مجوهرات ألكسندر كالدر: بين الصياغة والنحت
إنّ اسم ألكسندر كالدر (1976 – 1898) هو أحد أشهر الأسماء في مجال النحت في القرن العشرين، ويحتفى به خصيصاً لأعماله الحركية التي أطلق عليها اسم " الأجهزة النقالة". ومع ذلك، لم تقتصر ابتكارات الفنّان الأميركي على النحت فقط، بل ابتكر كالدر مجموعة من اللوحات والمطبوعات الحجرية والمنسوجات والألعاب والمجوهرات الرائعة.
كان كالدر ابن عائلة فنية، فوالده نحت نصباً تذكارية ووالدته اشتهرت برسم البورتريهات. خلال طفولته، اضطرّ للتنقّل بين مدن عدّة بسبب التزامات والديه المهنية. وحاز صاحب التفكير العملي البديهي شهادة في الهندسة في سنّ مبكرة. وقبل أن يكرّس حياته للفنّ بالكامل، عمل كالدر في مجال صناعة المركبات وأيضاً كمهندس هيدروليكي. وشكّلت المعرفة في الفيزياء والرياضيات التي اكتسبها في الجامعة، إلى جانب موهبته الفطرية، أساساً هاماً لابتكار أعماله الحركية. وقد صرّح قائلاً بأنّ العامل الحاسم الذي أدّى إلى اختياره للفنّ كان مشهداً صباحياً في عام 1922 لشروق الشمس مع انعكاس القمر على البحر. في ذاك اليوم، كان الفنّان يبحر إلى غواتيمالا على متن سفينة تجارية، فأدهشه جمال المنظر حتّى قرّر تكريس حياته للفنّ. وساهم الفنّ المتطرّف الذي يتميّز به كالدر في تحديد أفق النحت المعاصر، وشكّل مصدر إلهام للعشرات من الفنانين وترك بصمة ما زالت ملموسة حتى يومنا هذا.
مهما كان الشكل الذي يمنحه لأعماله الديناميكية والمؤثّرة، تبقى مساهمة كالدر في تحديث اللغة والتقاليد الفنية لا ريب فيها. في الواقع، كان ألكسندر كالدر النحّات الغربي الأوّل الذي استكشف بدقّة كبيرة تداعيات الحركة، فضلاً عن كونه أوّل مَن ركّز على تناوب الأشكال في أعماله. قليلون هم الفنّانون الذين ساهموا بهذا الشكل الكبير في تطوير الفنّ المعاصر. أمّا ألكسندر كالدر، المبتكر على المستويين المفاهيمي والمادي، فصمّم مجوهرات عكست بطريقة مثالية هذا المسار الفني المهم.
على مدار مسيرته المهنية، ابتكر كالدر نحو 1800 قطعة مجوهرات، ومنها أقراط وأساور وعقود وبروشات ودبابيس شعر، جميعها خارجة عن المألوف. كانت تُصنع عادةً من موادّ بسيطة مثل الفضّة أو النحاس، ويُضاف إليها أحياناً أقمشة معاد استخدامها. تميّزت القطع بحجمها الضخم وأشكالها المستقبلية وفرادتها وغرابتها. فبالنسبة لنساء القرن العشرين، كان اعتماد مجوهرات من تصميم كالدر إعلاناً عن عدم الاتفاق مع ما هو تقليدي وتعبيراً عن الفكر الحر. ليست صدفة أن نجد من بين النساء اللواتي اعتمدن مجوهرات النحّات الأميركي بعضاً من أبرز الشخصيات الثورية في القرن الماضي، مثل سيمون دو بوفوار، وبيغي غوغنهايم، وجورجيا أوكيف.
إنّ كل المجوهرات المنحوتة التي ابتكرها كالدر مصنوعة يدوياً. قام كالدر بنفسه بطَرق المعادن وثنيها وتشكيلها، من دون المسّ بحركتها لأنّها لم تُصقل أبداً. استخدم كثيراً الأسلاك الفولاذية التي قام بلفّها وتثبيتها ليبتكر أشكالاً لولبية وأحرفاً ورسومات. وأضاف في بعض الأحيان قطعاً من الزجاج الملوّن وأجزاء السيراميك وأحجاراً ذات أشكال محدّدة. كانت الرؤية الإبداعية لكالدر في تصميم المجوهرات تتمثّل في وضع الفنّ في خدمة الحركة العملية، مثل تزيين الجسم. لم تكن مجوهراته مماثلة لتلك الموجودة في الأسواق، بل أعمالاً سريالية تمّ تصميمها لإضفاء الجمال على الجسم.
وبالتالي، لكلّ قطعة مجوهرات نسخة واحدة فقط ومعنى شخصيّ جداً. صمّم كالدر معظمها لزوجته لويزا جيمس- ابنة حفيدة الكاتب هنري جيمس- في مناسبات أعياد الميلاد والاحتفالات بذكرى زواجهما. وقد صنع العديد منها لاحقاً للأصدقاء، بما في ذلك لويس بونويل، وزوجة أندريه بروتون، ومارك شاغال، وجوان ميرو الذي أهداه خاتماً جميلاً مزيّناً بالسيراميك. ومن بين أبرز قطع المجوهرات التي صممها، نذكر سوار النحاس المطروق الذي أهداه للويزا، تلته إصدارات كثيرة على شكل تحف فنية قابلة للاعتماد احتفالاً بالحب. ولأنّ هذه القطع صُمّمت خصيصاً لشخص معيّن، غالباً ما كانت تتميّز بعناصر خاصّة مثل نقش الأحرف الأولى من الاسم.
وتجدر الإشارة إلى أحد أبرز أوجه ابتكارات كالدر، وهو أنه كان يعمل على انعكاس حسّه الفكاهي من خلال الأسلاك المعدنية. وفضلاً عن ذلك، من خلال الاستلهام من الرموز الكونية للسكان القدامى، مثل الشكل الحلزونيّ، أثبت كالدر عودته إلى الفنّ البدائيّ لكن بطريقة راقية وجديدة. وأخيراً، لم يساهم كالدر فقط في إبداعات عالم الفنّ، بل أيضاً في مجال المجوهرات.