فرح الديباني نجمة عدد نوفمبر من "هي".. علينا أن نحمي الطبيعة ونعيد استخدام القطع الجميلة التي نحبها
حوار: ADNAN ALKATEB
لقائي الأول مع الشابّة المصرية صاحبة الموهبة الأوبرالية العظيمة "فرح الديباني" كان في نهاية الصيف الفائت، وقرأتم في عدد سبتمبر من مجلة "هي" حوارنا حول بداياتها في فن الموسيقى والأوبرا، وصعودها سلّم النجاح العالمي، ومشاريعها الآتية، وأهدافها الكبرى، ونشاطاتها الخيرية والإنسانية. ولعل أقوى رسائلها التي ظلّت عالقة في قلبي وذهني، تشديدها على أهمية بناء الجسور بين الثقافات البشرية المختلفة وعلى كونها سفيرة للتبادل الثقافي بين الشرق والغرب.
هنالك توجه وممارسة تحقق مبدأ الاستدامة في عالم الأزياء، ولكنها رقيقة وهادئة وعند النظر إليها نجد أنها توجه ومصدر غير مباشر، يستمد قوته المستدامة من الماضي. وتحديدًا أرشيف دور الأزياء الراقية، حيث تتخذ تصاميم وإطلالات من مواسم سابقة الصف الأول، وتتولى دورها كنجمة الغلاف في جو تكتسحه الأناقة وتزينه بحضورها الحيوي الفراشات التي تشكل رمزا جميلا من عمق الطبيعة للاستدامة نظرا لدورة حياتها التحويلية التي تمر في مراحلها المتغيرة والمتجددة. نقدم لكم هذه الجلسة التصويرية الخاصة التي حرصنا فيها على استعارة بعض التصاميم من أرشيف دور الأزياء بما فيها الفستان الأخضر من أرشيف أنطونيو غريمالدي الذي تصدر غلافنا، واخترنا الموجهرات من دار "فان كليف آند أربلز" التي تعتز وتعرف ممارساتها الأخلاقية، وحرصها على الحصول على المواد الخام من مصادر مسؤولة تراعي احترام الممارسات التجارية الأخلاقية وحقوق الإنسان وحقوق العمل والبيئة.
ترعرعت "فرح" في مدينة الإسكندرية، حيث بدأت دروس العزف على البيانو ورقص الباليه وهي في سن السابعة، ومن مسقط رأسها انطلقت خلال مرحلة المراهقة في رحلة أوصلتها إلى دار أوبرا باريس ومسارح دولية كثيرة، بعد أن درست في ألمانيا وفرنسا، حائزة البكالوريوس في الهندسة المعمارية، وبعد ذلك البكالوريوس والماجستير في غناء الأوبرا. ومنذ ذلك الحين، تسلّقت سلّم النجاح بموهبة وجدارة وكفاءة ومثابرة، حائزة جوائز من مؤسسات حكومية وخاصة عديدة، وصانعة التاريخ حين صارت: أول فنانة مصرية تغني في كأس العالم لكرة القدم (أدّت النشيد الوطني الفرنسي في المباراة النهائية)، وأول موهبة مصرية وعربية تغنّي في أوبرا باريس بعد قبولها فنانة مقيمة ضمن برنامج للفنانين الشباب، وأصغر مصرية تحصل على تكريم "وسام الفنون والآداب الفرنسي" من وزارة الثقافة الفرنسية، وأول أجنبية تؤدي النشيد الوطني الفرنسي في حفل إعادة انتخاب رئيس فرنسي (إمانويل ماكرون).
أمام بعض قادة العالم
على الرغم من صغر سنّها، غنّت في مسارح كثيرة أمام بعض أهم قادة العالم، مثل مقر اليونسكو، ونقلت رسالتها بصوتها المخملي المنكّه بنفحات شرقية إلى بلدان كثيرة، من فرنسا وإيطاليا وألمانيا وروسيا إلى الصين ولبنان والمغرب والإمارات والبحرين والسعودية. وقد أدّت الميزو-سوبرانو "فرح" دور البطولة في أعمال أوبرالية ضخمة، من أبرزها إنتاجات عديدة لأوبرا "كارمن" الشهيرة.
هذا الشهر، يسطع نجمها على غلاف مجلة "هي" في جلسة تصوير رائعة أقمناها في باريس، ونتطرّق معها إلى موضوعات الاستدامة البيئية، وتجربتها الأولى مع "هي"، ورؤيتها لمؤتمر "هي هب"، ورسالتها إلى العالم في ظل كل ما يمر به من مآسٍ.
اللقاء الأول
انطلق الحوار بسؤال طرحتُه عليها حول انطباعها عن تجربتها الأولى مع مجلة "هي"، وظهورها المرتقب على غلاف شهر نوفمبر. فأجابت: "تجربتي الأولى كانت مع الحوار الماضي الذي جمعني بك، وشاركناه مع قارئات "هي" في عدد سبتمبر. في ذلك اللقاء شعرتُ بعمق الحديث وبوجود بُعد آخر، لأننا تكلّمنا على مستوى مختلف ليس أبدا ظاهريا. تُسعدني تلك اللقاءات، وأحس معها بأنني أشارك في حوار حقيقي يتعمق في مناقشة موضوعات مهمّة بالفعل، ويحضّني على التفكير. هذه التجارب تفيدني فتدفعني إلى التقدّم، وتساعدني على فهم نفسي أكثر، والتقرّب من ذاتي أكثر، والتحسّن، والتأمّل في أشياء ما كنت لأفكّر فيها ربما لولا ذلك".
وصفت تلك المقابلة بالمختلفة والعزيزة على قلبها، وعبّرت عن فرحها وتأثرها حين طلبنا منها أن تطل على صفحات "هي" مرّة جديدة بعد فترة قصيرة، وهذه المرّة على الغلاف. أما عن العمل مع فريق "هي" على الجلسة التصويرية الجديدة التي تشمل صورة الغلاف، فقالت إنها كانت تجربة رائعة ومختلفة جدا عن الكثير مما قدّمته سابقا. وتشرح: "لم يعجبني فقط أسلوب الإطلالات، ولكن أيضا الإخراج الفنّي والاتجاه المفهومي والإحساس الكامن خلف اللقطات".
"هي هب": الحدث الإقليمي الأكبر للموضة والثقافة
وبمناسبة النسخة السنوية الثالثة لحدث "هي هب"HIA HUB الذي يترقبه الكثيرون حول العالم العربي، تحدّثنا عن رأيها بهذا المؤتمر الذي يعدّ أكبر مؤتمر إقليمي يجمع بين الموضة والثقافة والفن والجمال: "إنني سعيدة للغاية بوجود هذا الحدث في المملكة العربية السعودية والوطن العربي، وأتمنى لو أنني علمتُ عنه أكثر من قبل وشاركتُ في نسختيه السابقتين. من خلال جمعه بين الثقافة والفن والموضة والجمال، يعزز التبادل والحوار الثقافيين ويدعم بناء الجسور الثقافية بين الحضارات المختلفة. هذا هو بالضبط التوجّه الذي أحب أن أصوّب عملي نحوه دائما، وجوهر ما أحاول تقديمه في كل لحظة أو مرحلة فنّية من حياتي". ترى "فرح"، الجامعة بين الشرق والغرب في نغمات صوتها الأوبرالي الساحر، أن فعالية "هي هب" تقرّب الغرب إلى الشرق والشرق إلى الغرب، ولا سيما في العالم العربي الغني بتنوّعه الثقافي، والذي يملك كل العناصر والمكونات التي تجعله مثالا للتبادل الثقافي، وتشدد على أن كل ما نحن بحاجة إليه هو "تشجيع هذا التبادل بكل الطرق". يملؤها حماس كبير لحضور هذه النسخة من مؤتمر "هي هب" ولمشاركتها فيه. وتقول: "أنا سعيدة بأن أكون جزءا منه وأؤثر بطريقتي وفني وصوتي وكلامي في هذا الحدث الثقافي الضخم، ولو ببصمة صغيرة".
الحفاظ على أثمن كنوزنا
يركّز عدد نوفمبر من "هي" على موضوع الاستدامة بكل أوجهها، وأوّلها الوجه البيئي الذي يحارب التلوّث الخطير، ويسعى إلى الحفاظ على الطبيعة الأم وصون الكوكب الذي نتركه في أيدي الأجيال التالية. فكيف تنظر "فرح الديباني" إلى هذا الموضوع؟ وما هي أهم نصائحها؟
"لا أحد يستطيع أن يجادل في أهمية الحفاظ على البيئة أو فكرة وجود التلوّث الذي حصل ويؤثر في مناخ العالم كلّه، ونشعر بتأثيره جميعنا أكثر فأكثر. أنا شخصيا ترعرعتُ في منزل لا نخرج فيه من غرفة دون أن نطفئ الضوء خلفنا، ولا نترك فيه مياه الحنفية جارية حين لا نستعملها (نوقفها مثلا لدى تفريش الأسنان، لنعود ونفتحها مرة ثانية)". تعلّمت من والديها ألّا تشتري أشياء فائضة ليست بحاجة إليها حتى لا ترميها في وقت لاحق، وألّا تضع في طبقها كمية طعام أكبر مما هي بحاجة إليه حتى لا ترمي ما يبقى فيه. وتخبرني أن والدتها بدأت قبل فترة تقسيم النفايات المنزلية وفرزها حتى تفصل كل ما هو مصنوع من البلاستيك مثلا، وذلك بهدف مساعدة من يعملون على إعادة التدوير حتى يصبح عملهم أسرع وتكون إنتاجيتهم أعلى. هي ممارسات يومية تربّت على اتباعها مع أفراد عائلتها الذين لا يقومون بها لأنهم بحاجة إلى ذلك بل: "لأننا مقتنعون بأن التبذير خطأ، بغض النظر عمّا يملكه الإنسان. علينا دائما تقدير كل ما لدينا".
أما عن الاستدامة في عالم الموضة والأزياء، فيجب على كل شخص برأيها أن يعيد استخدام القطع الموجودة. وهي شخصيا تحب التصاميم الفنتج القديمة وتبحث عن الحقائب والساعات الفاخرة العائدة إلى الخمسينيات والستينيات، مؤكّدة أن خلف كل من هذه القطع قصّة، وأننا بشرائها نستفيد من منتجات وسلع موجودة أصلا بدل رميها وشراء الجديد، الأمر الذي يعتبر طبعا شكلا من أشكال حماية البيئة.
اهتمامها بالبيئة والاستدامة يرافقها منذ أيام الدراسة، خصوصا لأنها ورثت حب الطبيعة عن والديها اللذين لم يقبلا يوما رؤية شجرة تُقطع بالقرب من منزلهما: "أحب الطبيعة، ولا أحب أن أرى شيئا يؤذيها، وعلى غرار والديّ، لا أحب حتى أن أرى شجرة مقطوعة أو مقلوعة".
من خلال فنّها، ترغب في تسليط الضوء أكثر على أهمية صون البيئة الطبيعية، ومن الخطوات المهنية التي اتخذتها حتى اليوم في هذا السبيل، تقديم حفلة موسيقية في ختام مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2022 المعروف باسم COP27 والذي أقيم في شرم الشيخ، تلبية لدعوة وزير الخارجية "سامح شكري". وعن تلك المناسبة تقول: "كانت تجربة تقارب جميلة بين الفن وموضوع الحفاظ على البيئة والعمل على استدامتها". تهمّها المشاركة في هذه المبادرات والفعاليات لأنها تشعرها بأنها تسهم في موضوع الاستدامة. وبناء على طلب وزارة الخارجية الألمانية، ستقدّم في شهر نوفمبر الجاري حفلة غنائية بمناسبة افتتاح معرض في مكتبة الإسكندرية عن الاستدامة والتلوث البيئي والتغير المناخي تنظّمه مؤسسة "جي آي زد" التابعة للحكومة الألمانية.
من أجل السلام
سألت فرح عن الأيام العصيبة التي نعيشها بسبب ما يشهده العالم من نزاعات ومشكلات وحروب، ولا سيما في فلسطين، وفي ظل تأثير الحرب والدمار في الأطفال والمدنيين، فأجابت: "أنادي بالمحبة والسلام، وآمل أن أكون رسول سلام أحمل الحب والأمل إلى الناس. ورسالتي إلى العالم: أتمنّى وقف النيران من أجل الإنسانية. في النهاية، لو اهتممنا بالإنسانية، لحققنا السلام. العالم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى الحوار وبناء الجسور بين الثقافات. سأواصل صون التبادل الثقافي الشرقي-الغربي بفنّي. وسيبقى الفن تلك الشعلة التي يحتاجها العالم وسط كل ظلام. ولن أنسى الأطفال خصوصا، وأستشهد هنا بقول لمنظمة "إنقاذ الطفل" العالمي التي أفتخر بالتعاون معها ودعم مبادراتها: "كل طفل يستحق مستقبلا أفضل. لكل طفل في العالم الحقوق نفسها، الحق بالعيش والتعلم والأمل".