مجوهرات تستحق الجمع من تصميم نيكي دو سان فال
المنحوتات النسائية الراقصة النابضة بالحياة، والثعابين الملتفة بدرجات زاهية،والخطوط النمطية اللافتة،والكتل اللونية الجريئة،والزهور المورقة... كلها ليست سوى بعض الرموز التي ميزت أعمال الفنانة الفرنسية نيكي دو سان فال (1930-2002). تمكنت الفنانة الفرنسية الأمريكية من ابتكار لغة مرئية خاصة بهابقيت معروفة ومحبوبة إلى يومنا هذا. أدى استخدامها للألوان الزاهية والأشكال الحسية والبيئات المليئة بالحيوية إلى ظهور أعمال تمنحشكلاً مرئياً لمخيلتها الشخصية. وقد ترك فنّها المتعدد التخصصات والذي حدد هوية مسيرتها المهنية الثورية، تأثيراً ثابتاً على الفنين المعاصر والحديث، وصار مصدر إلهام أكيداً لأجيال حالية ومستقبلية من المبدعين.
منذ أعمالها الأولى، سواء كانت عروضاً مباشرة متحرّكة أو لوحات مغنطيسية السحر مثل سلسلة Tirs ("طلقات" بالفرنسية)، استطاعت سان فال أن تأسر عالم الفن بذكائها. في منتصف الستينيات، بدأت ابتكار منحوتات ضخمة تحتفي بالنساء وأشكال أجسامهن، وصارت منذ ذلك الحين اسماً خالداً في الذاكرة الفنية الجماعية. كما أن مجال عملها الفني لم يقتصر على النحت، بل طال أيضاً تأليف عدد كبير من الكتب، وتصميم الحدائق والمشاريع المعمارية، إلى جانب الأفلام، وديكورات المسارح، والملابس، والعطور، وحتى المجوهرات!
في استخدامها للألوان والأشكال، أتاحت "سان فال" مساحة للرغبة في الاحتفال بقوة المرأة وجمالها؛ومن هنا، أبصرت النور سلسلة Nanas أي "فتيات" بالفرنسية العامّية. مستمدّة الإلهام من صورة رسمها صديقها لاري ريفرز لزوجته الحامل، ابتكرت نيكي منحوتات كبيرة تمثّل قامات نسائية وأجساماً أنثوية منحنية. ونجد الأشكال الدائرية والتقوسات والتموجات نفسها في الأساور والعقود والخواتم التي صممتها تحديداً لنساء قويات مثل نساء سلسلة Nanas.
وبعد فترة وجيزة من انطلاقها، كُلّفت نيكي دو سان فال بتنفيذ العديد من المشاريع حسب الطلب،من الأعمال المعقّدة مثل المنحوتات والعمارة حيث يلتقي الحالم بالمترف والمفاجئ بالساحر، وصولاً إلى مقتنيات ثمينة صغيرة وقابلة للجمع. وكانت العديد من هذه المشاريع نتيجة التعاون مع النحات السويسري "تينغلي" الذي تزوجت نيكي منه عام 1971. وفي الوقت نفسه، ازداد التزام الفنانة واهتمامها بالقضايا الاجتماعية الملحّة من تغير المناخ إلى حقوق المرأة.
في عام 1978، بدأت سان فال بناء حديقة"تاروت"الشهيرة وهي مشروع جماعي رائع شاركت فيهنيكي دو سان فالإلى جانب عدد كبير من الفنانين والحرفيين لما يقارب عشرين عاماً. وقد كرست الفنانة نفسها قلباً وقالباً لهذا المشروع، موجّهة الأعمال بشغف ومهتمّة بكل التفاصيل وحتى مموّلة بعضها من خلال أعمال صغيرة. كما أن المجوهرات التي صنعتها في هذه الفترة، كانت تعكس رسومأوراق التاروت.
تحوّلت الأعمال الفنية الرائعة لهذه الفنانة إلى أعمال فنية صغيرة الحجم بفضل التعاون مع "جيم مونتيبيلو"GEM Montebello. وقد ساعد الرجل الرؤيويجان-كارلو مونتيبيلو،الذي أسس "جيم مونتيبيلو"جنباً إلى جنب مع زوجتهتيريزا بومودورو، علىتطويروتعزيز مفهوم مجوهرات سان فال. وسرعان ما صار اهتمام المصمم بالفنانين مشروعاً واسعاً للمجوهرات التي صممها فنانين من ضمنهم لوتشو فونتانو ومان راي بالإضافة إلى أرنالدو وجيو بومودورو. مجوهرات سان فال تحديداً كانت بمعظمها قلادات مطلية بالمينا ومشرقة الألوان مع أجسام مختلفة الأشكال ومعلّقة في عقود. وبفضل فن صياغة المجوهرات، تمكّنت الفنانة أيضاً من توسيع نطاق تجاربها على المواد نحو المعادن.
يمكننا القول إن قصة نيكي دو سانفال هي حكاية خيالية بنهاية سعيدة.هي قصّة بطلة حاربت ودافعت بشغف عن أفكارها الخارجة عن المألوف، في سبيل التعبير عن مخيلتها اللامحدودة وقوّتها الداخلية ورؤيتها المتحررة، ومعالجة قضايا ما زالت مهمّة حتى اليوم؛ وهو ما نلمسه في المعرض الاستعادي الكبير الذي كرّسته لأعمالها مؤسسة "بي إس 1 لمتحف الفن المعاصر" في نيويورك. إن سان فال التي بدأت حواراً آسراً مع نظرائها المبدعين، ما زالت اليوم مرجعاً للفنانين المعاصرين الصاعدين الذين غالباً ما يذكرونها بين الأسماء التي تلهمهم. نظرت سان فال إلى كل أشكال الفن، بما في ذلك صياغة المجوهرات، على أنها وسائل للتعاون وإشراك الجمهور والفنانين الزملاء. في الواقع، إن الكثير من الفنانين ومصممي المجوهرات الرفيعة يتابعون اليوم السير في خطاها وإتمام استكشافها للمواد والتقنيات والوسائل