البطلة هتان السيف نجمة غلاف "هي".. قصة انتصار سُطرَت بحروف من ذهب
قصة هتّان السيف هي واحدة من القصص البطولية التي نشاهدها في الأفلام، قصة نضال تحرك المشاعر، ونعيش فيها الإثارة والحماسة ولذة الانتصار من خلال بطولاتها.. نستذكر فيها كيف تتغلب المرأة في كل مرة على الصورة النمطية التي رسمها لها المجتمع. في وقت سابق من هذا العام، وتحديدا في شهر فبراير، دخلت السعودية هتّان السيف صاحبة الـ22 عاما التاريخ عندما أصبحت أول امرأة من المملكة العربية السعودية توقع عقدا مع رابطة المحترفين للفنون القتاليّة PFL، ومن بعدها لم تتوقف أبدا عن التطور وتحقيق الإنجازات للوصول إلى القمة. هتّان، بطلة جلسة التصوير الخاصة بـ"هي" لغلاف عدد يوليو / أغسطس والتي أقيمت في الرياض، تحدّثت عن إنجازاتها التي تترافق مع مسؤولية كبيرة تحملها على عاتقها، فتقول: "ليس بالأمر السّهل أن تحمل أي امرأة لقب أول مقاتلة في الفنون القتالية المختلطة، وتمثل المملكة العربية السعودية، لأنها أعظم دولة على الإطلاق. لكنني متأكدة من أنني الشخص المناسب لفعل ذلك".
وقـد جاء هذا الـعقد بـعدما أعلنـت "سرج للاستثمار الرياضي"، المملوكة بالكاملة لصندوق الاستثمارات العامة، ودوري المقاتلين المحتــــــرفـــــين PFL عن توقيع اتــفـــاقيــــــة استثمارية تهدف إلى تســـريع وتيرة التوسع العالمي لدوري المقاتلين المحترفين، واستقطاب أبرز الــمــــقاتلين، وتوسيع قاعدته الجماهيرية في إطار جهوده المستمرة لترسيخ مكانته في المشهد العالمي لفنون القتال المختلطة.
عندما ظهرت المقاتلة السعودية هتّان السيف للمرة الأولى على الحلبة بعد الإعلان الرسمي عن انضــــمامها إلى رابـــــطة المقاتـــــلين المحترفين PFL بدأ الجـمهور يهتف لها. واســـــتطاعت هتّان السيـف الــــفوز على اللاعبة المصرية ندى فهيم في افتتاح دوري المقاتلين المحترفين الذي أقيم في مدينة الرياض في شهر مايو الماضي. وكسبت قلوب الجماهير ليس بسبب فوزها فحسب، بل لإنسانيتها وحسن تعاملها مع نظيرتها.
وفي الــــشــــهــــر نـــفـــســــه، كرّمــــهـــــا وزيـــــر الرياضة الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، ورئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ بعد فوزها المميز في نزالها الأول في دوري المقاتلين المحترفين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكان ذلك أثناء حضورها لمشاهدة النزال التاريخي في حلبة "المملكة أرينا" بين الأوكراني "أولكسندر أوسيك" والبريطاني "تايسون فيوري". كانت هتّان تشارك في بطولات مواي تاي، ونالت لقب بطلة السعودية ثلاث مرات على التوالي في هذه الرياضة، وخضعت لتدريبات مكثفة امتحنت فيها نفسها، وصقلت مهاراتها للوصول إلى ما هي عليه اليوم.
عادت هتّان السيف القادمة من المشاركة حديثا في النسخة الأولى من دوري الفنون القتالية المختلطة MMA لرابطة المقاتلين المحترفين في يوليو، إلى القفص الذكي، حيث خاضت في 12 يوليو نزالا حماسيا ضد المقاتلة المصرية إيمان بركة في مدينة الرياض حققت فيه النصر! ولعلـــنــا حاولنا الحصول على أكبر قدر من التفاصيل عن استعداداتها لهذه البطولة قبل أن تخوضها إلا أنها فضلت أن تتحدث عن أمور أخرى لتحتفظ بالغموض الذي أحيانا ما يـسـيــــطر على الأبــــطــــــال الـــــــذيـــــــن يتركون انجازاتهم تتحدث بالنيابة عنهم، وهذا ما حصل فعليًا.
أثنـــاء نــشـــأتـــهــــا، كانت هتّــــــان تــعــلـــــم أن لديها شغفا بالرياضة؛ وتقول في حديثها معنـــــا: "كنت نشيطة مـــنـــذ الــصـــغـــر، لكنـــــني لم أكــــن أعتـــــقد أنني سأكون مقاتلة".
عندما سألناها عن مصدر إلهامها وقدوتها في هذا المجال ردت قائلة: "عبدالله القحطاني هو مصدر إلهــامي"، وهــــو خـــطــيـــب هتّان ولاعــــب المنتخب السعودي للفنون القتالية.
وقد يـــكـــون أهـــــم مـن هــــذا كلـــــه أخـــــلاقها وقيمها العالية التي صنعت منها بطلة مؤثرة داخل الحلبة وخـــــــــارجـــــــها. تــــســـتــــــــذكر هتّان بعض المواقف من طفـــــــولتها التي تؤكد حرصها واهتمامها بأن تكون صـــادقة وذات قيمة في المجتمع: "منذ أن كنت صغيرة، وقبل أن أصبح مشهورة كنت أطمح دائما إلى أن أكون شخصا فعالا أحب التأثير في الكثير من الموضوعات، وأحب أن أتحدث عن أي شيء أحبه، أو لا أحبه".
وتكمــــل: "رحــلـــة الــقــتــــال صعــبــــة، وتدريبي صعب للـــغــايـــــة، لكن لدي أفضل فريق ومدرب يدفعونني بقوة، لأنهم يؤمنون بقدرتي على التألق. وأنا ممتنة لهم. فهم يوفّــــــرون لي الـــدافــــــع والـــــروح للقتال"، مضيــــفـــــة: "أشـعــــر بالسعادة لكــــوني أمثل الفنون القتالية في المملكة، وأؤمن بأنني الشخص الأنسب لتمثيل وطني وشعبي. أنا مدركة تماما حجم وثقل المسؤولية التي أحملها، وسأبذل قصارى جهدي لتمثيل السعودية بأفضل طريقة ممكنة".
تعيش هتّان تجربة مختلفة منفصلة عن الواقع أثناء القـــــتال: "لا أشعر بأي شيء أثناء القتال، أنا فقط أدخل وأنفذ ما تدربت عليه. أتدرب بجد وذكاء، وأتوكل على الله". في فوزها الأخير ممثلة للمملكة، تصف هتّان شعور النصر، وأهمية التحلي بالتـــواضـــــع لأي رياضي مـــهــمـــــا كانت مكانته وعدد بطولاته: "الدعم الذي تلقيته كان مميزا بالفعل! أنا دائما متواضعة، لأن التواضع من القيم الحياتية التي تعلمتها".
النجاح يأتي لمن يقدر روح الفريق ويتحلى بالتواضع عند الإنجاز، تُثّمن هتّان ذلك، وتقول: "سأكون متواضعة دائما، ولكني سأظل واثقة كذلك. أما شعوري بعد ذلك الفوز، فهو الحماس للقاء مدربي وزملائي وعبد الله وكل من ساعدني للوصول إلى هذه البطولة. وكنت أحاول أن أنظر إلى أعينهم لأرى ما إذا حققت بالفعل ما أرادوه أو توقعوه مني".
وعن مستوى الرضى في ما يتعلق بصورة المرأة السعودية، تقول: "أنا راضية جدا عن صورة المرأة السعودية في الرياضة، ولكني أشعر بالحزن بعض الشيء بشأن حقيقة أن الناس ما زالوا لا يحبون رؤية النساء في الرياضة. فالنساء قادرات على الإنجاز. ولكل من يحارب اختيار المرأة لما تريد فعله أقول: كفّوا عن حصر المرأة بصورة نمطية! المرأة عظيمة، وتستطيع فعل كل ما تريد، فهي طاهية ماهرة ومقاتلة محترفة".
قد تكون حسابات هتّان السيف على شبكات التواصل نافذة لشخصيتها، حيث تظهر عفويتها أمام متابعيها وجمهورها، بداية من منشورات فيديوهات التيك توك التمثيلية، مرورا ببعض الصور الطبيعية من حياتها الخاصة. تتميز هتّان بأسلوبها الصريح، كما أن كل ما تقوله موزون. إجاباتها كانت سريعة ومختصرة، ولكنها تحمل خلاصة الحديث وتتضمّن مغزى يفسر ويبرز كل ما تفعله، ولعل هذه الصفة هي التي جعلتها قريبة من معجبيها الذين يحرصون على معرفة كل ما هو جديد في حياتها.
تقول هتّان: "أنا لست مهتمة كثيرا بالجمال". ولا يعني ذلك أنها لا تظهر أنوثتها، بل على العكس تماما، وحساباتها على شبكات التواصل الاجتماعي خير دليل، فهي تظهر بإطلالات متنوعة ومختلفة، وتتباهى بأنوثتها تارة حيث تميل إلى اختيار الأزياء والإطلالات الناعمة، وبصرامتها وقوتها تارة أخرى وهو ما يمثل شخصيتها على الحلبة.
وأضافت: "يمكنني أن أظهر الجانب القوي والصلب في الحلبة، لكن خارج الحـــلبة لدي جانبي الأنــــثوي بالتــــــأكيد. أحب أحــــمـــر الخـــــــدود وأحـــب المــكــيـــاج والفساتين، ولكن لا أحب الكعب العالي على الإطلاق".
وعن حيــــاتـــهـــا الخاصة، تقول: "أنا منفتحة جدا أحيانا أكثر من اللازم، لكن عبدالله يحاول دائما تذكيري بأنه يجب عليّ الحفاظ على خصوصيتي، وإيجاد التوازن بين حياتي الخاصة والاجتماعية. جميع وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بي هي حسابات عامة، ولكني أحاول دائما أن أستشير المقربين لي عن المحتوى قبل نشره".
عندما سألناها عن هواياتها خارج نطاق الحلبة، ضحكت وقالت: "أحب الســــيـــنــــما كثــــيـــــــرا، واعتــــــدت الـــذهـــــــاب إليــــــها، لأني أستمتع بأكل الفشار! في بعض الأوقات أذهب أنا وعبدالله على دراجاتنا النارية لمشاهدة الأفلام في السينما، ونستمتع برحلات طويلة من الاستماع إلى الموسيقى الجميلة". وأضافت ضمن هذا السياق: "أحــــب السيـــــــارات الرياضـــيــــــة أكـــــــثر مـــــن الــــدراجـــات وتوثـــيـــــق الــــذكريــــــات عــــبر التــــصوير لعيش اللحظات الجميلة".
الضــــجة التي صاحــــــبت الإعــــــلان عـــن فـــــوز هتّــــــان في النزال التحقت بأخبار خطوبتها، وعندما باركنا لها، وسألناها عن شعورها بالارتباط بشريك في المجال نفسه، شدّدت على "إنه شعور رائع، لأننا نتشارك الـــحـــلــــم نـــفـــســـــه، والمــــــجال نفسه، حتى نتمكن من دعم بعضنا البعض، ويمكننا أن نفهم بعضنا البعض بشكل أفضل، لأننا نمر بالتجارب والأحداث نفسها. من الأسهل في الواقع اجتياز الأوقات الصعبة معه".
تؤمن هتّان بأن الفرص عظيمة للمرأة السعودية في فنون القـــتــــال المختـــلــطــــة، وأشادت بدور "سرج للاستثمار الرياضي" في دعم وتطوير هذا المجال قــــائـــــلـــــــة: "باعتـــــباري منافـــــسة في الفــــنــــــون القتالية المختــــلـــطــــة، أعــتـــقـــــد أن مشاركة "سرج" في رابـــطــــة الـــمقــــاتلـــــــين المحترفـــــين في منطقة الــــــــشرق الأوسط وشــــمال إفريقيا أمر محوري في خلق فرص جديدة للــــمرأة الـــــسعوديــــــة في فنـــــــون الــقــتـــــال المختلطة". وتــــضيف: "دعــــــــم سرج لا يُظــــــهـــــر الالتــــــــزام بــتـــــطويــــر الـــــمواهب المـــــحلية فحسب، بل يساعد أيضا في رفع مستوى الرؤية والكفاءة المهنية لفنون القتال المختلطة للسيدات في المنطقة".
تعتقد هتّان أن المجال يتطلب الكثير من الدعم من خلال المبادرات الخاصة بالمرأة في الرياضة: "أود أن أرى المــــــزيد من المـــــــبادرات الــــتي تركز على التدريب والإرشاد والمسابقات المصممة خصيصا للمرأة في الرياضة. وهذا لن يؤدي فقط إلى تمكين المزيد من النساء السعوديات في ممارسة الفنون القتالية المختلطة، بل سيُلهم أيضا الجيل القادم من المــــقــــاتــــلـــــين للتــــفـــــوق عـــلى الــمـــســـتــــويين الوطني والدولي".
وعن مـــستقبل المرأة الســـعودية في ريـــــاضة الفنون القــــتالية المختلطة، أعربت عن أملها أن "يحمل الـكـــثير من الإنــــجازات الكبيرة إن شاء الله". وفي الخــــتام أنـــــهت حديثــــــها بالــــقول: "أحب أن أكون مستعدة دائما لما هو قادم، لأنني لا أعرف ما يمكن أن يحدث، أريد أن أستمتع بالرحلة. وأيا كانت الخطوة التي أخطوها، أريدها أن تكون تجربة ذات معنى”.