المعنى الخفيّ وراء خاتم "شوفالييه"
على الرغم من أنه صار اليوم إكسسواراً معتمداً بالدرجة الأولى لأسباب جمالية بحتة، صُنع خاتم "شوفالييه" كما يُسمّى بالفرنسية، أو الخاتم المنقوش أو خاتم الخنصر كما يُعرف بالإنجليزية، للمرة الأولى في العصور القديمة ليضعه الرجل تعبيراً عن مركزه المرموق. إنّه بلا شكّ من أقدم المجوهرات وأكثرها رمزية في التاريخ. أصول الخاتم قديمة أكثر ممّا تتخيّلين، وتعود إلى حوالي 3000 سنة قبل الميلاد.
إليك تاريخ خاتم "شوفالييه"، منذ أن رأى النور إلى يومنا هذا...
كان "أجداد" خواتم شوفالييه ملكاً لفراعنة مصر القديمة. تلك الخواتم التاريخية تميّزت بجزء داخلي ذي نقوش تجسّد شخصية مالك الخاتم ورموز تصوّر سلالته الملكية. وبالتالي، كان الهدف من الخاتم تجميل أصابع العائلة المالكة وأعضاء المجتمع الراقي، بحيث يمكنهم إظهار قوّتهم وسلطتهم. لاحقاً، وفي أوائل العصور الوسطى، بلغ معنى هذه الخواتم أقصاه. فكلمة "شوفالييه" بالفرنسية تعني "الفارس"، وكان الفرسان على وجه التحديد الشخصيات الاجتماعية التي تعتمد هذه الجوهرة لطبع بصمة شعار نبالة عائلاتهم بالشمع كرمزٍ للأصالة. وفي تلك الفترة، اعتُبر الخاتم جوهرة خاصّة جداً، ففي حال توفيّ مالكه، تمّ إتلاف الخاتم أو دفنه معه. ومع مرور السنوات، أصبح خاتم "شوفالييه" رمز العائلات النبيلة، وباتت تتوارثه العائلات من الأب إلى الابن: فعند وفاة ربّ العائلة، ينتقل الخاتم مع اللقب إلى الابن البكر، بينما يحصل الآخرون على جوهرة تضمّ شعار نبالة أقلّ تفصيلاً ودقّة لإثبات رتبهم داخل الأسرة.
أمّا بالنسبة إلى المواد المستخدمة لصناعة الخاتم، فكان الفراعنة يستخدمون خزف الفاينس المعروف في الشرق الأدنى أو الذهب. لكن حين أصبح الخاتم في أوائل العصور الوسطى عملياً أكثر، كان يُصنع من مواد أقلّ ثمناً. وأخيراً، حين أصبح الخاتم رمزاً لمكانة الشخص، أُدخل إليه الذهب والأحجار الكريمة تعريفاً بالطبقة النبيلة. ومرّ وقت قبل أن يعود خاتم "شوفالييه" ليكون زينة للاصبع. فبات الخاتم مصقولاً بالمعادن الثمينة ومرصّعاً بالأحجار الكريمة على شعار النبالة، وأصبح علامة تميّز، ورمزاً للتباهي بالعائلات ذات المستوى الاجتماعي المرموق.
وفي الآونة الأخيرة، أصبحت خواتم "شوفالييه" أكثر بساطة من حيث المظهر، لكن في الوقت نفسه، مزيّنة أكثر فأكثر. وبفضل استخدام المزيد من الموادّ القيّمة بسبب الاكتشافات الجديدة المستمرّة، أصبحت هذه الخواتم زخرفة تعرّف عن سمعة معتمدها، حتّى يومنا هذا حيث عاد هذا التصميم إلى عالم الموضة للرجال والنساء على حدّ سواء. ربّما فقد خاتم "شوفالييه" معناه الأصلي، لكنه حتماً لم يفقد سحره و الدلائل القديمة التي ما زال يشير إليها.
لكن كيف نعتمد هذا الخاتم؟ تشير التقاليد إلى اعتماده في الإصبع الصغير (الخنصر) من اليد غير المهيمنة. ويُعزى السبب إلى أنّ خواتم "شوفالييه" تكون عادة قطعاً ضخمة ويُنظر إلى وظيفتها من ناحية رمزية وعلى أنها ختم في المقام الأول. وعندما بدأت النساء بوضع تلك الخواتم، تغيّرت العادات وصار الرجال يعتمدونها في البنصر، بينما استمرّت النساء باعتمادها في الإصبع الصغير (الخنصر).
وأضحى هذا الإكسسوار النفيس رائجاً أيضاً بعد أن أعادت تصميمه وإنتاجه دور مجوهرات فاخرة ودور أزياء مرموقة لديها مجموعات مجوهرات. نذكر خاتم الخنصر الأيقوني من "تيفاني"، ذا شكل القلب والمصنوع من الذهب الأبيض. يمكن اعتماده كما هو من دون أي إضافات، وهو خاتم "شوفالييه" الكلاسيكي من "تيفاني"، كما يمكن نقش أي كلمات يريدها الزبون عليه، وذلك من أجل التشديد على استخدامه السابق كختمٍ. ويمكن أيضاً اختياره على شكل حلية متدلّية أو قلادة، ليكون قطعة أكثر مرحاً. وإضافة إلى دار "تيفاني"، أطلقت دار "فيرساتشي" مجموعة خواتم "شوفالييه"، وقد نقشت عليها شخصية الغرغونة الأسطورية، رمز الدار. وتخصصت دار المجوهرات الإيطالية الشهيرة "دامياني" بدورها في تصميم خواتم "شوفالييه" المرصّعة بالماس. وحين يتعلق الأمر بمعدن الفضّة، يبتكر جيوفاني راسبيني خواتم "شوفالييه" لأصابع الخنصر، ذات تصاميم جميلة أو شعارات نبالة أو كتابات. باختصار، هناك تصاميم تلائم جميع الأذواق والمناسبات.
وأخيراً، بالحديث عن الشخصيات البارزة، يُقال إنّ السير ونستون تشرشل الذي كان يزيّن إطلالته دائماً بخاتم ذي ختم نادراً ما انفصل عنه، صنع شِقّاً في مسند ذراع كرسيّه بواسطة هذه الجوهرة. لكن السياسي البريطاني الذي حاز جائزة نوبل في الأدب عام 1953، ليس الرجل المعروف الوحيد الذي استسلم لسحر هذا الخاتم. فأحبّ كلّ من فرانك سيناترا وفرانكلين ديلانو روزفلت وستيف ماكوين اعتماد الخاتم. وحتّى ملك بريطانيا الحالي تشارلز الثالث، ما زال يعتمد منذ عقود تصميماً عمره حوالي 180 عاماً وكان ملكاً لإدوارد الثامن.