الماسة السوداء: قصّتها الغريبة ومعانيها
الماس الأسود هو أحد أكثر الأحجار ندرةً وغموضاً على الإطلاق، وذلك بسببأصوله غير المعروفة والأمثلة الشهيرة المرتبطة به. ظهر في وقت غير محدّد من التاريخ، ومنذ اكتشافه، لم يخلُ من الغموض وأحياناً من إخافة مَن يراه مباشرة. يعتبره البعض علامة خير والآخر علامة حظ سيء.
سنبدأ ببعض المعلومات الأولية، ومن الضروري أن نذكر أنّ الاسم الصحيح الذي يُطلق على هذا الحجر الثمين هو "كاربونادو". وهو شكلغير نقيّ من الماس المتعدّد البلّورات والمكوّن من الماس والغرافيت والكربون غير المتبلور. أمّا لون الماسة غير العادي، فيُعزى إلى الإدراجات المعدنية مثل المغنيتيت والهيماتيت والحديد الأرضي. ويعود أوّل استخدام حقيقي للماس الأسود في المجوهرات إلى تسعينيات القرن الماضي، حين استخدمته بام غرانثام لابتكار مجموعة تجريبية.
واليوم، يتمّ استخدام الماس الأسود بشكلٍ أساسيّ في المصانع كحافة تقطيع وفي عالم المجوهرات كحجرثمين ذي سحركبير. ومن أشهر الماسات السوداء، ماسة تمّ بيعها في مزاد لدار "سوذبيز"، لكنّها لم تكن ماسةBlack Star of Africa الشهيرة التي فقدت آثارها بعد أن ظهرت في معرض في طوكيو عام 1971، بل كانت "مجرّد"جوهرة تزن 555.5 قيراطاً من أصول غير معروفة – ولهذا السبب أطلق عليها اسم Enigma (أي اللغز).
وبالنسبة إلى أصول الماسة السوداء وخصائصها، فعلى عكس الماسات التقليدية البيضاء أو الملوّنة التي تُستخرج عادةً من الصخور البركانية المتفجّرة، تتكوّن الماسات السوداء من الرواسب الطميية في البرازيل وجمهورية أفريقيا الوسطى. وبالتالي، التزمت الأوساط العلمية منذ فترة طويلةبإيجاد تفسير لتلك الخاصية. وإنّ واحدة من النظريات الأكثر اعتماداً حالياً هي أنّ هذه الأحجار لم تنشأ من الأعماق، بل من الفضاء الخارجيّ،ثمّ هبطت على كوكبنا عن طريق سقوط نيزكواستقرّت في الأرض. ومع ذلك، ما زالت الحيرةبشأن أصولها أحد الجوانب التي تجعل من تلك الماسات غامضة ونادرة.
ظهرت الماسات السوداء للمرة الأولى في عالم المجوهرات في بداية القرن العشرين، وسرعان ما أثبتت أنّها من الجواهر الثمينة الأصلب في العالم. في الواقع، شكّل تقطيعالحجر تحدياً كبيراً بالنسبة للتكنولوجيات في ذاك الوقت، وسرعان ما تمّ استخدامه كحافة تقطيعٍ في المصانع. وحالياً، تظهر الأحجار على شكل مجوهرات تكاد تكون حصرية للسوق الرجالي، بسبب كمدتها.
وبالانتقال إلى أشهر قطع الماس الأسود الذي ارتبطت جماليته دوماً بالليل والغموض،نرى أن البعض منها كان الأكثر طلباً والأثمن في كلّ العصور، بفضل خصائصها. وهذه هي حال ماسة Black Orlov التي اتّخذت اسمها من مالكتها أميرة روسياNadia Vyegin-Orlov خلال القرن الثامن عشر. ويُقال إنّ الحجر سُرق من معبد هنديّ حيث كان اسمه "عين براهما". وبعد وفاة الأميرة، تمّ تقسيم الماسة السوداء إلى ثلاث جواهر أصغر حجماً خلال القرن العشرين.
تتمتع ماسة Gruosi Diamondالأكبر في العالم بشهرة مماثلة، وقدتمّ تقطيعها على شكل قلب بعد عمل شاق استمرّ ثلاث سنوات من 1998 إلى 2001. وهي اليوم جزء من عقد مرصّع بحوالي 400 ماسة بيضاء. أمّا بالنسبة لماسة Black Star of Africa المذكورة سابقاً، فهي ماسة سوداء تزن 202 قيراطاً لا أحد يعرف أخباراً عنها منذ العام 1971، بعد عرضها في طوكيو. ومع ذلك، من المحتمل أن يكون قد تم شراؤها من دون تسجيل نقل الملكية. وأخيراً، نذكرحجر Korloff Noir الدائريبوزن 88 قيراطاً، والذي بقي ضمن عائلة Korloff-Sapozhnikov لعقود عدّة، قبل أن ينتقل في عام 1970 إلى صانع المجوهراتDaniel Paillasseurالذي أعاد تسميةعلامة مجوهراته باسم "مجوهرات كورلوف" KorloffJewellery، بعد حصوله على تلك الماسة.
قصة حجر الماس الأسود مليئة بالأساطير، وقيمته صعبة التقدير بسبب ندرته. لذلك يُعتبر اليوم بلا أي شك من بين أكثر الأحجار المرغوبة في العالم، على خلاف الشكوك التي تلفّ ماضيه