جان شلمبرجير Jean Schlumberger: قصة صائغ عظيم
جان ميشال شلمبرجيركان مصمم أزياء فرنسياً اشتهر خصوصاً بمساهمته القيّمة في صناعة المجوهرات الراقية لدار المجوهرات الشهيرة "تيفاني أند كو". ولد في 24 يونيو 1907 في مدينة مولهاوس (الموجودة اليوم في شرق فرنسا والتي كانت وقتها ألمانية) لعائلة ثرية تعمل في صناعة النسيج. في شبابه،عزّز جان موهبته الفطرية في تصميم المجوهرات، على الرغم من أن والديه حاولا كبح اهتماماته الفنّية وشغفه بالتصميم.بدأ مسيرته المهنية رسميا في ثلاثينيات القرن الماضي حين ابتكر أزراراً لمصممة الأزياء الإيطالية إلسا سكياباريلي التي كلّفته لاحقاً بتصميم وصناعة المجوهرات لشركتها، مما شكّل منصة الإنطلاق لمسيرة شلمبرجيرالمهنية.
بعد نجاته من الحرب العالمية الثانية ومعركة دونكيرك، انتقل إلى مدينة نيويورك حيث افتتح عام 1946 متجر المجوهرات الخاص به مع شريكه التجاري نيكولاس بونغارد. وبعد عشر سنوات، أي في عام 1956،استلم عرض العمل الذي طال انتظاره من والتر هوفينغ رئيس شركة "تيفاني أند كو"، حتى يصبح مصمم مشغلها الشهير. ومنذ تلك اللحظة، بدأ"شلمبرجير" الفصل الأكثر نجاحاً في قصّته مع تصميم المجوهرات،وكان التعاون مع "تيفاني أند كو" طويلاً ومربحاً. تميز فن "شلمبرجير" بميله إلى ابتكار مجوهرات تصور العالم الطبيعي والحيواني، ومن خلال الاستخدام البارع للأحجار الكريمة الملونة، تمكّن من تحويل عجائب الطبيعة إلى قطع فائقة الجمال، إلى تعبير نحتي عن نفاسة المجوهرات الراقية، إلى تحف ما زالت لا تضاهى حتى اليوم في فن تصميم المجوهرات.
أوّل نجاح كبير حقّقه كان مع الأساورالمصنوعة بتقنية paillonnéالقديمة،وهي عملية معقّدة تضع صفيحة معدنية بين طبقتين من المينا، الأمر الذي يمنح الجوهرة إشراقاً استثنائياً. أغرمت جاكلين كينيدي فوراً بهذه الأساور المشغولة بالمينا، والتي صارت توقيعاً لأسلوب السيدة الأمريكية الأولى واجتمعت بقفازاتها الشهيرة وفساتينها القصيرة.وصار هذا السوار المتوفر في مجموعة واسعة وغنية من الألوان والأنماط الزينية، معروفاً باسم "سوار جاكي".
أحد أشهر ابتكارات شلمبرجيه لدار "تيفاني أند كو" كان بروش الماسة الصفراء لمجموعة "ماس تيفاني"Tiffany Diamond . البروش حمل اسم "طير على صخرة"Bird on a Rock واحتضن في ترصيع مبتكر ماسة صفراء رائعة بعيار 128.54 قيراط هي واحدة من أكبر الماسات الصفراء التي تم اكتشافها على الإطلاق. هذه الجواهر هي من أبرز القطع الأيقونية للمصمم الفرنسي الرؤيوي الذي سافر حول العام، ولاسيما إلى إندونيسيا، لإيجاد مصادر الإلهام الملائمة. تصميم بروش الطير على الصخرة فريد حقاً، ونظرة الطير ثاقبة بفضل الياقوتة المحدبة الجميلة التي استعملها شلمبرجير لصياغة العين. أما الأرياش المائلة نحو الأعلى ليبدو الطير وكأنه يطير في الهواء، فترصعت بماسات دائرية متألقة مجموع عياراتها نحو 3.00 قيراط.
وبالعودة إلى تلك الماسة الصفراء، يجب أن نذكر أن في تاريخها أربع نساء فقط اعتمدنها. أوّلهنزوجة إدوين شيلدون وايتهاوس،وذلك في عام 1957 لحضور حفل "تيفاني" في رود آيلاند، بعد أن تم وضع الماسة الصفراء في عقد مرصع بالماس الأبيض.المرأة الثانية كانت أودري هيبورن في 1961 من أجل تصوير الحملة الإعلانية لفيلم "الإفطار عند تيفاني". وفي 2019، تزينت ليدي غاغا بالماسة لحفل جوائز الأوسكار بدورته ال91. كما وضعت الفنانة بيونسيه عقد "تيفاني" المرصع بالماسة الصفراء لحملة إعلانية ضخمة أطلقتها الدار قبل عامين. ولا ننسى ظهور نسخة عن هذه الماسة من تصميم "تيفاني أند كو." في فيلم "موت على ضفاف النيل" (2022).
جان ميشال شلمبرجير كان مبدعاً استثنائياً، ولو عاش وعمل في القرن الحادي والعشرين، كان سيحظى حتماً بلقب مدير إبداعي، لكن شخصيته ولسوء الحظ ما زالت محاطة بهالة من الغموض. لا نعرف عن حياته الخاصّة سوى القليل، لكن ابتكاراته الرائعة تتحدث عنه. في الواقع، يعود الفضل إلى شلمبرجيه في وصول دار "تيفاني أند كو." إلى مستويات فنّية وتعبيرية لا مثيل لها في عالم المجوهرات الفاخرة.
أخيراً،من عناصر التصميم الأخرى التي تخبرنا عن حياة شلمبرجيه وخلفيته، نذكر تقنية استوحاها من عالم النسيج. فلطالما كان العمل اليدوي على الأقمشة جزءاً من حمضه النووي، وقد اختار تكريم عائلته وإرثها في هذا المجال، عبر تصميم قطع مجوهرات تشبه تقاطع خيوط النسيج التي تحققها تقنية التطريز المعروفة باسم "رأس الإبرة".إن هذه البراعة التقنية الملخّصة في رسم بسيط تعبّر عن عبقرية شلمبرجير، كما نرى مثلاً في تشوكر السلاسل الماسي الشهير الذي اعتمدته بيونسيه.