من هي ماري أنطوانيت...آخر ملكات فرنسا
عند الحديث عن أشهر ملكات فرنسا، غالبا ما يتبادر إلى الأذهان ماري أنطوانيت Marie Antoinette، آخر ملكات فرنسا، والتي كانت ولا تزال تتمتع بمكانة خاصة في التاريخ الفرنسي، لأسباب عديدة، أبرزها حقيقة أن حياتها شهدت أحداث فارقة في التاريخ الفرنسي، أبرزها الثورة الفرنسية والتي وضعت كلمة النهاية لحياة ماري أنطوانيت الحافلة، والتي بدأت بحياة مليئة بالبذخ والترف وانتهت بالإعدام بالمقصلة، قبل أن تكمل عامها الأربعين، والآن دعونا نستعرض معا لمحات من حياة ماري أنطوانيت، أشهر وآخر ملكات فرنسا:
حياتها المبكرة
ولدت الملكة ماري أنطوانيت في يوم 2 نوفمبر 1755 في العاصمة النمساوية فيينا، وهي الابنة الصغرى للإمبراطورة ماريا تيريزا Empress Maria Teresa وفرانسيس الأول، الإمبراطور الروماني المقدس Francis I, Holy Roman Emperor، واختير لها بعد ميلادها اسم ماريا أنطونيا جوزيفا جوانا Maria Antonia Josepha Johanna، واثنين من ملوك أوروبا كآباء روحين، وهما الملك جوزيف الأول ملك البرتغال King Joseph I of Portugal والملكة ماريانا فيكتوريا Queen Mariana Victoria of Portugal ملكة البرتغال، ماريا أنطونيا كان لديها خمسة عشر أخ وأخت، ونشأت مع أختها الكبرى ماريا كارولينا Maria Carolina، على يد مربية الأطفال الإمبراطوريين، الكونتيسة فون برانديز Countess von Brandeis.
أمضت ماريا أنطونيا سنواتها الأولى في فيينا وتلقت تعليما ملكيا صارما، حتى أنها أصبحت تجيد الكتابة باللغة الألمانية والفرنسية والإيطالية وهي اللغات المستخدمة في البلاط الملكي الخاص بوالدها، بحلول الوقت الذي أتمت فيه عامها العاشر، وأصبحت تجيد أيضا العزف على القيثارة والناي، وكانت تغني في التجمعات العائلية، كما كانت تجيد أيضا الرقص ببراعة.
وفقا للمؤرخين فإن الإمبراطورة ماريا تيريزا، استخدمت ببراعة، أطفالها كبيادق في طموحاتها الدبلوماسية، بما في ذلك ماريا أنطونيا والتي قررت الإمبراطورة ماريا تيريزا استخدامها في صنع حلف سياسي مع فرنسا، عن طريق الزواج، بهدف إنهاء الأعمال العدائية مع الملك لويس الخامس عشر ملك فرنسا King Louis XV of France بعد حرب السبع سنوات، وتعزيز التحالف مع فرنسا، لمحاربة تمدد بروسيا وبريطانيا العظمى، وفي يوم 7 فبراير 1770، طلب الملك لويس الخامس عشر رسميا، ماريا أنطونيا لتكون زوجة لحفيده الأكبر ووريثه لويس أوغست، دوق بيري ودوفين دو فرانس Louis-Auguste, Duc de Berry and Dauphin de France، بعدها تزوجت ماريا أنطونيا من لويس أوغست، دوق بيري ودوفين دو فرانس، في مراسم زواج رسمية، غاب عنها العريس وحضر فيها ممثل له بالوكالة، وهو شقيقها الأرشيدوق فرديناند، وكان ذلك في يوم 19 إبريل 1770، وفي يوم 14 مايو من نفس العام، وصلت إلى فرنسا، وأصبحت تستخدم منذ ذلك الحين، النسخة الفرنسية من اسمها وهي ماري أنطوانيت، وأقيم احتفال زفافها الفرنسي في يوم 16 مايو 1770 في قصر فرساي، وأصبحت بذلك ماري أنطوانيت دوفين دو فرانس Marie Antoinette became Dauphine de France، زوجة لولي عهد فرنسا، وملك فرنسا المستقبلي، وهي في سن الخامسة عشرة.
كيف أصبحت ملكة فرنسا
أصبحت ماري أنطوانيت ملكة لفرنسا، عند وفاة الملك لويس الخامس عشر في 10 مايو 1774، جد زوجها، وإعلان زوجها ملكا لفرنسا، والذي أصبح منذ ذلك الحين يعرف باسم، الملك لويس السادس عشر ملك فرنسا ونافار King Louis XVI of France and Navarre، بعدها بفترة وجيزة، بدأت ماري أنطوانيت تتعرض للانتقاد، وبدأت شعبيتها لدى الفرنسيين والذين أحبوا ملكتهم الشابة في البداية لصغر سنها وجمالها، في التراجع، بعد أن اتهمت ماري أنطوانيت بالإسراف والبذخ في الوقت الذي كانت تمر فيه البلاد بأزمة مالية طاحنة، وازداد الأمر سوء عندما قامت بتجديد قلعة بيتي تريانون Petit Trianon وهي قلعة صغيرة أهداها لها زوجها، بمبلغ مالي ضخم، وعندما تبنت الموضة الإنجليزية للفساتين المصنوعة من مادة إنديان، والتي كانت مادة محظورة في فرنسا في ذلك الوقت من أجل حماية صناعات الصوف والحرير الفرنسية.
الملك لويس السادس عشر والملكة ماري أنطوانيت، أنجبا خلال زواجهما أربعة أطفال، هم ماري تيريز شارلوت، مدام رويال Marie Thérèse Charlotte, Madame Royale (1778-1851)، لويس جوزيف كزافييه فرانسوا، دوفين دو فرانس Louis-Joseph-Xavier-François, Dauphin de France (1781- 1789)، لويس- تشارلز، دوق نورماندي Louis-Charles, Duc de Normandie ثم لاحقا دوفين دو فرانس بعد وفاة شقيقه (1785- 1795) وصوفي هيلين بياتريكس، مدام صوفي Sophie-Hélène-Béatrix, Madame Sophie (1786-1787).
استمرت شعبية ماري أنطوانيت في التراجع عندما أجرت تغييرات في عادات البلاط الملكي الفرنسي، لم يوافق عليها الجيل الأكبر سنا بين النبلاء، وانخرطت أيضا وبشكل تدريجي في السياسة، حيث قامت بتأمين التحالفات لفرنسا ولعبت أدوارا حاسمة في الترشيحات الحكومية، ولأن مشاركاتها السياسة لم تكن مفيدة لفرنسا فحسب، وإنما عادت بالكثير من النفع أيضا على وطنها الأم، النمسا، تعرضت للمزيد من الانتقادات واتهمت بالانحياز لوطنها الأم على حساب فرنسا، بل واتهمت أيضا بإرسال أموال لشقيقها من الخزانة الفرنسية.
شائعات ساهمت في تراجع شعبية ماري أنطوانيت
وفقا للمؤرخين، فلقد كان هناك أيضا الكثير من الشائعات والفضائح التي طاردت ماري أنطوانيت في السنوات الأخيرة من حياتها، وساهمت في تراجع شعبيتها، أشهرها، ما تردد عن أن والد طفلها لويس تشارلز البيولوجي لم يكن زوجها لويس السادس عشر، بل الكونت أليكس فون فيرسن Count Alex von Fersen والذي قيل إنه حبيبها السري، كما اتهمت ماري أنطوانيت أيضا بالمشاركة في الاحتيال على اثنين من أشهر صائغي المجوهرات في فرنسا في ذلك الوقت، في ثمن عقد ماسي باهظ الثمن، فيما عرف لاحقا بقضية القلادة الماسية، وهو اتهام زائف، وتم بالفعل إثبات حقيقة أن حادثة الاحتيال هذه لا علاقة لها بالملكة ماري أنطوانيت، ولكن هذه الحادثة، إلى جانب العديد من الشائعات الأخرى التي ارتبطت بحياة ماري أنطوانيت، أدت إلى تكوين رأي عام كارثي للغاية تجاه الملكة والتي اعتبرت مبذرة وخائنة، وكانت قضية القلادة الماسية بمثابة ضربة قوية للنظام الملكي الفرنسي نفسه، وليس الملكة فحسب.
نهاية النظام الملكي الفرنسي
في حين أن مشاكل فرنسا المالية في ذلك الوقت، كانت ناجمة عن عدة حروب باهظة الثمن ورفض العائلات الأرستقراطية والنبلاء ورجال الدين التنازل عن بعض امتيازاتهم المالية، إلا أن الرأي العام الفرنسي ألقى بالجزء الأكبر من اللوم على ماري أنطوانيت، وخلال تلك الفترة، ازداد الصدع بين عامة الشعب وطبقة النبلاء، وازداد الغضب اتجاه الملك وزوجته ماري أنطوانيت، لدرجة أن الشعب الفرنسي تجاهل حزن وحداد الملك والملكة، بعد وفاة طفلتهما، وحتى عند وفاة ابنهما الدوفين وريث العرش في يوم 4 يونيو 1789 بعد صراع مع المرض، وازداد الأمر سوء بعد أن قام الملك بعزل مسئولين حكوميين فرنسيين من منصبهم، بالرغم من شعبيتهم، بإيعاز من زوجته ماري أنطوانيت، والتي قيل أيضا أنها اقترحت على زوجها قمع الثورة الشعبية في فرنسا، بالاستعانة بمرتزقة سويسريين، وتسبب ذلك في اندلاع ثورة شعبية ضخمة افقدت الملك وحكومته السيطرة على العاصمة باريس، وأدت إلى اقتحام سجن الباستيل في يوم 14 يوليو 1789، ومع تزايد معاناة الفرنسيين من الفقر والأزمات المالية الطاحنة، هاجمت حشود شعبية ضخمة قصر فرساي، وأجبرت الملك والملكة وأطفالهما على مغادرة القصر، والانتقال إلى قصور التويلري حيث عاشوا تحت شكل من أشكال الإقامة الجبرية، وفي عام 1791، قامت الحشود الغاضبة بمنعهم من مغادرة مقر إقامتهم، لحضور قداس عيد الفصح، وهو ما دفع الملك والملكة لمحاولة الفرار من باريس بصحبة أطفالهما، إلا أن هروبهما كان متأخرا، فبينما كانت العائلة المالكة تحاول الهروب إلى مونتميدي، المدينة الملكية، تم القبض عليهم في فارين، وتم اعتقالهم وإعادتهم إلى باريس، ولم يتم تقديمهم للمحاكمة، وقتها، لكن الإقامة الجبرية المفروضة عليهم أصبحت أكثر صرامة، وتضمنت حراستهم ليل نهار لمنع محاولة هروب أخرى، وبحلول يوم 4 سبتمبر 1791، تم إعلان تأسيس نظام ملكي دستوري، زاد من تقويض سلطات الملك والملكة.
خلال كل هذا الوقت، اعتمدت ماري أنطوانيت على دعم حلفاء فرنسا الأوروبيين لسحق الثورة، وخاصة من موطنها الأم النمسا، لكن تحرك النمسا لدعم الزوجين الملكيين والنظام الملكي أدى إلى إعلان فرنسا الحرب على النمسا في عام 1792، مما أضر مرة أخرى بسمعة ماري أنطوانيت، وجعلها تبدو في أذهان الفرنسين في صورة عدو، وفي يونيو 1792، اقتحمت حشود غاضبة التويلري، وأجبروا الملك على ارتداء القبعة الفريجية الحمراء التي ترمز إلى الولاء للجمهورية الفرنسية، وقاموا بتهديد حياة ماري أنطوانيت،
ودفع هذا الحادث ماري أنطوانيت إلى حث القوات الأوروبية على غزو فرنسا وإصدار بيان يهدد باريس في حالة إصابة العائلة المالكة، وبعد إصدار البيان، اقتحم حشد آخر منطقة التويلري مما أجبر العائلة المالكة على الفرار، ولكن في النهاية تم القبض عليهم، وسجنهم في يوم 13 أغسطس 1792، وفي ديسمبر 1792، حوكم الملك لويس السادس وحكم عليه بالإعدام بالمقصلة، وتم إعدامه في يوم 21 يناير 1793.
بقية القصة
بعد وفاة زوجها، دخلت ماري أنطوانيت في حداد عميق، بينما كانت لا تزال مسجونة بصحبة طفليها، ماري تيريز شارلوت ولويس تشارلز، والذي أصبح الدوفين بعد وفاة شقيقه في عام 1789، وفي يوليو 1793 تم فصل ماري أنطوانيت عن طفلها الصغير، وريث العرش الفرنسي، بالرغم من أنه كان لا يزال حديث السن للغاية، وخلال ذلك الوقت، تمت عدة محاولات لمساعدة ماري أنطوانيت على الهروب من السجن، ولكنها انتهت جميعا بالفشل، وتمت محاكمتها في أكتوبر 1793، وكانت التهم الرئيسية الموجهة إليها هي "استنزاف الخزانة الوطنية، والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، والخيانة العظمى بسبب أنشطتها الاستخباراتية لصالح العدو، كما اتهمت بإرسال أموال من الخزانة العامة الفرنسية إلى النمسا واتهمت أيضا بارتكاب سفاح القربى، وأجبر طفلها الصغير لويس تشارلز على الشهادة بذلك أمام المحكمة، وفي النهاية حكم عليها بالإعدام، وهو الحكم الذي صدم محاموها وأقاربها والذين توقعوا أن أسوأ حكم ممكن يمكن أن تحصل عليه هو السجن مدى الحياة، وتم إعدام ماري أنطوانيت بالمقصلة في يوم 16 أكتوبر 1793. وكانت آخر كلماتها المسجلة هي "عفوا يا سيدي، لم أفعل ذلك عمدا"، وقالت ذلك بعد أن سارت على حذاء جلادها، وكانت تبلغ من العمر وقت وفاتها 38 عام.
بالرغم من دفن جثتها في قبر غير مميز، بعد وفاتها، تم استخراج جثتها وجثة زوجها لويس السادس عشر في عام 1815 أثناء استعادة بوربون ودفنهما بمراسم دفن مسيحية، ثم وضعت رفاتهما، في مقبرة الملوك الفرنسيين في كاتدرائية القديس دينيس، ظل لويس تشارلز، نجل ماري أنطوانيت، مسجونا بعد وفاة والدته وحتى وفاته بسبب المرض عام 1795، ونجت ماري تيريز شارلوت، الابنة الكبرى للويس السادس عشر وماري أنطوانيت، من الموت بعد أن تم إطلاق سراحها في ديسمبر 1795 وسافرت إلى المنفى في فيينا قبل أن تنضم إلى عمها. في لاتفيا، وتزوجت من ابن عمها لويس أنطوان عام 1799، وكان من الممكن أن تصبح ملكة الفرنسيين مثل والدتها ولكن عندما تنازل والد زوجها عن العرش بعد ثورة شعبية أخرى، تخلى لويس أنطوان عن حقوقه في وراثة العرش، بعدها بـ 20 دقيقة وغادرا فرنسا، بدون رجعة، إلى المنفى.
في حين أن ماري أنطوانيت هي آخر امرأة حصلت على لقب ملكة فرنسا حتى الثورة الفرنسية إلا أن هناك عدد من النساء الأخريات التي حصلن ألقاب ملكات، إمبراطورات فرنسا، بعد قيام الجمهورية الفرنسية الأولى، واستمر ذلك حتى نهاية النظام الملكي الفرنسي تماما في عام 1870.