأحجار نادرة تنبع من أبحاث شغوفة بأشكال وخطوط متقدمة وريادية.
تميزت الأعوام الأخيرة في قصة الدار أيضًا بمشاريع تعاون كثيرة مع فنانين عالميين، مثل تعاونها مع "أليساندرو شاروني"، أحد أشهر الفنانين الإيطاليين، والذي بسرده الراديكالي ورؤيته لحركة الجسم ينسج خيوط تلميح خافت إلى عالمنا الداخلي. كان "شاروني" أحد أبطال الإصدار الأول من "دانس ريفلكشنز"Dance Reflections من "فان كليف أند آربلز"، وهو مهرجان رقص معاصر أقيم في لندن من 9 إلى 23 مارس 2022. وكان المهرجان ثمرة سنين من الرعاية الفنية التي شهدت التزام "فان كليف أند آربلز" دعم الفنانين وفرق الرقص، حفاظًا على علاقتها التاريخية مع الفنون عمومًا والرقص خصوصًا، وترويجًا للإبداع المعاصر، وتشجيعًا للجمهور على الاقتراب من هذا العالم الفني.
كما برز تعاون الدار مع الفنان الشاب "ألكساندر بنجامن نافيه". لاستقبال فصل الربيع، ابتكر "نافيه" تركيبات فنية في بوتيكات الدار حول العالم، حيث أدخل المجوهرات إلى كرّاسة رسّام بين مزهريات وباقات وحدائق مزهرة. الأزهار والفراشات وألوان عرق اللؤلؤ التي ربطت بينها خيوط الذهب اللماعة في مجموعة "فريفول"Frivole من "فان كليف أند آربلز" أصبحت نقطة البداية لتعاون احتفل بولادة جديدة حملها فصل الطبيعة الجديد.
لذلك، لا يعبّر اسم "فان كليف أند آربلز" فقط عن النفوذ والثروة والإتقان الفريد لتنفيذ قطع المجوهرات المترفة. وليس مجرد رمزًا للمكانة. فتطمح الدار إلى شيء أبعد وأرقى وأسمى لأنها تملك القدرة على سرد قصص من خلال مجوهراتها. إضافة إلى الإبداع الفني، وجودة التنفيذ، ونوعية الأحجار الكريمة، نجد مع الدار قيمة ثقافية مضافة. والنتيجة عالم غني من التعبير والتفسير الفنيين يتأرجح بين الجمالية التي تميز الدار والحرية الإبداعية المطلقة.