فرنسي الهوية، عربي الأحلام.. ستيفان رولان لـ"هي": هدفي تحريك عواطف الناس.. فلا حياة بلا عاطفة
حوار: رئيسة التحرير مي بدر
نشأ المصمم الفرنسي "ستيفان رولان" STÉPHANE ROLLAND في كنف عائلة كثيرة الأسفار، واستمع في طفولته إلى قصص الثقافة الشرقية من والدته المولودة في المغرب وجدّته المولودة في تونس، ووقع في غرام الحكايات الخيالية الآتية من منطقتنا، وتمنّى أن يكون يوما أحد أبطالها. منذ صغره كانت الثقافة العربية مفرّا له من الواقع الحياتي وحافزا للحلم. وقاده مساره المهني الإبداعي نحو منطقة الخليج التي بادلته الحب والإخلاص، فألبس بعض أشهر نسائها وأرقاهن، وصار للكثيرات منهن الخيار الأول للهوت كوتور. كما كان يغرق أكثر فأكثر في هيامه مع كل زيارة إلى المنطقة، متعلّقا بالسلام والهدوء الذي وجده في أذان المساجد، ومعتبرا الخليج العربي "عالمه السرّي الخاص"..
في زيارته الأخيرة إلى دبي كشف عن تعاون مع شركة "إسبوزا" المتخصصة في أزياء العروس والملابس المسائية الفاخرة. وأعلن انضمام فساتينه الزفافية الجاهزة إلى بوتيك "إسبوزا بريفيه" ESPOSA PRIVÉ في دبي، بعد أن أطلق في العام الماضي وللمرة الأولى مجموعة ملابس جاهزة للعروس صارت الآن في موسمها الثالث. وبين الخياطة الراقية التي يتقن فنّها، والملابس الجاهزة التي يصل من خلالها إلى عدد أكبر من النساء، يوقّع "ستيفان رولان" كل تصميم من تصاميمه بلمسته الهندسية الأيقونية، وينفّذه بأفضل المواد وأعلاها جودة، مموّها الحدود بين الأزياء الراقية والملابس الجاهزة، كما لم يموّهها أحد. عن دخول عالم الملابس الجاهزة ودمجه في عالم "ستيفان رولان" القائم على الهوت كوتور، ومجموعته الثالثة من الأزياء الزفافية الجاهزة بعنوان "لا مارييه 3"، ومجموعة أزيائه الراقية لربيع وصيف 2024 المستوحاة من الشرق الأوسط، وطبعا قصّة حبه مع المنطقة، تحدّثتُ إلى المبدع "ستيفان رولان" في دبي، بعد الاطلاع على مجموعته العرائسية الموجودة اليوم لدى "إسبوزا بريفيه". وفوجئتُ بتواضعه وصراحته ومفرداته العربية الكثيرة والمستخدمة دائما في مكانها الصحيح وبلهجة تكاد تكون محلّية!
أطلقت في العام الماضي مجموعتك الأولى من الأزياء الزفافية الجاهزة. كيف ترتبط هذه المجموعة بالأزياء الزفافية الراقية التي تصممها؟ وما الذي تضيفه إلى عالم "ستيفان رولان"؟
مثّلت هذه الخطوة فرصة للتوجّه إلى عدد أكبر من النساء، لأن الملابس الجاهزة متوفرة بأسعار مقبولة أكثر من أسعار الأزياء الراقية، كما أنها أيضا فرصة للتعاون مع حرفيين وتقنيين مختلفين. أشعر أحيانا بأن عدم قدرة كل النساء على ارتداء الأزياء الراقية ليس عادلا، إذ على الموضة أن تتحدث إلى الجميع، غير أن نجاحنا الكبير في عالم الخياطة الراقية لم يترك لي وقتا كافيا للتركيز على أي مجموعات وخطوط إنتاجية أخرى، إلى أن تعرّفت إلى المشغل الذي تعاونّا معه للملابس الجاهزة. فوجدتُ في فريقه الشركاء المناسبين، وعرفتُ أنني في أيدٍ أمينة تساعدني على تقديم منتج جميل وأنيق. إنها مغامرة جديدة يسعدني خوضها، على الرغم من أن الملابس الجاهزة لم تكن في الماضي جزءا من عالمي الإبداعي. أنا فخور اليوم بالنجاح الذي حققته هذه المجموعة في موسميها الأول والثاني. وها نحن نطلق التشكيلة الثالثة منها. وبالنسبة إلى العلاقة بينها وبين الأزياء الزفافية الراقية، فأعرف أن الطرفين لا يصطدمان أو يتعارضان، لأن الحمض النووي لعلامة "ستيفان رولان" ما زال موجودا وواضحا، خصوصا في القصّات.
أنت هنا في دبي اليوم للكشف عن تعاون مع "إسبوزا". هلا أخبرتنا أكثر عنه.
نبني مع "إسبوزا" تعاونا طويل الأمد، لأنهم محترفون للغاية، ويهمّني دائما العثور على الشركاء الملائمين. أنا سعيد اليوم بأن "إسبوزا" تمثّلنا في الإمارات العربية المتحدة، وأثق بفريقها تماما. يملكون معرفة كبيرة لمجال عملهم، ولسوق أزياء العروس، وهم أفضل من يمكنه تمثيلنا هنا.
إن مجموعة الأزياء الجاهزة للعروس هي الآن في موسمها الثالث، بعنوان "لا مارييه 3" LA MARIÉE 3، وقد وصفت هذا الموسم بعبارة "خفّة ملوكية". لماذا اخترت هاتين الكلمتين لتلخيص جوهر المجموعة؟
في الواقع، لا تكفيني كلمتان لوصفها، لكنني أردت أن أوصل رسالة واضحة وسريعة. لهذه المجموعة، سأستعمل الكلمات نفسها التي أستعملها لمجموعة الأزياء الراقية، وأقول إنها تتمحور حول الحركة والقصة والتأثير النحتي والخفّة من جهة أولى، دون المساومة على الطابع المينيمالي المنعش والبسيط من جهة ثانية. ولا أميل إلى المبالغة في استخدام التطريز أو الأحجام المنتفخة أو التفاصيل النموذجية، بل أحب أن أتجاوز بعض الشيء ما اعتدنا على رؤيته. وأريد أن أمنح هذه المجموعة روح مجموعات الأزياء الزفافية الراقية، من خلال التركيز على القصة والبساطة، بهدف إلقاء الضوء على المرأة أكثر من الفستان. ففي النهاية، أريد للمدعوين أن يقولوا: "ما أجمل هذه العروس!" بدلا من "ما أجمل هذا الفستان!". هنا يكمن كل الفرق.
هل تستخدم الأقمشة نفسها للأزياء الزفافية الراقية والجاهزة؟
أستخدم الأقمشة نفسها، ولكنني أختار للفساتين الجاهزة أنواعا أقل تكلفة من تلك التي أستخدمها في الهوت كوتور، مع الحرص الدائم على اختيار نوعية ممتازة منها. استعملتُ مثلا قماش "ساتان دوشيس" رائعا من إيطاليا، وقماش "كريب" مثاليا للقصة التي تخيّلتُها، وقماش "غازار" أعتبره "الأخ الأصغر" للغازار المستعمل في الأزياء الراقية.
من العروس التي تتخيلها لدى تصميم مجموعة زفافية؟
أريد التوجّه إلى كل النساء. حين أصمم مجموعة معينة، أفكّر في أساليب وقصات وأشكال مختلفة، وأعتقد أنها الطريقة التي يجب أن يعمل وفقها كل مصممي الأزياء. إن امرأة "ستيفان رولان" عموما هي امرأة لها معرفة معينة وثقافة تمكّنها من فهم مساري وهدفي. والأمر ينطبق على عالم أزياء العروس، حيث أتكلّم أيضا إلى كل امرأة. وأرى اليوم عرائس من كل الأعمار والأجيال، والمضحك أن العرائس الأكثر تحفظا واحتشاما هن في معظم الأحيان الأصغر سنّا، لأنهن يرغبن في أن يشبهن الأميرات، أما العرائس الأكثر جرأة في خياراتهن، فهن الأكثر نضوجا لأنهن يبحثن عن إطلالات أكثر جاذبية.
بينك وبين منطقة الشرق الأوسط حبّ متبادل ورابط قوي. ما الذي جذبك في البداية إلى هذه المنطقة؟ وما سبب مكانتها الخاصة لدى دار "ستيفان رولان"؟
هذا الحب موجود في داخلي، وهو جزء منّي. هناك بعض الأشياء التي لا نستطيع تفسيرها، لأننا نشعر ببساطة أنها صُنعت لنا، وأنا أشعر أن الثقافة العربية صُنعت لي! أحب عمقها ورقيها، وقد شدّتني منذ أن كنت طفلا في سن الثالثة أو الرابعة. استمعتُ إلى قصص "ألف ليلة وليلة" و"علاء الدين"، وكنت أحلم بها وأريد أن أكون من بين أبطالها، ففهمت منذ ذلك الحين أن هذه الثقافة هي الوحيدة القادرة على جعلي أحلم وعلى مساعدتي في الهروب بمخيلتي من الواقع. ومن ناحية أخرى، ولدت أمّي الفرنسية في المغرب وجدّتي في تونس، وكانتا دائما تتحدثان عن الثقافة الشرقية. أخبرتني والدتي مرات كثيرة عن حياتها في الدار البيضاء، وكانت تعتبر نفسها دائما مواطنة مغربية لشدّة تعلّقها بتلك الثقافة. لذلك، أعتقد أن ذلك الحب انتقل منها إلي. وضمن أسفارنا العائلية الكثيرة، زرت المغرب في البداية قبل أن أكتشف منطقة الخليج للمرة الأولى وألمس ثقافتها المختلفة تماما عن ثقافة المغرب. زيارتي الأولى إلى الرياض كانت من أجل العمل، وحالما سمعتُ صوت أذان المسجد لدى مغادرة المطار، شعرتُ فجأة بالهدوء والسلام، وكأن كل مشكلاتي اختفت من ذهني، وقد رافقني ذلك السكون على مدى الأيام الأربعة التي أمضيتها في المدينة. كانت للرياض وقتها خصوصية وسرّية، فلم يكن أحد في الغرب يعرف كيف هي الحياة في الرياض والدوحة وغيرهما من العواصم الخليجية، ولذلك كنت أعتبر نفسي رائدا، لأنني على الأرجح أول من دخل إلى القصور وصمم لنسائها، وما زلت أقدّر تلك الثقة والحب الكبيرين اللذين أعتبرهما نعمة أنا ممتن جدا عليها. هكذا بدأت قصة الحب المتبادل التي تتطور أحداثها من جيل إلى جيل، وأرى فيها الأطفال يكبرون ويتزوجون، وكأنني صرت جزءا من هذه العائلات.
كيف تنظر إلى التغييرات الثقافية والمجتمعية في منطقة الخليج منذ زياراتك الأولى حتى اليوم؟
لا شك في أن هناك تغييرات كثيرة، لكن الروح هي نفسها والعقلية هي نفسها. تفتح المنطقة أبوابها أكثر من أي وقت مضى، لكنني لا أحب الانفتاح المفرط، لأن هذه المنطقة هي عالمي السرّي الذي لا أريد أن ينكشف للعالم. أحب أن تُبقي منطقة الخليج هذه المسافة التي تبعدها، وتحافظ على خصوصيتها، وتحميها بعض الشيء، لكنني في الوقت نفسه أتفهّم الجيل الجديد الذي يريد أن يعيش بطريقة مختلفة.
نلاحظ أن الجيل الجديد يصون تراثه ويعود إلى جذوره ليدمجها بالحاضر بنهج عصري للغاية.
نعم، لاحظت عودة الجيل الجديد إلى التقاليد، وسررت لرؤية ذلك. في عملي، ألمس حب التقاليد والتراث، فتأتيني مثلا طلبات كثيرة لفساتين زفاف شرقية الإلهام وتشبه الثوب. والأمر الذي أسهم في عودة الصيحة الزفافية الشرقية، التي أحبها للغاية، هو فستان الزفاف الذي صممتُه للأميرة "حصة بنت سلمان"، وأرادته تحية إلى ثقافتها. الكل تحدّث عن ذلك الفستان، وتلك الإطلالة التي كرّمت أيضا والدتها الأميرة "سلطانة"، لذلك كانت لحظة عاطفية للغاية.
منطقة الشرق الأوسط كانت ملهمة مجموعة الأزياء الراقية لموسم ربيع وصيف 2024. ما هي قصتها؟
أردت منذ وقت بعيد تقديم تحية إلى منطقة الشرق الأوسط، التي تهمّني كثيرا. وعرفت أنني إذا أردت تكريم الشرق الأوسط، فعلي ضمان أن تكون هذه التحية مثالية؛ وهو ما وضعني تحت ضغط كبير كبّلني، لا بل شلّني حين رحت أرسم عناصر المجموعة. وما عزز أهمية الموضوع هو النجاح الكبير الذي حققته مجموعتي السابقة التي كانت تقديرا منّي للأيقونة "ماريا كالاس"، ورغبتي في أن تكون مجموعة الشرق الأوسط أكثر نجاحا بعد. لم أستطع تصميم أي شيء في البداية، بسبب قلقي، فأجبرتُ نفسي على الهدوء والاسترخاء والتنفس، حتى أكون أنا وأترك التصميم يتدفق بشكل طبيعي. وفي النهاية، حققنا النجاح الذي أردناه! نحتُّ أشكالا تحاكي الكثبان الرملية وحركة الرياح في الصحراء، وتجمع الخفة بالغنى. لم ألجأ إلى التطريز، لأن أكثر ما أحبّه هو الثقافة الشرق أوسطية الحقيقية التي نكتشف لدى الغوص فيها كم هي نقية وأصيلة، فالعباءة السوداء التقليدية مثلا أقوى بكثير من فستان بلا حمالات مزين بالترترة. وفي الواقع إن ما أقوله لمواهب التصميم الصاعدة في المنطقة هو أن ينظروا إلى ماضيهم، ويتعمقوا فيه، لأنهم سيجدون الجواب في هندسته وحرفه وفنونه وكل ما فيه. أوجّههم دائما نحو الجوهر النقي الحقيقي لثقافتهم.
بالحديث عن المواهب الناشئة، أخبرنا عن تعاونك مع طلّاب تصميم الأزياء في باريس لعرض مجموعة الأزياء الراقية لربيع وصيف 2024.
فكرة المشروع أتت من صديقي ونائب رئيس الشركة "بيير مارتينيز"، الذي نصحني بإشراك الطلّاب، لأنهم المستقبل، واقترح منحهم فرصة المشاركة على خشبة العرض، حتى نريهم كيف يكون عرض الأزياء الراقية، ونتيح لهم عرض عملهم أمام العملاء وأرباب القطاع. وكنت منذ البداية متحمسا وإيجابيا لهذه المبادرة، فنظّمنا مؤتمرات في كل من "إسمود" و"المعهد الفرنسي للأزياء"، واخترنا من كل كلية عشرة طلّاب أخبرناهم موضوع العرض (الشرق الأوسط) دون إطلاعهم على تصاميمي طبعا. وفي النهاية، ما وجدناه كان تآزرا واتحادا بين كل ما ابتكروه! كانت تجربة رائعة بالفعل.
ذكرتَ أهمية عودة المصممين الشرق أوسطيين الناشئين إلى جذورهم وتعمّقهم في ثقافتهم. هل من نصيحة أخرى تتشاركها معهم؟
لكل المواهب الشابّة، أقول: لا تقلّدوا أحدا، بل اعرفوا من أنتم، وكونوا صادقين مع أنفسكم ومبدعين. نعيش اليوم في عالم يفتقر إلى الإبداع الحقيقي، ومعظم من يعتقدون أنهم مبدعون هم في الواقع أتباع. فلا تتبعوا أحدا، وارسموا بصمة جديدة تماما، بصمة مشوّقة ولافتة. من المهم أن نشجّع المواهب الجديدة على صقل إبداعها وتعزيز أصالتها وعلى عدم اتباع الصيحات وما يفعله المصممون الآخرون. وثانيا، أعتقد أن التعلم عن الفن مهم جدا، وذلك من خلال زيارة المتاحف والمعارض، واكتشاف تحف كبار الفنانين وعملهم بالضوء والظل والألوان، ورؤية أعمال الهندسة المعمارية والديكور وحتى صياغة المجوهرات. أعشق اكتشاف مواهب فنّية جديدة ورؤية ما يفعلونه والتعلم يوميا، مثل الأطفال. كنت حديثا في مدريد، وزرت مرة جديدة متحف "ديل برادو"، حيث رأيت لوحات "غويا" و"فيلاسكيز"، وأعرف أن عددا كبيرا من طلاب تصميم الأزياء اليوم لا يعرفون من هما هذان الفنانان، أو مراحل مسار "بيكاسو" الفنّي قبل الاتجاه التكعيبي، أو من هو "سولاج" الملقب بـ"رسّام اللون الأسود" الذي ألهمني تصميم مجموعة كاملة، أو سرّ لوحة "لا جوكوند" وأعمال "دا فينشي" التي سبقتها. وهذا التعليم يجب أن يأتي من الأهل أولا، وبعد ذلك من الأساتذة، فعلّموا أولادكم عن الفن المحيط بنا في كل مكان. فيمكننا تعلّم الكثير من الفنانين، ويمكن للوحة واحدة أن تلهم عشرات الفساتين.
بالانتقال إلى مجموعة الملابس الجاهزة "لو سوار" LE SOIR، لماذا قررت دخول عالم الملابس الجاهزة؟
للسبب ذاته الذي دفعني إلى تصميم مجموعة زفافية جاهزة؛ أردت التوجّه إلى عدد أكبر من النساء. وحين صممت الفساتين المسائية لمجموعة الملابس الجاهزة، انطلقتُ من العناصر نفسها: خطوط نقية، أسلوب عابر للزمن، أناقة، حركة. المجموعة شرقية بروحها، ويابانية أحيانا، مع قصات الأكمام وحركة الثنيات. قطعها بسيطة، ولكنها منفذة بإتقان تام واهتمام دقيق بكل التفاصيل والتشطيبات، مثل تطريز الكريستال الموجود بشكل طفيف ليكون أشبه بمجوهرات موجودة على الفستان نفسه. بحثتُ عن الجودة والبساطة لكل عنصر، ولم أبالغ في التطريز، لأنني أعرف أن زبوناتي يملكن أروع المجوهرات في العالم، فلا تحتاج فساتينهن إلى المزيد من البريق.
مرّت 17 سنة على تأسيس دار "ستيفان رولان" للخياطة الراقية في باريس. لو نظرتَ الآن إلى هذه الرحلة، بِمَ تشعر حيالها؟
أشعر بالثقة والرضى، وبحب الناس. كلما قدّمنا عرضا موسميا جديدا، يسعدني للغاية سماع التصفيق الحار في الختام أو حتى خلال العرض أحيانا، لا سيما في زمن لم يعد فيه الحضور يصفق أو يبدي ردة فعل بسبب انشغاله في التصوير على الهواتف النقالة. أفرح كثيرا لسماع التصفيق والهتاف، وأقول لنفسي: إنني فزت ونجحت لأنني لمست قلوبهم. مهما فعلت في عملي، يبقى هدفي هو تحريك عواطف الناس، فلا حياة بلا عاطفة. أعمل حاليا على مجوهرات "جاهزة" أو حلي زينية ليست مرصعة بأحجار كريمة، لكنها رائعة الجمال، وأريد حتى من خلال هذه القطع أن أبعث الإحساس نفسه وأن أدهش بها الناس ليشعروا بأنهم يشترون تحفا فنّية.
بدأت مسيرتك في سن صغيرة جدا، بل كنت الأصغر سنّا في مشهد الكوتور الباريسي. كيف تشجّعت على البدء والاستمرار؟
نعم، كنت "طفلا" دون أي خبرة، وكنت مترددا وخائفا، وأقول لنفسي: إنني لن أستطيع النجاح وسأفشل. كنت خائفا جدا، لكنني ثابرت ووصلت.
لو عدنا إلى طفولتك، كيف أسهمت تجاربك الأولى في صياغة هويتك الإبداعية؟
عملت والدتي في مختبر فوتوغرافي، لذلك كنت محاطا منذ سن صغيرة بأعمال مصوّرين موهوبين، وكان جدّي مهتمّا جدا بفن النحت، وكان معظم أفراد عائلتي فنانين (رسامين وأدباء ونحاتين). فلا شك في أن الجينات تلعب دورها.
لماذا الهندسة المعمارية وتأثيرها الواضح في الهيكلية النحتية التي تُعتبر توقيعك الإبداعي الأهم؟
الهندسة المعمارية هي المفتاح بالنسبة إلي. أتذكر مثلا لقائي الأول بالراحلة الرائعة "زها حديد" صاحبة الموهبة الاستثنائية التي ألهمتني كثيرا. أما أول مهندس معماري ألهمني، فكان "أوسكار نيماير"، الذي فهمتُ عملي حين رأيت عمله. لطالما أحببت رؤية صور المباني والمنحوتات التي صممها في البرازيل، وقبل نحو عشر سنوات، كانت زيارتي الأولى لمدينة برازيليا التي صدمتني وأبكتني. برازيليا أشبه بمتحف للفن الحديث، وهي حقّا مدينتي بتفاصيلها المعمارية التي تكلّمت لغتي، والتي بدت كأنها تأتي مباشرة من أناملي التي ترسمها على ورق. الأمر كان غريبا جدا، ويمكنني القول إن برازيليا أثبتت لي من أنا.
وهل ترجمتَ ما رأيته في برازيليا إلى تصاميم أزياء في إحدى مجموعاتك؟
طبعا، لكنني كنت أفعل ذلك حتى قبل أن أزورها بكثير. حلمتُ دائما بزيارتها لكنني لم أتخيل يوما أنها تشبهني إلى هذا الحد. "أوسكار نيماير" كان أكثر من ملهم؛ كان لي بمنزلة الأب.