تاريخ انصهار المجوهرات بعالم الفنّ
ليس موضوعاً يعرفه الجميع، لكنّ العديد من أشهر فنّاني القرن العشرين – أكانوا من الرسّامين أو النحّاتين أو المصوّرين- جرّبواتصميم المجوهرات. مقدّمين تحفاً رائعة من الذهب والأحجار الكريمة، ساهموا في رسم روابط بين فنون مختلفة. تميّز الكثير من تلك الأعمال بالعناصر النموذجية للمنحوتات أو اللوحات أو الصورالفوتوغرافية الخاصة بالفنّانين الذين ابتكروها. وقد كتبت ديان فينيت التي اشتهرت بشغفها الكبير في جمع الأعمال الفنّية والمجوهرات الراقية ما يلي: "إنّ قطعة مجوهرات بتوقيع فنّانهي تماماً مثل لوحةأو منحوتة، هي تحفة فنيّة بحدّ ذاتها. نابعةً من النهج الإبداعيذاته، تمتلك القطعة القوّة والشاعرية والقدرة نفسها على إثارة الاهتمام، وأحياناً، الحسّ الفكاهي نفسه.ما يفرّق بين الأعمال هو فقط الهدف النهائي من كلّ قطعة." وبالتالي، لا يمكننا تقييم هذهالمجوهرات على أساس القيراط والعيار، بل على أساس قيمتها الجوهرية.
تلك التحف الفنية المصغّرة والقابلة للاعتماد قد منحتالعديد من الفنّانين فرصة اكتشاف قدرة حرفة المجوهراتعلى أن تكون وسيلة تعبير. في السنوات الأخيرة، صارت تلك الأعمال تشكّلقطاعاً رائجاً في سوق الفنّ وحقّقت مبيعات كبيرة عالمياً. ومن أولى اللحظات التي انطلقت معها هذه الظاهرة،هي حين وصلت الجامعة والراعية الفنّية الشهيرة بيغي غوغنهايم عام 1942 إلى مراسم افتتاح معرضها Art of This Century وهي تعتمد أقراطاً غير متطابقة عبّرت عن ذوقها الغريب وحسّها التجريدي والسريالي.القرطالأول من تصميم النحّات الأميركي ألكساندر كالدر، والآخر من تصميم الرسّام الفرنسي إيف تانغي.
ويجدر ذكر أسماءعديدة من بين مَن صنعوا التاريخ الطويل والعريق للمجوهرات المستلهمة من الفنّ. استخدم ألكساندر كالدر المجوهرات كوسيلة بديلة لإيصال مبادئه الفنّية. في الواقع، كان في سنّ الثامنة من عمره فقط حين قام للمرة الأولى بتحويل بقايا نحاسية وجدها في الطرقات إلى عقود مصغّرة. منذ ذلك الحين، وخلال مسيرة حياته، ابتكر حوالي 1800 قطعة مجوهرات. تميّزت مجوهرات كالدر بأنها شخصية للغاية، وصنعها من الفضّة والنحاس الأصفر، وزيّنها بالزخارف التجريدية.رغب كالدر في صنع مجوهرات متاحة للجميع، واختار أن يطرق ويصفّح ويلوي حتى المعادن غير النفيسة. لذلك، يُعتبر من بين الرائدين في عالم المجوهرات الفنّية.
ولا ننسى أعمال الفنانة التشكيلية كلود لالان التي كانت تغمس الأزهار والنباتات والفراشات فيأحواض الطلاء لابتكار قطع مجوهراتفريدة من نوعها، مثل عقدَيPapillon وRonce، فضلاً عن المشابك والأقراط والأساور وحقائب السهرة. وقد قامتكلود، رفيقة الفنّان فرانسو-زافييه لالان الذي عُرف في أتولييه دار ديور عندما كان مصمماً شاباً، بخلق عوالم الخيال العلمي استناداً إلى أعماله. وقال عنها إيف سان لوران: "ما يؤثّر في نفسي حين يتعلّق الأمر بها، هو قدرتها على مزج المعايير نفسها تماماً من الحرفية والشاعرية. تبدو يداها النحتيتان الجميلتان وكأنّهما تردعان غبار الغموض للوصول إلى ضفاف الفنّ." وقد تعاون إيف سان لوران ولالانلمجموعة الأزياء الراقية لموسم خريف وشتاء 1969، التي ابتكرت لها الفنّانة منحوتة ذهبية لجسم العارضة الشهيرة فيروشكا.
لا يقتصر إرث الفنّان الشهير سلفادور دالي على لوحاته فقط، بل تضاف إليه مجموعة المجوهرات الذهبية الفريدة التي صُممت بين عامَي 1940و1970. استوحى مجموعة مجوهراته الذهبية من ملهمته الحبيبة غالا، وصمّم العديد من المجوهرات التي فاجأتنا بتصاميمها الخارجة عن المألوف وفخامتها وترفها. وعن هذا الموضوع، قال دالي: "هدفيهو إبراز فنّ المجوهرات من المنظور الصحيح – حيث يُعتبر التصميم والفنّ أرقى من القيمة المادّية للجواهر، تماماً كما في عصر النهضة."
أمّا بابلو بيكاسو، فإلى جانب مسيرته المهنية الفنية التي دامت نحو 80 عاماً، صمّم عدداً من المجوهرات الخلاّبة. وارتبط ذلك بعلاقاته الشخصية، إذ كانت معظم المجوهرات مصنوعة ليقدّمها لعشيقاته. ولم يقرّر أن يبتكر مجموعة مجوهرات للبيع سوى في ستينيات القرن الماضي. متعاوناً مع صانع المجوهرات فرانسوا هوغو، أطلق مجموعة ميداليات ذهبية بعيار 23 قيراط، جسّدت جميعها تصاميم الفنّان وزخرفاته السيراميكية.
أخيراً، بالانتقال إلى عصرنا هذا، يشتهر الفنّان جيف كونز بأعماله الانتقائية المثيرة للجدل. ونذكر هنا بناءه الساخر لأعماله التركيبية التي يستخدم لها مواد غيرملائمة، مثل سلسلة منحوتاته الشهيرة "أرنب"Rabbit المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ بسطح عاكس ومظهر يبدو وكأنه قابلاً للنفخ. في 2005، ابتكر كونزللمصمّمة ستيلا مكارتني مجموعة من 50 قلادة من الذهب الأبيضمع حلية على شكل أرنبه الشهير بحجم 7.5 سم فقط، مقارنةً بمنحوتاته الضخمة التي تبلغ حوالي 10 أمتار.