"هيلين بولي-دوكين" الرئيسة التنفيذية لـ"بوشرون" لـ"هي": رمز السلطة والنفوذ في الأمس أصبح اليوم رمزا للإنجاز
حوار: ADNAN ALKATEB
على ساحة "فاندوم" الباريسية، تقف شامخة دور مجوهرات عريقة كثيرة تتباهى بتقاليدها الحرفية وحكاياتها الملحمية التي دخلت إليها أهم الأسماء والمناسبات واللحظات التاريخية. من بينها دار "بوشرون" BOUCHERON التي أثبتت منذ عام 1858 أنها بين أهم دور المجوهرات الراقية الفرنسية الأكثر حداثة وابتكارا، هناك في الشقة الفيلا الرائعة حظيتُ بفرصة اكتشاف مجموعة المجوهرات الراقية الجديدة THE POWER OF COUTURE من دار "بوشرون" في باريس، واستمتعت بجلسة ودية مع صديقتي العزيزة "هيلين-بولي دوكين" HÉLÈNE POULIT-DUQUESNE الرئيسة التنفيذية للدار تخللها هذا الحوار الحصري.
قبل بضع سنوات، صارت "بوشرون" دار المجوهرات الكبرى الوحيدة التي تقدّم مجموعتي مجوهرات راقية في السنة. هلا أخبرتنا عن سبب اتخاذ هذا القرار ووقعه؟
حين انضممت إلى الدار، كانت تقدّم مجموعة مجوهرات راقية واحدة في السنة، وكنت أصرّ على المديرة الإبداعية "كلير شوازن" أن تدفع حدود الإبداع والابتكار، لأنني رأيت في ذلك هدف "بوشرون" وهويتها التي تميّزها عن سائر علامات ساحة "فاندوم" الأخرى. لكنني واجهت اصطداما مع القسم التجاري الذي كان يخشى ألّا تباع القطع الخارجة عن الإطار الكلاسيكي التقليدي، فصرنا نضيف إلى المجموعة الإبداعية قطعا أكثر كلاسيكية، مما ضيّع إلى حد ما هدف المجموعة. الأمر أغرقني في نقاشات لا تنتهي، وفي إحدى عطل نهاية الأسبوع قلت لنفسي إنني سأفصل المفهومين، فأعددت جدولا يشرح ما هي مجموعة يناير وما هي مجموعة يوليو. وفي صباح الاثنين دعيت الفريق بأكمله إلى مكتبي وأطلعته على ما سنقوم به من تلك اللحظة فصاعدا: في يناير نطلق مجموعة مستوحاة من أرشيفنا تكريما لإرثنا الرائع يكون المدير التجاري مسؤولا عن بيع كل قطعها دون استثناء، وفي يوليو نتحدّى الحدود ونخبر قصة "بوشرون" التي تحب الابتكار والإبداع والمرح فيكون على مديرة الاتصالات العمل على حملات إعلانية وإعلامية مكثفة ترويجا لها.
وقلت لمديرة الاتصالات إنه ليس عليه القيام بأي شيء لمجموعة يناير، وللمدير التجاري إنني لن أكترث أبدا لنتائج البيع في ما يتعلق بمجموعة يوليو. أتى ذلك القرار في عام 2020، دعما لمكانتنا كدار المجوهرات الراقية الفرنسية الأكثر حداثة وابتكارا منذ عام 1858.
اليوم لدينا مجموعتان في السنة: "إيستوار دو ستيل" التي تركّز على إرثنا ونقدّمها في يناير، و"كارت بلانش" التي تركّز على الإبداع والابتكار ونقدّمها في يوليو.
كيف أثّرت هذه الخـطوة على صورة الـدار والـنجاح التجاري للمجموعتين؟ وهل ستـواصلون تقديم مجموعتين سنويا؟
نعم، لأنني وجدت في هذه الاستراتيجية الوصفة المثالية، ولن أغيّرها في الوقت الحاضر. منذ عام 2020، تلقى مجموعات "إيستوار دو ستيل" نجاحا تجاريا كبيرا، ومجموعات "كارت بلانش" تغطية إعلامية ممتازة. وفي عام 2022، حققت مجموعة "كارت بلانش" بعنوان "آيور" أداء تجاريا رائعا (بعنا كل قطعها)، واهتمّ الإعلام للغاية بمجموعة "إيستوار دو ستيل". يمكنني القول الآن إن كل فرقنا فهمت أن باستطاعتنا تقديم قطع فيها الكثير من الإبداع، وفي الوقت نفسه جذب الاهتمام إلى تاريخ الدار.
هل تختلف فئة العملاء التي تجذبها مجموعات "كارت بلانش" عن تلك التي تميل إلى اختيار قطع "إيستوار دو ستيل"؟
لدينا فئتان أساسيتان من العملاء: من يحب "إيستوار دو ستيل" أكثر وهو العميل الذي يبحث عن المضمون والآمن ويريد قطعا منفذة بحرفية عالية، ومن يلتفت إلى "كارت بلانش" فيقدّر عالم "كلير شوازن" الإبداعي والقطع التي فيها الكثير من الإبداع.
كيف تجسّد مجموعات "إيستوار دو ستيل" جوهر إرث "بوشرون" وحرفيتها؟
إن إظهار إرثنا هو جوهر مجموعات "إيستوار دو ستيل". لهذه المجموعة السنوية، أطلب من "كلير" البحث عما يلهمها في أرشيف "بوشرون". وانطلاقا من نظرتها المنعشة والمجددة، تعيد تفسير إرثنا بطريقة معاصرة.
بعد سنين من العمل يدا بيد، هل ما زلت تؤمنين برؤية "كلير شوازن" وتثقين بعملها تماما؟ ولماذا تميلين إلى التعاون أكثر مع المواهب النسائية؟
بالنسبة إلى "كلير"، أثق بها كثيرا. إنها الشخص الصحيح في المكان الصحيح. أحلامنا هي نفسها، ورؤيتنا للعلامة هي نفسها: نريد دفع الحدود والابتكار. وذلك يسهّل العمل معا ويجعله ممتعا، فنعمل بانسجام على تحديد ما نريد القيام به من ناحيتي تطوير المنتجات وسرد القصص. وبالنسبة إلى المواهب النسائية، فإنني دائما أدعم الشابات والنساء الموهوبات وأقدّم لهن الإرشاد والتوجيه والتدريب.
كيف تكرّم مجموعة THE POWER OF COUTURE قصة حياة "فريدريك بوشرون" ونشأته؟
"فريدريك بوشرون" كان ابن تاجر قماش، وكثيرا ما تغلغل فن الخياطة الراقية في ابتكاراته، الأمر الذي ما زال حتى اليوم جزءا مهمّا من إرث الدار. وقد اخترنا تحديدا الأزياء الرسمية الاحتفالية، لتكون تحية إلى كبار عملائنا، وخصوصا منهم أفراد العائلات المالكة، وترجمناها بطريقة جديدة. ما جذب المديرة الإبداعية "كلير شوازن" إليها هو تناقضها الضمني، إذ تبدو من الخارج صارمة وجامدة، لكننا لو نظرنا إليها قطعة قطعة، لوجدنا أنها في الواقع تجمّع لعناصر زخرفية معقدة. ما كان رمزا للسلطة والنفوذ في الأمس، يصبح اليوم رمزا للإنجاز...
بعد غوصها في أرشيف الدار لهذه المجموعة الجديدة من "إيستوار دو ستيل"، هل أعادت "كلير شوازن" تصوّر قطع محددة من تاريخ الدار؟
نعم، ومنها عقد "نو" NOEUD الأكثر رمزية في مجموعة THE POWER OF COUTURE، لأن في أرشيفنا الكثير من الشرائط المعقودة. وهناك أيضا عقد "ميداي" MÉDAILLES المستوحى من الأوسمة العديدة التي صنعتها "بوشرون"، بما في ذلك أوسمة "جوقة الشرف" الوطنية الفرنسية.
نجحت الدار في تحويل مادة صلبة مثل الكريستال الصخري من أجل التعبير عن ليونة الحرير والأقمشة المضلّعة والمحبوكة. ما كان التحدّي الأكبر لدى العمل على THE POWER OF COUTURE، وهل من قطع كان تنفيذها الأصعب؟
التحدّي الأكبر أمامنا لهذه المجموعة تمثّل في تحويل مواد ثقيلة وصلبة مثل الكريستال الصخري المتجذر في إرثنا والذهب والماس، وقد استمتعت "كلير" بمواجهة هذه المعضلة التقنية.
لا بد من أن ألقي الضوء هنا على عقد "نو" NOEUD الذي تطلب صنعه نحو 2600 ساعة، ويبدو أشبه بعقدة من قماش مضلّع هي في الواقع مصنوعة من بلور صخري مستطيلي وإطار ذهبي وماس. وتنفيذ تصميم عقد "تريكو" TRICOT كان تحدّيا كبيرا لمشغلنا الذي نجح حرفيّوه على مدى 1070 ساعة من العمل الدقيق في ترجمة ليونة القماش بشكل رائع مع مواد صلبة.
من أبرز ما تتميز به هذه المجموعة، خاصية تعددية الاستعمال للقطعة الواحدة واقتراح طرق جديدة لاعتماد المجوهرات. ما أهميتها وكيف تنسجم مع رؤية الدار وهويتها وروحها؟
تعددية الاستخدام جزء من حمضنا النووي، ووسيلة تعبّر من خلالها "كلير شوازن" عن إبداعها. ولا شك في أنها تعطي الزبون فرصة للتلاعب بالقطع على طريقته وللتزين بها في عدد أكبر من المناسبات. المجوهرات الراقية لم تولد لتبقى في الخزنة، بل لنعتمدها في حياتنا اليومية.
وهذه التعددية في اعتماد قطعة المجوهرات الراقية الواحدة تلهمنا أيضا إيجاد طرق جديدة لوضعها، كما مع "إبوليت" EPAULETTES التي يمكن اعتمادها على شكل سوار أو إكسسوار للكتف، وعقد "إيغييت" AIGUILLETTE الذي يستطيع أن يكون زخرفة لزي رجالي، وعقد "نو" NŒUD الذي يمكن اعتماده بست طرق مختلفة ومبتكرة!