رائدة الفضاء ريانة البرناوي نجمة غلاف "هي": حملت إلى الفضاء أحلام وطموحات المرأة العربية
لحظات من الفضاء، دروس في الحياة، تجارب ملهمة، حس بالمسؤولية ومشاهدة السعودية من قلب المدار.. هذه قصة ريانة برناوي، أول رائدة فضاء عربية وسعودية تحلق بأحلام وطموحات وطن، ورؤية مستقبل انبثقت من الرمال بموروث التاريخ ومقومات الحاضر.
منذ أن صعد إلى الفضاء رائد الفضاء السعودي الأمير سلطان بن سلمان أول رائد فضاء عربي، وأول رائد فضاء مسلم، في عام 1986، والمملكة تعيش طفرة التحول التكنولوجي والرقمي والصعود إلى الفضاء، ورفعت سقف المعايير لمستقبل له الأثر عالميا.
في طفولتي ونحن في طريقنا للقاء الأمير سلطان بن سلمان، أتذكر شعوري بالدهشة والتعجب عندما قال لي والدي، رحمة الله عليه، إن الأمير سلطان هو أول رائد فضاء عربي وسعودي يحلق بأحلامنا، وشعرت يومها بالفخر والسعادة. وها أنا اليوم أعيش هذه المشاعر المليئة بالفخر والاعتزاز وأنا ألتقي وأحاور أول رائدة فضاء عربية وسعودية ريانة برناوي.
بعد 35 عاما من ذلك المحفل الوطني الذي رفع علم المملكة في محطة الفضاء، تتجدد هذه المشاعر التي تدعو إلى ترابطنا وتعزز الإحساس بالنخوة الوطنية والاندفاع الشديد للنهوض إلى مستقبل جديد.
وهنا عبر منبر "هي" ومن خلال هذا الحوار أتذكر ذلك الزمن والفرصة التي منحت لي لألتقي بشخصية مؤثرة وقدوة الشباب الأمير سلطان بن سلمان.
ريانة برناوي بهدوئها وحلمها وحيويتها قوة ناعمة تتحدث عن لحظة الإعلان التي تقرر فيها صعودها إلى الفضاء في المنتصف الثاني من هذه السنة2023: "بعد الترشيح النهائي جمعت والدي وإخوتي وأخواتي، وأخبرتهم عن اختياري لأكون ضمن الفريق الذي سيصعد إلى الفضاء، فكانت ردة فعلهم مدهشة، لأن أغلبهم لم يكن يعرف أن هنالك برنامج لاستكشاف الفضاء، وبدأت تساؤلاتهم: هل فعلا ستذهبين إلى الفضاء أم ستجرين بحوثا من الأرض متعلقة بعالم الفضاء؟ وغيرها من كل أنواع الأسئلة.. كنت سعيدة بردة فعلهم".
وتضيف ريانة: "منذ طفولتي وأنا أحب البحث والتنقيب، وكنت أحس أنني مستكشف صغير، وأنا فخورة بوالدي ووالدتي وشاكرة لهما لأنهما احتضنا موهبتي وحبي للاستكشاف وساعداني على تنمية هذه الشخصية الاستكشافية.. عندما كنت دائما أسأل والدي أسئلة فضولية عن الحياة البيولوجية وموضوعات العلوم المختلف، كان دائما لا يجيب عن أسئلتي بل يناولني كتاب أو قاموس، ويطلب مني أن أبحث عن الكلمة أو المعلومة التي أريد.
وتتحدث ريانة عن والدتها قائلة: "والدتي تحب أن تدعم جميع أفكارنا، ولا تتدخل في قراراتنا أو اختياراتنا، ولكنها توجهنا بطريقتها لاختيار القرار المناسب. وعندما فاتحتها بالموضوع وقلت لها إن الدولة تبحث عن رواد فضاء للذهب إلى مهمة، سألتني: هل تريدين الذهاب إلى الفضاء؟ فأجبت: نعم أكيد أريد الذهاب، وكان ردها لي توكلي على الله".
الشابة السعودية ريانة حققت بنجاح هذه المهمة الوطنية والتاريخية ورفعت اسم بلدها واسم كل امرأة عربية وسعودية، وحول هذا تقول: "شعوري مليء بالفخر، وأعتز بأنني حملت معي إلى الفضاء أحلام وطموحات المرأة السعودية والعربية والمسلمة، كما أعتز بأنني نجحت في تحقيق هذا الحلم".
وتضيف ريانة: "واجبنا أن نحمي هذا الكوكب الذي نعيش فيه، ورحلات الفضاء تساهم في هذه الحماية، والفضاء فعليا مكان خصب للتجارب، بحر لا ينتهي من الاستكشافات، ولو لم نستكشف الفضاء قبل 60 عاما لما كنا نحظى بالعيش في وسط هذه التكنولوجيا.. حب الاستكشاف أوصلني إلى أجواء الأبحاث التي تدفعني دوما للبحث عن الجواب وتطبيق اختبارات للوصول إلى حل لغز جديد.. هذه التجارب في الفضاء تحمل عمقا وأبعادا كبيرة رحلات الفضاء مليئة بالإلهام، وكم أسعدني أن رحلتي كانت ملهمة من بدايتها إلى نهايتها.. في هذه الحياة نستشعر الإنجاز مع الآباء والأمهات، يعلموننا أشياء منذ الصغر، وينمون فينا حب الاستكشاف.. منذ أن وصلنا إلى الفضاء وحتى عودتنا والإلهام لم يتوقف. كل الذين كانوا يدعموننا وقت التدريب، والذين استقبلونا بعد عودتنا هم جزء كبير من هذا الفخر والإلهام".
عن ارتباطها اليوم بعالم الفضاء، تقول ريانة: "الجميل في عالم الفضاء بالنسبة لي أنه يجمع شغف الأبحاث وشغف الاستكشاف. ووصلت إلى مرحلة أستطيع فيها القول: أنا الآن أستطيع أن أخدم البشرية بأكملها، وليس بلدي فقط".
خوض الرحلة صعب، والمخاطر فيها عالية، ومع ذلك تؤكد ريانة أنها لم تتردد أبدا: "تعمقت في الموضوع، كل شيء في الحياة له مخاطر، لكن الجميل في الفضاء أن مخاطره مدروسة، فتدريباتنا تركز دائما على موضوع الطوارئ، وكيف نتصرف في تلك الحالات. ومن الشروط المستوفاة للبرنامج، أن تكون لدى الرواد سرعة بديهية، وسرعة تصرف، وأن يستطيعوا أن ينفذوا أكثر من مهمة في الوقت نفسه. جميع هذه التدريبات مع التكنولوجيا التي قطعها مجال الفضاء في السنوات الماضية هي التي تمنحنا الثقة بإذن الله بأن كل الأمور سوف تكون على ما يرام.. رائد الفضاء يجب أن يمتلك مهارات استكشافية، من ضمنها أن يكون لديه دائما إحساس بروح الفريق، ويتكيف مع كل الظروف ولديه كل أنواع المهارات."
وعن المؤهلات المطلوبة تقول ريانة: "الخلفية التي أمتلكها طبية وعلمية، ولكن هذا ليس كافيا، يجب أن ندرس الهندسة الميكانيكية وكيفية تشغيل المركبة ونتعلم الكثير عن كل أنواع التكنولوجيا المعقدة، وبالنسبة لي أحاول دائما أن أوسع مداركي وأطور مهاراتي
وتضيف ريانة: "يجب أن تكون الصحة الجسدية والنفسية سليمة جدا، وهذه من ضمن مراحل بدايات الاختيار، ليكون الرائد مؤهلا وعنده الصفات المطلوبة، وبعد ذلك نبدأ بالتدريبات، وهي أن نوضع في بيئة صعبة جدا، وفيها مخاطر عالية وتوتر عالٍ ليقيسوا تصرفاتنا ويتعرفوا إلى شخصيتنا في الحالات الطارئة، وهل سنهتم بأنفسنا كما نهتم بالفريق أم سنكون أنانيين؟ والعملية في النهاية تشمل منظومة كاملة متكاملة وليست فردية. وهذه المنظومة موجودة على الأرض وفي الفضاء وعلى أفراد الفريق أن يعيشوا هذه المخاطر وبعدها يهيئون للكوارث التي قد تقع في المهمة، وكيف يتصرفون في جميع الحالات الطارئة".
مهمة الفضاء لها أبعاد مختلفة، فهناك دروس وتجارب أثناء التدريب والرحلة إلى الفضاء تحمل مصادر الإلهام في كل المراحل. وحول هذا تقول ريانة: "تجربة الصعود إلى الفضاء لم تكن صعبة، رغم أن مستوى التحدي فيها عال جدا، لكن لحظة الهبوط كانت مثل الشهاب، وكأن المركبة كتلة ملتهبة وصلت إلى الماء.
الفكرة في بعض التدريبات هي تهيئة عملية الخروج من المركبة إلى السفينة، ومن ثم إلى هيليكوبتر. التخطيط يحدد مسار نجاح المهمة، ولا سيما في مواضع أو ظروف خارج عن السيطرة، لنفترض أن المركبة وصلت أو هبطت في منطقة بعيدة أو خارج نطاق تواجد فريق الإنقاذ، المفترض أن الفريق الموجود في المركبة يستطيع أن يتصرف. أذكر أن التدريبات كانت في جو بارد جدا، وكان مطلوبا منا أن نلقي القارب إلى الماء، ونتجمع ونتأكد من وجودنا جميعا، فكان هذا تحديا جديدا بالنسبة لي".
عن كون الجيل الشاب يعتبرها قدوة ومثالا تقول: "هذه الأحاسيس تحرك مشاعر كبيرة بداخلي وتحملني مسؤولية كبيرة.
أن أكون قدوة شعور بالمسؤولية العالية، من المؤكد أن هناك أمهات ربما يقلن أريد ابنتي أن تصبح مثل رائدة الفضاء، فهذه مسؤولية، فكلمتي محسوبة، وتصرفاتي دائما محسوبة، وعلي أن أحاول دائما أن أعطي لهذا الجيل الجديد الأمل، وأوصل إليه رسالة مهمة مفادها أنهم مستقبلنا وأحلامنا وأهم طموحاتنا. وهذا الشعور بالمسؤولية كنت أستشعره منذ اختياري حتى الآن، وأقول للجيل الجديد: أنا الآن جزء منكم، اجتزت هذه المرحلة، وعشت في عصر التمكين والازدهار، فلا تقللوا من سقف طموحاتكم، عبّروا وادرسوا، واجتهدوا وانتهزوا كل الفرص الموجودة، وبإذن الله سوف تحققون أحلامكم".