المصممة اللبنانية ميشلين أبو خاطر في حديث خاص لـ"هي"... مجوهرات تعبر الزمان والمكان
مجوهراتها تسافر بك إلى قارّات ربما لم تزوريها إلا في الخيال وفي مطالعاتك المشوّقة. تذكّرنا هذه المصممة بشخصية الأديب والرجل السياسي الأمريكي اللاتيني "أوكتافيو باز" التي كانت تجسّد معنى التبادل الثقافي والجمالي بين الحضارات، فكان "باز" سفير المكسيك لدى الهند، وعكست أعماله الشعرية العظيمة تجاربه في بلده المكسيك وبلدان أوروبا وآسيا ومختلف أنحاء العالم. وهو صاحب المقولة الشهيرة: "كل حضارة تولد من تمازج ثقافات والتقائها وتصادمها. وفي المقابل يتسبب الانعزال في موت الحضارات".
هكذا هي اللبنانية ميشلين أبو خاطر مصممة المجوهرات اللافتة بتمازجها الثقافي. نشأت في المملكة العربية السعودية، وما زالت شخصيتها مطبوعة بقصص طفولتها في الرياض، وما زال فنّها متأثرا بالزخرفة العربية والأسواق العربية القديمة. وفي باريس، تخصصت في العلوم السياسية والتاريخ والعلاقات الدولية، وخاضت مجال الإعلام والصحافة، كما درست علم النفس والعلاج المغناطيسي لتصبح عضوا في النقابة الأمريكية في هذا المجال. اليوم تدرّس تاريخ الفنون الجميلة، وتكرّس موهبتها الإبداعية الفطرية لتصميم تحف دقيقة من الذهب والمينا واللؤلؤ والماس.
التقيناها، واطّلعنا على مجموعاتها عن قرب، وسألناها عن الخليط بين الماضي والحاضر، والمزج بين الثقافات، وعن أي امرأة تليق بمجوهراتها.
مجوهراتها في متاحف
تعكس مجوهرات ميشلين أبو خاطر خلطة فريدة من الثقافات، جامعة بين الإرث التاريخي والرؤية العصرية لتخبر كل قطعة من مجموعتها حكاية لا يحدّها المكان، وإن غلب عليها الطابع العربي الشرقي. صممتها ميشلين من نسيج خيالها، ورصّعتها بوجدان ذاكرتها، واستوحتها من عبق التاريخ.. فما إن يقع ناظراك عليها، حتى تثير فضولك، وتطرحي على نفسك: لقد سبق أن رأيتها لكنني لم أشاهد مثلها، فكيف ذلك؟
إنها اللمسات الفريدة التي استطاعت المصممة ميشلين أبو خاطر أن تجمع عناصرها المتنوعة بانســـجـــــام، يحـــــاكي انـــســجــــــام مــواهبـــــها المتعددة المنعكسة في كل ما ترسمه وتصنعه. وقد لفتت إبداعاتها عددا من المتاحف اللبنانية المرموقة التي تعرض اليوم جزءا من تحفها المرصعة، مثل متحف "قصر سرسق" ومتحف الجامعة الأمريكية في بيروت.
وكان ســـــؤالي الأول لهــــــا: "تــــذكّــــــــرنا مـجــــوهـــــراتـــــك بالقصائد الشعرية، وهنا يحضرني قول للشاعر "غوته": إن كل قـــصيــــدة هي نــــص مستـــــوحى من ظرف معين. فهل ينطبق هذا القول على قطعك"؟ فأجابتني ميشلين قائلة: من الطبيعي أن يتأثر كل فنان بالظروف التي يمر بها وبمحيطه، "وأنا شخصيا أتأثر كثيرا بحالة وجودي في مكان ما، وأستوحي الكثير من محطات السفر، كأن تجذبني مثلا حدائق "فرساي" في فرنسا، فأحاول أن أصمم قطعا تجعلني أرتدي قطعة من هذا الجمال".
فسيفساء من المواد النفيسة لكل لحظة
غالبـــــا ما تخــتــــــار ميــشـــلـــيــــــن مــــادة الــمـــيــــنــــــا في مجوهراتها لتزيّنها باللآلئ وحبات الماس وغيرها من الأحجار الكريمة. وتحرص على أن تكون مجوهراتها بمعظمها لائقة بالمناسبات المنوّعة، وهو ما يسهّل اعتمادها بشكل دائم بل شبه يومي. لذلك يتميز جزء كبير من مجوهراتها بأنه متعدد الاستعمالات، فيمكن على سبيل المثال أن نجعل من سوار خلخالا حول الكاحل، أو عقدا حول العنق، وأن نحوّل أقراط أذن إلى قلادة. وتركّز المصممة على القطع الكلاسيكية الناعمة التي تتوافق مع إطلالات مختلفة، وتستطيع مرافقة المرأة بسهولة وسلاسة، وهي تنتقل من النهار إلى الليل. وتقول: "تضم عادة قطع المجوهرات المناسبة للاستخدام اليومي الأقراط الصغيرة مثل الأقراط الدبوسية، والأساور الرقيقة التي تكمل أسلوبك من دون أن تكون مبالغ فيها".
إلى جانب مجموعاتها الأساسية، تصمم "ميشلين أبو خاطر" مجوهرات بناء على الطلب، فتشتهر مثلا بتصميمها لما يُعرف بمجوهرات الشركات CORPORATE JEWELRY، التي تعني مجموعة المجوهرات المتشابهة والمتطابقة والمصممة لأعداد كبيرة من أجل الاحتفاء بمناسبة خاصة بشركة معيّنة، كأن تكون ذكرى تأسيسها مثلا. "قد تطلب منّي الشركة مجموعة من القلادات المينيمالية التي تحمل رمز العلامة أو شعارها التجاري، أو تريد دبّوسا منمّقا بالمينا لتزيين سترات الموظفين. وعلى الرغم من أن هذه المجموعات التي أصممها للشركات هي كبيرة بأعداد قطعها، أحرص على أن تكون دائما يدوية الصنع، وأتعاون لتنفيذها مع حرفيين ماهرين يبرعون في جعل كل قطعة، وإن كانت شبيهة بالأخرى، تبدو وكأنها قطعة فريدة".
لكن أكثر الطلبات التي تحبّها ميشلين وتؤثر فيها وتلهمها هي حين تطلب منها زبونة أن تعيد تصوّر قطعة ورثتها هذه الأخيرة عن جدّتها أو أمّها أو أي فرد من أفراد عائلتها. فتحاول قدر المستطاع أن تحافظ على قيمتها، وتبرز جمالها القديم بلمسة حديثة، وترصّعه بضوء الماس أو حجر كريم آخر.
الذوق والثقافة
حين سألتها عن شخصية المرأة التي تصمم لها، كان ردّها: "تجذبني شخصية المرأة المفعمة بالأنوثة والنعومة، شرط أن تكون في الوقت نفسه طموحة. إن مجوهراتي عموما تحاكي المرأة المثقفة التي ليست مدّعية، ولكن واثقة بنفسها". وبالنسبة إلى ما يحتاجه المصمم أو الفنان عموما للنجاح في هذا العصر، تعتبر أن كل فنان يحتاج بداية إلى جناحين هما الذوق والثقافة. وبعد ذلك، يأتي الدور الكبير لفريق العمل الذي يتعاون أعضاؤه بروح واحدة ورؤية منسجمة، مثل حرفيي الصياغة والترصيع الذين تعمل معهم ميشلين، إلى جانب رسّام ومصمم غرافيكي.
ميشلين الباحثة دائما عن روح الانسجام والتناغم والتماثل، تستقي إلهامها من موضوعات متنوعة: "في قصص مجموعاتي خمسة عناصر ثابتة، هي الهندسة المعمارية، والمناظر الطبيعية، والحالة العاطفية الآنية التي أعيشها، والماضي بتراثه وآثاره، والحاضر الذي أعني به نمط الحياة العصرية. لكن على الرغم من كل هذا المزيج في مصادر إلهامي، أشعر بأنني سيدة اللحظة التي أعيشها".