حجر اليشم.. كنز الشرق
يرتبط حجر الجاد أو اليشم ارتباطاً وثيقاً بالثقافة الصينية، ويُحكى عنه أساطير وتقاليد لا تُعدّ ولا تُحصى. يُعتبر حاملاً للغز أبدي،وهو قادرعلى تذكيرنابعصور قديمة مليئة بالترف. لا عجب أن يسافر تفكيرنا إلى الصين فور تحدّثنا عن حجر الجاد، وإلى كلّ الألغاز القديمة المرتبطة بالماضي. قد تتعلّق قوّة هذا الحجر بقدرته على المقاومة، وفي الواقع، كان يُستخدم في عصور ما قبل التاريخ لصناعةالأسلحة البدائية. غير أنّه اكتسب اسمه من الغزاة الإسبان الذين وصلوا إلى أميركا وأطلقوا على الحجر اسم Piedra de Ijada. كان ذلك في العام 1565، وفي الفترة نفسها، لُقّب الحجر أيضاً بـPiedra de losRiñonesأي "حجر الكلى". وأصبح الاسم الأخير بعد ترجمته إلى اللاتينية Lapis Nephriticus، من هنا أتى اسم حجر النفريت. غير أناكتشاف هذا الحجر يُعزى إلى عالم المعادن الفرنسي ألكسي دامور.
بالانتقال إلى تركيبة حجر اليشم الكيميائية، فهو يتألّف من معادن سيليكات محددة تبدو منتشرة ضمن بنيةتضمّ حبيبات دقيقة وأليافاً منسوجة، ومن هنا تأتيقدرته على المقاومة.هناك نوعان من اليشم: الجاديت الذي ينتمي إلى مجموعة بيروكسينات قلوية، والنفريتالذي يعتبر جزءاً من معادن الأمفيبول. وعلى المستوى البصري، يبدو حجر الجاد وكأنه غير شفّاف ولا يسمح بتغلغلالنور إليه. تُجرى عملية استخراجه غالباً في الصين، لكن أيضاً في بعضالبلدان الأخرى، مثل تايوان واليابان وغواتيمالا وروسيا ونيوزيلندا وأستراليا.
يُعتبر حجر اليشم أو الجاد في الصين خصوصاً جوهرةً ملكية، وبدأت عمليات استخراجه في العام 6000 قبل الميلاد. ربطه الصينيون بالخلود وأشاروا إليه باسم جوهرة الجنّة. وفي حين يُعتبر الذهب اليوم عملة عالمية، كان حجر الجاد يُعدّ ذات قيمة أكبر بكثير منه في الصين القديمة، حتىّ أنّه يوجد مثل صينيّ قائل: "يمكننا تقديرقيمة الذهب، لكن حجر الجاد لا يُقدّر بثمن". وقد ارتبطت قيمة هذا الحجر الكريم بالمعتقد الذي يقضي بأنّه يوحّد الكائنات الحيّة الموجودة على الأرض مع تلك الموجودة في الجنّة. وفضلاً عن ذلك، ينقسم العصر الصيني ما قبل التاريخ بين عصر الأسلحة والجاد والبرونز.أمّا اليوم، فالصينيون هم الوحيدون الذين ما زالوا يعملون على حجر اليشم بتقنية عالية معروفة في كافة أنحاء العالم.
وكان الصينيون يعتمدون المجوهرات المرصّعة بحجر اليشم الأخضر كرمز للثقافة الأخلاقية. ونذكر مقولةأشارت إلى ذلك قائلةً: "إنّ الرجل الفضيل لا ينفصل عن جوهرته المرصعة باليشممن دون سببمقنع." ويُقال إنّ الفيلسوف الصيني كونفوشيوسقام بمقارنة الألوان المختلفة لحجر الجاد بروح المبادرة ولكن أيضاً بالوفاء. وفضلاً عن ذلك، كان الحجر النقي في الصين القديمة مرتبطاً بطهارة المرأة،فيجب أن تكون الزوجة المثالية شفّافة تماماً كحجر الجاد. وقد ربط كونفوشيوس 11 فضيلة بحجر الجاد، وهيالنزاهة والحقيقة والمصداقية والإحسان والعدالة والموسيقى والوفاء والجنّة والأرض والأخلاقيات والذكاء.
في الخيال الجماعيّ،يرتبط حجر الجاد بشكل حصري باللون الأخضر. في الواقع، يمكن العثور على الجاديت الأصلي – وهو حجر أكثر ندرةً وكلفة- باللون الأزرق والبنّي والبنفسجي والأبيض. وقد نجد بقعاً وخطوطاً في حجر الجاد بسبب عملية الأكسدة، ويمكن أن تكون بلون أحمر أو أصفر بسبب وجود الحديد. من جهة أخرى، يُعزى لون الحجر الأخضر إلى وجود عنصر الكروم. أمّا النوع الثاني من حجر الجاد، وهو النفريت الأكثر شيوعاً، فيأتي بمجموعة أصغر من الألوان تتراوح بين الأحمر والبنّي مروراً بالأصفر. ومن الصعب التمييز بين الجاديت والنفريت.
عُرف حجر الجاد بأنه رمز الحبّ والفضيلة، وأصبح شعارسلالات الإمبراطورية الصينية. واليوم، ليسغريباً أن تحمل شخصيات بارزة هذا الحجر معها خلال مناسبات العمل المهمّة. في الواقع، هو معدن يمكنه أن ينشر العدالة ويعزّز المصداقية. ومنذ العصور القديمة، اعتُبر حجر اليشمغنيّاً بخصائص الشفاء؛وهي فكرة يتشاركها أيضاً الهنود من أميركا الوسطى والجنوبية والعصر ما قبل الكولومبي. ووفقاً للعلاج الكريستالي، يعمل حجر الجاد على تقوية القلب، ويمكنه من خلال إعادة تنشيط الدورة الدموية، أن ينقّي الدم والجهاز المناعي. ليس من المستغرب أن يُستخدم حجر الجاد أيضاً في أنواع محدّدة من جلسات التدليك. ومن الناحية النفسية، يؤدّي حجر الجاد دوراً في طمأنة الفكرالمضطرب ويساعد على اتّخاذ القرارات الصحيحة.