
سعفة Palme d'Or تحفة شوبارد التي توّجت السينما بالفخامة لسبعين عامًا
في عالم تتلاقى فيه الحرفية الرفيعة مع الفن الراقي تبرز بعض الرموز التي تتجاوز قيمتها المادية لتغدو تجسيدًا للأحلام والطموحات الإنسانية، ومن بين هذه الرموز تتلألأ سعفة Palme d’Or التي تصنعها دار شوبارد بحب وشغف متناهيَين، ليس مجرد قطعة فاخرة تزيّن المنصات العالمية بل هي قصيدة ذهبية تروي حكايات السينما والتميز والإبداع.
واليوم نغوص في تفاصيل صناعة هذه الجوهرة السينمائية النادرة ونكتشف كيف تسللت روح شوبارد إلى أعماق الفن السابع، لتجعل من السعفة الذهبية أسطورة تُصاغ بحرفية الذهب وعاطفة الفن.
رمز أيقوني يحتفي بـ 70 عامًا من التألق

تعدّ "Palme d’Or" ذروة التكريم في عالم الفن السابع حيث تحتفل هذا العام بمرور سبعة عقود على ولادتها، فما إن يُذكر اسمها حتى تتدفق إلى الأذهان مشاهد لا تُنسى من الشاشة الفضية، وتُستحضر معها أيضاً مشاعر الإعجاب العميقة التي تكنها دار شوبارد لمهرجان كان السينمائي، الشريك الرسمي للمهرجان منذ عام 1998.
ويعود الفضل في تصميم وصناعة سعفة "Palme d’Or" وكافة جوائز المهرجان إلى كارولين شوفوليه، الرئيسة المشاركة والمديرة الفنية لدار شوبارد، ومن الجدير بالذكر أن صياغة هذه التحفة تتطلب ما لا يقل عن 70 ساعة من العمل الدقيق داخل مشاغل المجوهرات الراقية التابعة للدار في جنيف، وبينما تستعد مدينة كان لاستضافة الدورة الثامنة والسبعين لمهرجانها السينمائي الشهير في الفترة من 13 إلى 24 مايو 2025، تتجه الأنظار نحو جوليت بينوش التي ستتولى رئاسة لجنة التحكيم في حدث تتجدد فيه مشاعر الشغف بالسينما.
الكأس المقدسة لعشاق الفن السابع

وتحظى مراسم اختتام مهرجان كان السينمائي بكونها واحدة من أكثر الفعاليات تغطية إعلامية في العالم، متجاوزة في شهرتها معظم الأحداث باستثناء كأس العالم والألعاب الأولمبية، وفي هذا السياق، ففي كل مرة تُمنح فيها سعفة Palme d’Or تكون لحظة متفردة في جمالها، وعلى مدى سبعين عامًا ظلت هذه السعفة عنوانًا للأحلام والسحر السينمائي، رغم أن شكلها الحالي لم يُعتمد إلا عام 1998 بفضل رؤية كارولين شوفوليه الجريئة.
من التتويج الفني إلى الرمز الأبدي

وبين عامي 1946 و1954 كانت الجائزة الكبرى لمهرجان الفيلم الدولي تُمنح في صورة عمل فني جديد كل عام، ومع حلول عام 1954 أُطلق مسابقة بين عدة صاغة مجوهرات لابتكار جائزة دائمة يسهل التعرف عليها فورًا، وفازت لوسيان لازون بابتكار التصميم الأول مستلهمة إياه من شعار مدينة كان، وقد قُدمت الجائزة لأول مرة إلى ديلبرت مان عن فيلم "Marty" في عام 1955، وخلال الفترة من 1964 إلى 1974 توقفت الجائزة عن حمل اسم "سعفة Palme d’Or" وعاد المهرجان إلى توزيع الجائزة الكبرى، قبل أن يعود لاحقًا إلى اعتماد السعفة الشهيرة لأفضل عمل سينمائي، وفي أوائل الثمانينات اتخذ قاعدة السعفة شكل الهرم وفي عام 1992 أعاد الصائغ تييري دي بوركيني تصميم السعفة وصنع 19 ورقة وضعت فوق قاعدة بلورية مقطوعة يدويًا.
ولادة عصر جديد مع شوبارد

بدأ فصل جديد عام 1997 حين اجتمعت كارولين شوفوليه مع بيير فيو رئيس مهرجان كان آنذاك، ففي لحظة تأمل للسعفة المعروضة في مكتبه، وكانت آنذاك مجرد ورقة نخيل موضوعة فوق قاعدة من البليكسي غلاس، وبادرت شوفوليه بالحديث عن خبرتها في تصميم المجوهرات، ومن هنا جاء عرض إعادة تصميم السعفة وهو تحدٍّ اعتبرته شرفًا عظيمًا.
وبفضل الشغف المتجدد بالسينما والفن الراقي أعادت كارولين ابتكار السعفة، مضيفة لمستها المميزة عبر قلب صغير عند قاعدة الساق رمز دار شوبارد، كما نجحت في إضفاء أبعاد أعمق للتصميم مستوحية روح أشجار النخيل التي تزين كروازيت وشعار مدينة كان، والنتيجة كانت تحفة فنية حقيقية وهي سعفة من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطًا تتألف من 19 ورقة، مثبتة على قاعدة من الكريستال الصخري المقطوع يدويًا.

ومع تقديم السعفة الجديدة عام 1998 رسخت شوبارد شراكتها الرسمية مع مهرجان كان، حيث كانت أول سعفة من توقيعها من نصيب المخرج ثيو أنغيلوبولوس عن فيلمه "Eternity and a Day" ، وكما تصفها كارولين شوفوليه فإن سعفة Palme d’Or ليست مجرد جائزة بل إعلان حب للسينما.
من الحرفية الدقيقة إلى الالتزام بالاستدامة

يستلزم إبداع السعفة قرابة 70 ساعة من العمل المتواصل والدقيق حيث تمر عبر أيدي ستة حرفيين متخصصين، ومنذ عام 2014 وفي إطار مبادرة شوبارد للسعي نحو الفخامة المستدامة، تُصنع السعفة من الذهب الأخلاقي المستخرج وفقًا لأعلى المعايير الاجتماعية والبيئية، وتبلغ كمية الذهب المستخدمة 118 غراماً حيث تبدأ العملية بتقنية "الصب بالشمع الضائع" والتي تشمل إعداد قوالب من الشمع، وتغليفها بجص مقاوم للحرارة ثم صهر الشمع وملء القالب بالمعدن المنصهر عبر الصب بالتفريغ، وبعد تصلب الذهب تُكسر القوالب وتُغسل السعفة بالماء عالي الضغط قبل إزالة الأكسدة بالحمض.

وتتبع هذه المرحلة عمليات أخرى دقيقة من تنظيف العناصر المفصولة يدويًا وتلميعها، إلى تجميع كل ورقة ذهبية على الساق في موقعها الصحيح باستخدام لهب الشعلة، ولا تكتمل السعفة قبل الخضوع لعملية التلميع النهائي ومن ثم حفر قاعدة الكريستال بواسطة قاطع ماسي لإعداد مكان تثبيت السعفة بدقة متناهية.
لحظات خالدة في تاريخ السينما

منذ ولادتها عام 1955 أصبحت سعفة Palme d’Or الجائزة الأكثر طموحًا في عالم السينما، مرادفًا للتميز والاعتراف العالمي بصانعي الأفلام، وقد حقق تسعة مخرجين الفوز بها مرتين من بينهم فرانسيس فورد كوبولا وإمير كوستوريكا وكين لوتش، ويعد روبن أوستلوند أحدث المنضمين لهذا النادي النادر، إذ حاز على سعفتي الذكرى السبعين والخامسة والسبعين اللتين أبدعتهما شوبارد معززة بالألماس احتفالًا بهاتين المناسبتين.
فصل جديد يُكتب في كان

وبينما تترقب الأوساط الفنية اختتام الدورة الثامنة والسبعين لمهرجان كان السينمائي في 24 مايو، ستُمنح السعفة الذهبية المُصممة من شوبارد بحضور رئيسة لجنة التحكيم جوليت بينوش، التي كانت أول مشاركة لها في كان عام 1985 مع فيلم "Rendez-vous" للمخرج أندريه تيشينيه بحماسة فتاة يافعة تتلمس طريقها، وها هي بعد أربعين عامًا تعود بصفتها رئيسة للجنة التحكيم.