الإمبراطورة سيسي وماساتها الأسطورية
إليزابيث إمبراطورة النمسا المعروفة باسم "سيسي"، اشتهرت بإطلالتها الرائعة وانجذابها إلى الطبيعة وحبها لفن الشِعر والمجوهرات الراقية. أما حياتها فتميزت بأحداث سعيدة وأخرى مأساوية، وتحوّلت قصتها الشخصية إلىأسطورة على أيدي الأشخاص الذين رأوها امرأة يضرب بها المثل وتستحق الإعجاب والتقدير. بحسب وصفها، إن حياتها تأرجحت بين الملل ولحظات سعادة عابرة، بين الحاجة إلى الهروب من العالم الملكي التي أحسّته بعيداً عنها وشغفها العميق بالجمال.
"حين أمشّط شعري، أسمح لنفسي بالهروب بعقلي إلى مكان آخر"، هكذا كانت تقول عن شعرها الرائع الذي كانت تزيّنه بنجوم ماسية، ما زال يُحكى عنها حتى يومنا هذا. بشعرها الذي كاد يصل إلى كاحليها والذي صفّفته معظم الوقت في تسريحاتلم يسبق لها مثيل، وبفساتينها الراقية التي صُممت خصيصاً لها، أطلقت "سيسي"لاشعورياً صيحات حقيقية جديدة انتشرت بسرعة ملحوظة في كل القصور الملكية الأوروبية.ومن أجمل البورتريهات التي تلخّص ذلك، تلك التي رسمها فرانز كسافر فينترهالتر في عام 1865 و"سيسي" واقفة أمامه بشعر مزدان بنجوم من الماس واللؤلؤ.
غير أن ماسات الامبراطورة "سيسي" كانت عديدة ومتنوعة، وبخلاف الاعتقاد الشائع، صُنعت لها نسخ مختلفة من النجوم الماسية، بعضها بثمانية رؤوس وأخرى بعشرة رؤوس، وبعضها مع لؤلؤ وبعض آخر من دون لؤلؤ. النجوم ذات الرؤوس العشرة وغير المرصعة باللؤلؤ كانت من إنتاج دار المجوهرات
"روزيت أند فيشماير" التي كانت مزوّداً رسمياً لمجوهرات البلاط، إلى جانب صائغين آخرينمرموقين.يعرض حالياً طقم من هذه الجواهر في "متحف سيسي" بمدينة فيينا، بعد أن كان المتحف يستعيرها في الماضي لأنها كانت ضمن مجموعة خاصّة. إنها ثلاث نجوم ماسية كبيرة ذات عشرة رؤوس، ولكل منها ماستان صغيرتان. دار المجوهرات العريقة "كوشرت" كانت بدورها مسؤولة عن صنع النجمة الماسية الضخمة المرصعة بلؤلؤ في الوسط. أما مجموعة النجوم التي رسمها الفنان "فينترهالتر" في البورتريه الشهير الذي ذكرناه، فتألّفت من 27 نجمة ماسية بعشرة رؤوس ولآلئ في الوسط، يمكن استخدامها بشكل فردي كدبابيس أو دمجها بمشابك لبناء تاج.
على الجهة الأخرى من القناة البريطانية، قامت ألكسندرا الدنماركية أميرة ويلز بطلب مجوهرات مشابهة لنجوم "سيسي" من صائغ المجوهرات الملكي "غرارد"، حتى تزين بها فساتينها وكورسيهاتها. وفي مجموعة مجوهرات العائلة الملكية الهولندية أيضاً، وُجدت قطع كثيرة على شكل نجوم. أوّل من حصل عليها كهدية كانت الملكة إيما في عام 1879، بعد أن قدّمها إليها زوجها المستقبلي هدية زفاف. اليوم، يتم اعتمادها بطرق مختلفة، كما نرى مع الملكة ماكسيما التي اختارت أن تثري بها تاجها اللؤلؤي الذي كلّلت به إطلالتها الزفافية في 2002.
وبمجرّد انتشار هذه الموضة في جميع أنحاء أوروبا، قررت الإمبراطورة "سيسي" التخلص من جميعهذه المجوهرات المميزة بإعطائها لوصيفاتها وورثتها. وتشير مصادر مختلفة في يومنا هذا إلى أنه لم يتبق سوى عدد قليل من النجوم الماسية الأصلية. كما وقد عُرض تاج نجوم"سيسي" في قصر شونبرون في فيينا عام 1998 ضمن معرض كرّمها في الذكرى المئوية لوفاتها. وقد حصل في تلك المناسبة ما لا يمكن تصوره،فعلى الرغم من أن الجوهرة كانت موضوعة بأمان داخل صندوق من الزجاج المصفح، نجح لص في استبدال إحدى النجوم بنسخة مقلدة.
لكن أحد رجال الأمن لاحظ حيلة هذه السرقة بعد عام واحد عن طريق الصدفة، وذلكبفضل تحقيق الشرطة في عملية سطو في بنك كندي. خلال التحقيق للقبض على الجناة المحتملين في عملية السطو، عثرت الشرطة على مخبأ النجمة المسروقة في منزل جدة أحد المشتبه بهم في "وينيبيغ" في مقاطعة مانيتوبا الكندية. وبعد عشر سنوات، في عام 2008، أعادت الحكومة الكندية الجوهرة إلى مالكها عند انتهاء محاكمة السارق البالغ من العمر 35 عاماً. في عام 2010، صارت النجمة أخيراً ضمن مجموعة جمعية قصر "شونبرون" الثقافية، وهي معروضة منذ ذلك الحين في "متحف سيسي".
ومن بين المجوهرات الفاخرة الأخرى التي امتلكتها الامبراطورة، يجدر بالذكر أيضاً طقم الماس والياقوت المكوّن من تاج وعقد وبروش والذي تعود جواهره إلى ملكة فرنسا الغنية عن التعريفماري أنطوانيتوابنتها ماريا تيريزادوقة أنغوليم. فبعد أن توفيت في المنفى، ورث أقارب هابسبورغ-لورين المجوهرات، وبالتالي أصبحت جزءاً من المجموعة التي تخص الإمبراطورة "سيسي" فيما بعد. وقد بقيت معنا ذكرى أبدية لهذه المجوهرات من خلال بورتريه شهير رسمه الفنّان النمساوي جورج راب في عام 1875.
هكذا، نكون قد حاولنا تلخيص قصّة مجوهرات نفيسة كانت في يوم ما ملكاً لامرأة أنيقة للغاية، امرأة تمرّدت على التقاليد وخرجت عن نطاق المألوف