حجر القمر، البلّور المفضّل عند القدماء
يعود اسم حجر القمر المعروف أيضاً باسم "سيلينيت" و"أدولاريا"، إلى شبهه الكبير بالقمر. يأتي مصطلح "سيلينيت" من الكلمة اليونانية "سيليني"seleneالتي تعني "القمر" وفي الأساطير الإغريقية إلهة القمر. أمّا "أدولاريا"، فهو مصطلح يشير إلى فئة من أحجار القمر التي تمّ العثور عليها في جبال الألب الأوروبية، ومنه انبثق اسم خاصية الظاهرة البصرية التي يتميّز بها حجر القمر، أي ظاهرة الأدولاريسنس. وفي اللغة الهندية، يُطلق على حجر القمر اسم "شاندراكانت"chandrakantأي "الذي يفضّله القمر"، ومصدر الكلمة من السنسكريتية "شاندرا" أي القمر و"كانتا" أي المفضّل.
بالنسبة إلى التركيبة الكيميائية، إنّ حجر القمر عبارة عن سيليكات البوتاسيوم من عائلة الفلدسبار، وهو اسمٌ مشتق من الكلمة الألمانية "فلدسبات"feldspat ، أي "حجر الحقل"، وذلك لقدرته على تخصيب التربة بأسمدة للنباتات. إنّالفلدسبار مجموعة من المعادن معروفة خصوصاًبجواهرهاالتي تنبع منها ظواهر ضوئية رائعة، مثل الانعكاس الأفنتوري والتقزّح اللوني، فضلاً عن ظاهرة لمعان الأدولاريسنس التي تمّ ذكرها سابقاً. وتنقسم هذه العائلة إلى فئتين ثانويتينهما البلاجيوكلاز والبوتاسيوم. تضمّالأولى معظم الأحجار المعروفة، وتتميز بمحتواها من الكالسيوم والصوديوم ونسبهما المئوية. أما أحجار البوتاسيوم فلها تركيبة كيميائية مشتركة ولكن بنية بلّورية مختلفة. والجدير بالذكر أنّ العديد من الأحجار الكريمة من مجموعة الفلدسبار، غالباً ما تثير حيرة خبراء الأحجار الكريمة لتشابهها من حيث التركيبة الكيميائية.
يتمّ استخراج حجر القمر من بعض الرواسب المعزولة في البرازيل وبورما وجبال الألب الأوروبية والهند ومدغشقر وسريلنكا وتانزانيا والولايات المتحدة الأميركية، ممّا يجعل منه حجراً كريماً نادراً. تُعرف سريلنكا بكونها المنتج الرئيسيّ لأحجار القمر ذات الجودة العالية والمظهر الذي يكاد يكون شفافًا واللون الأزرق القويّ. إنّ معظم أحجار القمر المستخرجة من سريلنكا تأتي منمنجم"ميتياغودا" الشهير في جنوب البلاد، إضافة إلى بلدات دمبارا وتيسامهاراما وإمبولبي. وعلى الرغم من أنّ منجم ميتياغودا نشطٌ منذ أكثر من 50 عاماً، إلاّ أنّ حقولاً قليلة ما زالت موجودة فيه. وبالتالي، ومع أنّ هذا الحجر الكريم ينتمي إلى فئة المعادن الأكثر وفرةً في العالم، إن إيجاده بنوعية الحجر الكريم أمر نادر جداً في الواقع. وهناك أيضاً نوع جديد نسبياً مستخرج من تنزانيا ، وتحديداً من منطقة أروشا، التي نجد فيها أيضاً حجر التنزانيت.
شكّل حجر القمر الرائع بطلاً في العديد من التقاليد والأساطير، بدءاً من الهند القديمة حيث كان يُعتقد أنّ الإلهة الهندية ذات الأربع أذرع لديها حجر القمر على جبهتها رمزاً للقمر بحدّ ذاته. وفي البلدان الغربية، لطالما كان حجر القمر محبوباً ومرغوباً، فآمن القدماء بأنّ الحجر مؤلّف من مكوّنات صغيرة مصدرها القمر وبأنّ ضوءه الداخلي ينبثق من طاقةإيجابية موجودة فيه. وفي روما القديمة، كان يُعتقد بأنّ حجر القمر يغيّر شكله وفقاً لتغيّر مراحل القمر المختلفة. تشير أسطورة تعودللقرون الوسطى إلى أنّه مَن يشعر بالنعاس بعد رؤيته حجر القمر،تسكنه قدرات فريدة. إلى جانب كلّ تلك الأعراف، ارتبط حجر القمر أيضاً بالحب، أقوى المشاعر وأكثرها إيجابية. وبما أنه رمز "العين الثالثة"، يساوي حجر القمر اليين واليانغ، فهما مبدآن متعارضان لكن في الوقت نفسه متكاملان وضروريّان.
ننتقل الآن إلى ألوان هذا الحجر الساحر الذي يتوفر في تشكيلة واسعة منها، من البنّي إلى الأخضر والرمادي مروراً بالوردي والقوس قزحي والأبيض والأصفر.ويتميّز الحجر بضوء يتراوح من الفضي إلى الأزرق، ومن شبه الشفاف إلى الشفاف، وغالباً ما يكشف عن لمعان عالٍ. إنّ أكثر أنواع أحجار القمر طلباً هي ذات الإضاءة الزرقاء القوية التي تظهر على سطح الحجر من زوايا نظر مختلفة، وتتميّز بنقاءعالٍ وخلفية خالية من الألوان. بشكلعامّ، كلّما زادت قوّة الإضاءة الزرقاء وحجم الحجر وشفافيته،زادت قيمته.
تمتلئ الطبيعةبأنواعٍ كثيرة من أحجار القمر. حجر قوس القزح مثلاً يتميّز بظاهرة الأدولاريسنس الرائعة مع اللون الأزرق الحيوي والتقزّح اللوني الذي يحلّل الضوء الأبيض إلى مكوّنات الطيف. يتمّ استخراج حجر القمر القوس قزحي بكميات كبيرة في سريلنكا، وغالباً ما يتّسم بالبلورات النقية. أمّا نوع اللابرادوريت، فيستقي اسمه من شبه جزيرة لبرادور في كندا حيث تم اكتشافه، لكن استخراجه يتمفي الصين والهند ومدغشقر. وهذا الأخيرهو من نوع فلدسبار البلاجيوكلاز الموجود بأنواعٍ شفّافة وأخرى تحتوي على تقزح معدني غريب. وأخيراً، يعدّ حجر الشمس من نوع فلدسبار البلاجيوكلاز بألوان الأصفر أو الوردي أو البرتقالي أو الأحمر أو العديم اللون. وتتمثّل أهمّ ميزة لهذا الحجر في تأثير بصري جميل يعكس نوراً شمسياً براقاً ناتجاً عن الشوائب الداخلية المعدنية الصغيرة. كما أن حجر الشمس المستخرجبشكل أساسي من الهند ومدغشقر والولايات المتحدة الأميركية كان يوماً ما مطلوباً لقدرته المزعومة على إرشاد مَن يحمله طوال دربحياته.