لماذا تُدعى الأزوريت بجوهرة البحر المتوسط؟
الأزوريت صبغة معدنية طبيعية زرقاء اللون يعرفها الإنسان منذ العصور القديمة. من هذا الاسم، تتبادر إلى أذهاننا صورة حجر كريم بلون السماء أو جسم مائيهادئ، مثل البحر الأبيض المتوسط. بدأ رواج هذه الدرجة الزرقاء منذ عدّة قرون، بفضل جمالها المدهش. في القرون الوسطى، تم سحقه وتحويله إلى بودرة في سبيل إنتاج أصباغ، وكان لونه مرغوباً جداً، إلى درجة أنه رمز إلى أسر ملكية كثيرة على مر الزمن.اللون الأصلي للمعدن يعود على الأرجح إلى الكلمة العربية "اللازورد" أو الفارسية "لاجورد" والتي تعني اللون الأزرق. في حقول التعدين، نادراً ما يتواجد في شكله النقي، ويكون عادة في الطبيعة مرتبطاً بالمالاكيت وهو نوع أساسي آخر من كربونات النحاس.
تقول بعض المصادر إن الإنسان يستخدم هذا المعدن منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد، وذلك في مصر القديمة.اعتبره المصريون القدامى صبغة غير مستقرة ولذلك لم يستعملوهعلى نطاق واسع، بل بشكل أساسي كمصدر للنحاس لإنتاج الأزرق المصري الأكثر شهرة.وقد أطلق الكاتب والعالم الطبيعي الروماني بلينيوس على الأزوريت اسم "لابيس أرمينيوم" بسبب أصوله الأرمنية. وبحسب المؤلف والفيلسوف الشهير، إن أفضل أنواعه هو ذلك الأقرب إلى الكريزوكولا (أو لزاق الذهب) وله لون أزرق لامع. ومن المثير للاهتمام وجود عينّةمن حجر الأزوريت في متحف لندن اكتُشفت قبل أكثر من 3800 سنة.
بدأ إنتاج الأزوريت الصناعي، الذي يتفاعل مع أملاح النحاس وكربونات الكالسيوم، في القرن الثاني عشر واستمرّ منذ ذلك الحين. وسُمي هذا النوع من الأصباغ "بلو بايس" أو "الأزرق الفيروزي"،وغالباً ما زُوّر الأزوريت بالحجر النيلي الأرخص بكثيرنظراً لجودته. تعتمد عملية تحضير الأصباغ على الطحن المعتدل للمعدن، فعند طحنه بشكل ناعم للغاية يفقد الأزوريت لونه المميز وقدرته على التغطيةوينتج عنه لون أزرق شاحب يميل إلى اللون الأخضر. وعلى العكس من ذلك، ينتج عن الطحن الخشن لون داكن ولكن شفاف وصعب التوزيع.
بعض الخصائص الغريبة والفريدة التي يتميز بها هذا الحجر تجعل الأحجار الأصلية قابلة أكثر للتمييز عن تلك المزيفة. أولى هذه الخصائص المميزة التي يجب أخذها بعين الاعتبار هي كما ذكرنا سابقاً لونه الأزرق الزاهي الفائق الحدّة، والمعروف بشفافيته الكامدة وتألقه الزجاجي، والذي في الواقع يتغير مع مرور الوقت في حال تعرّضه للرطوبة الجوية فيضمحل إلى اللون الأخضر. ومن الممكن أحياناً العثور على بعض الأحجار الهجينة الرائعة مع درجات متراوحة بين الأزرق والأخضر الكثيف تذكّرنا من خلال تلاعبها اللوني بذيل طير الطاووس. كما أن هناك أيضاً عاملاً آخر يجب فحصه، وهو مقاومته، لأن هذا المعدن ليس صلباً، وبالتالي من السهل جداً أن يتشقق ويُخدش.
من الحقائق الغريبة المرتبطة بهذا الحجر، وجود بقع متعددة من الأزوريت على كامل سطح الغرانيت الناعم، وكل منها مختلفة عن الأخرى. عند النظر إليها بالمجهر، تبدو بقع الأزوريت كهياكل بلورية معقدة وبدرجات متفاوتة من حيث كثافة اللون. فتختلف شدة الألوان هذه من اللون الأزرق الغامق إلى اللون الأزرق الأكثر نعومة. ويتشكل الأزوريت بالقرب من رواسب النحاس، وهي مادّة توجد كمية معينة منها في هذا المعدن. غير أن عنصره الرئيسي هو الكربون، وليس من باب الصدفة أن يكون هذا الحجر موجوداً غالباً بالقرب من مادة مشابهة للماس لكن بجودة مختلفة عن جودة الأحجار الكريمة. في بعض الأحيان، يتخذ الأزوريت، من خلال عملية التشكل الكاذب، لوناً أكثر كثافة حتى يصل إلى اللون الأخضر اللؤلؤي،ويمكن قطعه وصقله مثل المالاكيت. علماً أن التشكل الكاذب هو وجود معدن على شكل نوع معدني آخر، أي أنه باختصار يتعدّل طبيعياً على مستوى يغيّر بنيته بالكامل مع الحفاظ على الشكل البلوري الأصلي.
غالباً ما يحتوي حجر الأزوريت المستخدم في المجوهرات على مادة بيضاء حليبية تمتزج مع اللون الأزرق، مما يخلق تبايناً خاصاً مع درجات الأبيض والرمادي والأسود التيتميز سطح هذه الجوهرة. وتبقى هذه الأحجار الفريدة قيمة مضافة في أي مجموعة من الجواهر أو المعادن، بالنسبة إلى علماء الأحجار الكريمة وكذلك بالنسبة إلى من يريدون حجراً مميزاً وفريداً بين جواهرهم.
أما بالنسبة للأساطير والخرافات، فتشير عدة مراجع إلى أنه ربما تم استخدام الأزوريت كتميمة حظ لمواليد برج الثور، بالإضافة إلى كونه حجراً مقدساً لدى المصريين القدامى لاعتقادهم أنه يساعد في التواصل الروحاني. في حين يعتقد الكثيرون أن هذا الحجر يساعد على تخفيف الغضب وزيادة الوعي النفسي، ويقال أيضاً إنه قادر على تعزيز الحكمة. وغالباً ما يرتبط هذا الحجر الكريم الجميل بالعلماء والفنانين لأنه ينمّي الإبداع والحدس والتركيز.