ظاهرة تراجع المديرات الابداعيات في عالم الأزياء مُقلقة ومُخزية.. فما هي الأسباب؟

ظاهرة تراجع دور المرأة في عالم الأزياء مُقلقة.. فما هي الأسباب؟

هلا جرجورة
20 مارس 2024

عبر التاريخ لعبت المرأة دوراً مركزياً في عالم الأزياء، وذلك أن الموضة ارتبط بشكل أساسي بالمنحى الأنثوي، وعكست رغباتها ومتطلبتها وحتى مكانتها المجتمعية، ولهذا فإن الموضة صُنعت من قبل النساء ومن أجلهن، ومع ذلك وعلى الرغم من هذه الحقائق غير أن صناعة الأزياء تشهد سيطرة ذكورية واضحة في السنوات الأخيرة وانخفاضاَ مقلقاً في عدد المديرات الابداعيات حسب العديد من الدراسات التي أجرتها مواقع خاصة بصناعة الأزياء، فماهي الأسباب وهل هنالك من طرق لاستبدال هذا الواقع؟

تُغيّرات في مشهد الموضة وسيطرة ذكورية واضحة

في سلسلة جديدة من التغيرات التي طرأت على عالم الموضة لاحظنا سيطرة ذكورية واضحة، فبعد رحيل سارة بيرتون Sarah Burton من دار الكسندر مكوين Alexander McQueen بعد 13 سنة من وجودها كمديرة ابداعية تم تعيين شون ماكجير Sean McGirr بديلاً لها في أوكتوبر الماضي، وبالمثل رحبت علامة بلومارين Blumarine  بـ والتر كيابوني Walter Chiapponi من ميلانو كمدير ابداعي جديد لها، بينما أعلنت دار تودز Tod’s عن ماتيو تامبوريني Tamburini الذي تسلم الادارة الابداعية للدار، وكذلك دار غوتشي Gucci التي استبدلت اليساندرو ميكايلي Alessandro Michele بمصمم الأزياء الشاب ساباتو دي سارنو Sabato de Sarno الموسم الماضي. ودار الأزياء الفرنسية روشاس Rochas قامت بتعيين اليساندرو فيجيلاتني Alessandro Vigilante، ودار بربري Burberry البريطانية التي لم تُسلّم ادارتها الابداعية لامرأة أبداً. والقائمة تطول.. والتساؤلات في تزايد حول هذا الأمر، لماذا هنالك سيطرة ذكورية على عالم الأزياء في حين وجود عدد كبير من المواهب النسائية التي لا تحظى بفرص جديّة؟ وهذا الأمر ليس بجديد بل يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر حين برز عدد كبير من الأسماء اللامعة من النساء في عالم الأزياء.

ساره بورتن في ختام آخر عرض لها مع دار الكسندر مكوين
ساره بورتن في ختام آخر عرض لها مع دار الكسندر مكوين

 

إرث نسائي في تاريخ الموضة

من الناحية التاريخية كانت الملابس جزءاً لايتجزأ من عالم النساء، وفي العصور الوسطى ومنذ بداية صناعة النسيج لعبت النساء دوراً محورياً كنسّاجات وكان لهن تأثير على صناعة الملابس بشكل عام، والقرن الثامن عشر كان بمثابة نقطة تحول مهمة حيث أحدثت نساء مثل روز بيرتين ثورة في عالم الأزياء النسائية وهي التي اشتهرت بأنها مصممة الأزياء الشخصية لماري أنطوانيت وقد أُطلق عليها في ذلك الوقت تسمية “وزيرة الموضة”. كما أن سجلات الموضة تُظهر أسماء كثيرة من النساء المبدعات عبر التاريخ من أمثال كوكو شانيل Coco Chanel، السا سكياباريلي Elsa Schiaparelli، جين لانفان Jeanne Lanvin، ومادلين فيونيه Madelaine Vionnet وكان لهن انجازات لا تُعد ولاتُحصى في عالم الأزياء استمر تأثيرها إلى اليوم، فمالذي حدث تحديداً لتتغير القوانين والأدوار بهذه الطريقة؟

كوكو شانيل أحد أبرز الأسماء في عالم الأزياء على الاطلاق
كوكو شانيل أحد أبرز الأسماء في عالم الأزياء على الاطلاق

 

تراجع الحضور النسائي في عالم الموضة:

في السنوات الأخير أصبح تراجع عدد النساء في مجال صناعة الأزياء ولاسيما دورهن كمديرات ابداعيات أمراً محبطاَ وقد ألقى بظلاله على هذه الصناعة التي كانت يوماً من الأيام مُشعة بأسماء نساء مُبدعات، وسيطرت الذكور على هذه المناصب يسلط الضوء على حقيقة مُحيرة ومُقلقة: أين ذهبت جميع الابداعات النسائية وماذا حل بها؟ وعلى الرغم من التراث الغني لدور الأزياء التي تقودها النساء فإن منصات العروض تبدو خالية من وجودهن بشكل متزايد؟

 

أسباب مباشرة وغير مباشرة لتراجع دور المرأة في عالم الأزياء:

الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة تدفعنا إلى التأمل العميق وطرح العديد من الأسئلة. فهل المسار البيولوجي الذي تمر به النساء من الحمل إلى إجازة الأمومة ومتطلبات تربية الأطفال هو الذي يعيق تقدمهن الوظيفي؟ أم أن التفضيل يعود إلى قبل ذلك وتحديداً إلى مقاعد الدراسة ولاسيما في الاختصاصات المتعلقة بالموضة والجمال حيث يتم تشجيع الطلاب من الذكور والاثناء على ابداعاتهم أكثر من نظيراتهم من النساء، أو أن أغلب الشركات الكبيرة بما فيها شركات الأزياء مرؤوسة أو مملوكة من قبل رجال وهؤلائ يفضلون نظرائهم من نفس الجنس ولهم يولون المناصب الهامة ولاسيما الادارة الابداعية لكُبرى دور الأزياء العالمية.

كلير وايت كلر التي تسملت الادارة الابداعية لدار جيفنشي منذ عام ٢٠٢٧ وحتى عام ٢٠٢٠
كلير وايت كلر التي تسملت الادارة الابداعية لدار جيفنشي من عام 2017 وحتى عام 2020

 

دعوة لتغيير الواقع وتعزيز دور المرأة الذي تستحقه في مختلف المجالات بما في ذلك عالم الأزياء:

من المخزي أننا أصبحنا في عالم 2024 ومازلنا نناقش مسائل مماثلة، وأن على النساء القتال والمكافحة للحصول على أبسط مستحقاتهن في مختلف المجالات وخاصة في مجال صناعة الأزياء، حيث ليس هنالك من يفهم المرأة وجسمها والمتغيرات التي تمر بها على الصعد النفس والجسدي أكثر من المرأة، لكن على الرغم من ذلك تجد المبداعات أنفسهن على الهامش، وفي الكثير من الأحيان وحتى حين تتسلم احداهن منصباً مهماً تبقى الاتهامات تلاحقهن على عكس نظرائهن من الذكور حيث يتم الاطراء على كافة أعمالهم ويلقبون بالعباقرة في الكثير من الأحيان.

ماريا غرازبا كيوري المديرة الابداعية الحالية لدار ديور
ماريا غرازبا كيوري المديرة الابداعية الحالية لدار ديور

 

وإذا نظرنا ملياً إلى الأمر نجد أن تحقيق الموازنة بسيط جداً وممكن ولدينا العديد من الأمثلة التي أثبتت كفائتها في عالم الأزياء مثل ماريا غرازيا كيوري Maria Grazia chiuri في دار كريستيان ديور Christian Dior والجدير بالذكر أنها كانت أول امرأة تتسلم هذا المنصب في الدار، وأيضاَ لدينا فيرجيني فيارد Virginie Viard في دار شانيل CHANEL والتي بقيت في ظل كارل لاغيرفيلد Karl Lagerfeld إلى حين وفاته وهاهي تقود الدار إلى العديد من النجاحات المُبهرة، وهنالك الكثير من الأمثلة والأسماء النسائية اللامعة في هذا المجال اللواتي يمتلكن البراعة الابداعية للنجاح في أعلى مستويات الموضة، وهذا النجاح يشكل شهادة ضرورية لتفكيك الصورة النمطية وفي السعي إلى مستقبل أكثر انصافاً.

فيرجيني فيارد المديرة الابداعية لدار شانيل
فيرجيني فيارد المديرة الابداعية لدار شانيل

في عام 2024 وللمستقبل القريب علينا أن نعيد للمرأة مكانتها المستحقة في عالم الأزياء وأن نسعى إلى تمكين دورها في مجال تبرع وتبدع فيه لنصل في النتيجة إلى معادلة أكثر انصافاً.