بيع تاجين للامبراطورة جوزفين بونابرت التي أحدثت ثورة في مجوهرات عصرها
ماري-جوزف-روز تاشر دي لا باجيري (1814-1763) والمعروفة باسم جوزفين دو بوارنيه أو جوزفين بونابرت تشتهر بكونها الامبراطورة الفرنسية التي أحدثت ثورة في أزياء ومجوهرات عصرها، بعد ماري أنطوانيت. تزوجت أولاً من ألكساندر دو بوارنيه، قبل أن تصير زوجة نابليون بونابرت، وعُرفت بالفخامة التي أحبت أن تحيط بها نفسها والمواضيع الثلاثة التي كانت شغوفة بها: الموضة، والنباتات، والتحف الأثرية. وامتلكت جوزفين في الواقع مجموعة واسعة ومحفوظة جيداً من التحف القديمة، كما استخدمت مكانتها الاجتماعية للترويج لنمط أزياء مرتبط بالعالم القديم. وكان الأسلوب الذي حاولت الإمبراطورة نقله مستوحى من أزياء روما القديمة.
كانت شخصية رومانسية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وتجسيداً للروعة والأناقة والقوة الملكية الجديدة. عكست مجوهراتها حبها للحرية ورفضها للتقاليد السائدة وشخصيتها المتمردة بعض الشيء، وهو ما انعكس أيضاً من خلال أزيائها الضخمة المزينة بزخارف الأرابيسك ونقوش الأزهار، على عكس الكورسيهات الضيقة التي كانت رائجة في ذلك الوقت. تجلّى ذوقها الراقي في مجوهرات نفيسة مرصعة بأحجار كريمة ملونة ونادرة للغاية، كانت كلّها معقدة ودقيقة في تصميمها. متّبعة نصائح دومينيك-فيفان دونون مدير متحف نابليون، بنت مجموعة رائعة من التحف الأثرية والأنتيك، وبفضل إرشاده، تعلّمت التمييز بين مختلف الأحجار الكريمة، وتقدير تقنيات نقشها، والتعرّف على أبطال الميثولوجيا وأباطرة الرومان، وتفسير معاني المشاهد المصوّرة العائدة إلى تلك الحقبة. ويجدر بالذكر أن الإمبراطورة كانت ملهمة لدار المجوهرات الباريسية الراقية "شوميه" والتي خصصت لها في عام 2021 معرضاً داخل صالات ساحة فاندوم بعنوان "جوزفين ونابليون، قصة استثنائية".
يقال إنها تمكنت، في غضون ست سنوات فقط، من إنفاق أكثر من 25 مليون فرنك على المجوهرات والملابس. ومن هذه المجموعة الغنية، تم حديثاً بيع قطعتين. فقد باعت دار المزادات "سوذبيز لندن" الذائعة الصيت تاجين لزوجة نابليون بونابرت. في 7 ديسمبر 2021، صار التاجان الثمينان المصنوعان في باريس في حوالي عام 1808 متاحين للشراء للمرة الأولى، بعد أن كانا جزءاً من المجموعة الخاصة بعائلة إنجليزية لمدة 150 عاماً. يتميز التاجان اللذان عرضا من 2 حتى 9 نوفمبر 2021 في فندق "ماندرين أورينتال" في جنيف، بتصميم نيوكلاسيكي وبقطع "كاميو" المنقوشة المغروسة ضمن الهيكل، ممثلة رؤوسًا كلاسيكية. وبحسب دار "سوذبيز"، كان لدى الزوجين الإمبراطوريين صور لهما أعيد رسمها في قطع محفورة مصغّرة، بالاستلهام من الحضارة الرومانية القديمة.
ولم تكن منحوتات الكاميو المحبوبة جزءا من مجموعة مجوهرات جوزفين فحسب، بل اختارت واشترت إكسسواراتها الثمينة بهدف إضافتها إلى إكسسوارات أخرى في خزانة ملابسها، مثل الحزام الذهبي لسترة فروسية من المخمل الأخضر. أحبت الإمبراطورة تخصيص كل شيء واكتشاف أسرار الأحجار والنقوش ثم إظهار سحرها لمرافقاتها الملكيات. وفقًا للمرافقة الرئيسية لجوزفين، مادموازيل أفريون التي اعتنت بمجوهراتها في "قصر مالميزون"، إن وسيلة الترفيه المنزلية المفضلة لديها كانت الجلوس بجانب الموقد مع مساعداتها الشخصيات وعرض الأحجار المنقوشة التي كانت تنوي التزيّن بها في يومها، أمامهن. وقد أوضح رئيس قسم المجوهرات لدى "سوذبيز" في لندن كريستيان سبوفورث، أن الإمبراطورة جوزفين كانت أكثر بكثير من هاوية جمع للقطع الأثرية. كونها أول من أدخل هذه الأحجار ذات النقوش والزخارف إلى الملابس، ومن جمعها مع اللؤلؤ والماس، أنشأت موضة جديدة اجتاحت باريس والعالم، مبنية على التصاميم الكلاسيكية الجديدة.
بالعودة إلى التاجين النادرين اللذين بيعا في المزاد، إنهما مثالان على الحرفية الفرنسية الراقية في أوائل القرن التاسع عشر. ويقول كريستيان سبوفورث إنهما يُظهران قدرات العمل الدقيق والمعقد لأفضل المشاغل الفرنسية، وحتى يومنا هذا نستطيع القول إنه لا يوجد أي قطع تضاهيهما. وفي الواقع، عندما تغيرت صيحات الموضة تم تفكيك وإعادة تشكيل هذه المجوهرات مما جعل صمودها أمراً استثنائياً للغاية. ويقال إن هذه الجواهر أعطيت إلى جوزفين على الأرجح من شقيقة نابليون، كارولين التي كانت زوجة يواكيم مورات.
في النهاية، حققت المبيعات لدار المزادات اللندنية ما يقارب 600 ألف جنيه إسترليني. الطقم الأول تألف من تاج ذهبي مزين بالكاميو والمينا الزرقاء، وزوج أقراط، ومشط، وزخرفة لحزام مع كاميو يصوّر الشخصية الخرافية أريادني؛ وبيع مقابل 450600 جنيه استرليني. أما الثاني فضمّ تاجاً آخر مع مينا زرقاء وأشكال كاميو تصوّر شخصيات مثيولوجيّة، وزخرفة لحزام، وكاميو عليه وجه زوس، وبيع كلّه مقابل 126000 جنيه استرليني. وهناك طقم شبيه بالطقمين المباعين، ما زال ضمن مجموعة العائلة السويدية المالكة التي ورثتها من ابن جوزفين، أوجين روز دو بوارنيه دوق لوختنبرغ. ابنته جوزفين دو لوختنبرغ أحضرت العديد من المجوهرات إلى العائلة الملكية السويدية عندما تزوجت وريث العرش أوسكار الأول عام 1823.