الصورة من La Biennale Venice

رحلة ثقافية بين السعودية ومصر وعمان ولبنان والإمارات.. جولة على الحضور العربي في بينالي البندقية للفنون 2024

فالنتينا مارياني
16 أغسطس 2024

في "بينالي البندقية للفنون 2024"، يتجلّى حضور منطقة الشرق الأوسط من خلال فسيفساء غنية من أشكال التعبير الفنّي التي تأتي مكوّناتها من المملكة العربية السعودية ومصر وعمان ولبنان والإمارات العربية المتحدة. تسلط جولتنا الضوء على القصص الثقافية المتنوعة في المنطقة، والتي تجمع التقاليد بالحداثة في ظل تناولها موضوعات مثل الهوية والهجرة والتحول. يقدّم جناح كل دولة منظورا فريدا يعكس التجارب المشتركة والقصص الوطنية الفردية. ولا يحتفي العرض الجماعي بالإبداع الشرق أوسطي فحسب، بل يتفاعل أيضا مع جمهور عالمي، ويزيد عمق فهمه لمشهد الفن المعاصر في المنطقة.

السعودية

في الجناح الوطني السعودي، عمل تركيبي بعنوان "نطقت الرمال فتحرك الصوت" للفنانة "منال الضويان" التي تعبّر عن رؤية قوية للمرأة اليوم. بالنحت والصوت، تروي "منال الضويان" قصة تعبر الثقافات والأماكن، لتؤكد استقلالية النساء السعوديات وتضامنهن، وهي قصة ستتحدث إلى المرأة في جميع أنحاء العالم. وباعتبارها شاهدة على التحول الثقافي الذي يجتاح بلدها الأم، تدرس الضويان في أعمالها التقاليد والذاكرة الجماعية وتمثيل المرأة. "نطقت الرمال فتحرك الصوت" عمل يستمد قوته من طاقة المرأة السعودية خلال فترة التحول الثقافي العميق. وفي عملها التركيبي، تجمع "الضويان" السمات الصوتية والجيولوجية للصحراء بأصوات النساء، في تعبير جماعي يتحدى المفاهيم الخاطئة عن حياتهن.

وقد أسهمت في إعداد هذا العمل التركيبي المتعدد الوسائط ورش عمل أقامتها الفنانة في الخبر وجدة والرياض، متواصلة مع أكثر من 1,000 امرأة سعودية.

1
الصورة من La Biennale Venice

الإمارات

يقدّم الجناح الوطني لدولة الإمارات معرضا فرديا للفنان الإماراتي "عبدالله السعدي" تحت عنوان "عبدالله السعدي: أماكن للذاكرة.. أماكن للنسيان". يعكس عنوان المعرض استكشافه للذاكرة والنسيان، والديناميكيات بين التجلّي والاختفاء. في عملية فنية وحسية وفكرية معقدة، يختار "عبدالله" بعض التجارب لتتجلى وأخرى لتختفي. ويتعمق المعرض في رحلة "عبدالله" الفنية من خلال ثمانية أعمال مميزة، تضم ما مجموعه 456 قطعة، بما في ذلك رسومات ولوحات تصور المناظر الطبيعية التي زارها "عبدالله" وغمس ذاته فيها. تحت إشراف القيّم الفني "طارق أبوالفتوح" المقيم في الشارقة، يقدّم المعرض تأمّلا في ممارسة "عبدالله" الفنية وعمليته الإبداعية، حاملا إيانا إلى أجواء استوديو الفنان وممارساته وتأملاته وارتباطاته التي تشكلت على مدى سنوات عديدة. من خلال فنه، يدعونا "عبدالله" إلى عالمه الإبداعي، كاشفا عن روابطه مع المشهد الطبيعي ومُظهرا علاقة تاريخية مع تقاليد الشعراء الخليجيين الكلاسيكيين.

يأتي هذا المعرض في إطار التزام دولة الإمارات العربية المتحدة المستمر بتعزيز الحوار الثقافي والتبادل الفني على الساحة العالمية، مع معالجة القضايا الراهنة في ظل تصوّر التطلعات المستقبلية. ويواصل الجناح الوطني لدولة الإمارات لعب دور مهم في إبراز تنوع المشهد الفني المعاصر في الإمارات وغناه، من خلال منصات عالمية مثل بينالي الفنون.

2
الصورة من La Biennale Venice

مصر

لجناح مصر، يقدّم الفنان "وائل شوقي" عملا بعنوان "دراما 1882"، هو فيلم مقتبس من مسرحية موسيقية أصلية أخرجها وصمم رقصاتها وألّفها.

مستمدا إلهامه من موضوع بينالي الفنون 2024 بعنوان "غرباء في كل مكان"، يتعمق "شوقي" في النقاش حول الثورة العربية، ويطرح التساؤلات حول مفاهيم الغرباء والمحتلين. ويمثل "دراما 1882" الذي يُغنى باللغة العربية الفصحى من قبل مؤدين محترفين، خروجا عن المألوف بالنسبة لفن "شوقي"، إذ يُدخل عناصر الدراما والعرض إلى أعماله التي تركّز عادة على الدمى المتحرّكة. يعمل الفنان، من خلال السينما والنحت والأداء والرسم، على تحليل وتحطيم المفاهيم التقليدية للهوية الوطنية والدينية، معيدا بذلك تعريف وجهات النظر السائدة حول الأحداث التاريخية. تستند أعمال "شوقي" المتجذرة في علاقته العميقة بتاريخ العالم العربي وتراثه الثقافي، إلى فرضية أن التاريخ هو أرشيف من المشاهد الممثلة بأسلوب لا موضوعي وليس من حقائق مثبتة. فتشكّل هذه الفرضية الأساس الذي يستند إليه حين يصمم بعناية تفسيره لأحداث الماضي. ففي فيلم "العرّابة المدفونة" (2012)، يكرّم الأطفال مدينة أثرية قديمة، أما في "كباريه الحروب الصليبية" (2013)، فيصوّر الصراعات بين المسلمين والمسيحيين في العصور الوسطى في ثلاثية ملحمية تُروى من منظور عربي. ومن أجل عمله الموسيقي الجديد للجناح المصري "دراما 1882"، انطلق "شوقي" من عام 1882 والثورة العربية في مصر (1879-1882) ضد الحكم الإمبراطوري: يعيد الإخراج الملحمي توجيه عدسة السرد نحو التسلسل الدرامي للأحداث التي بدأت بمشاجرة في مقهى، وتحوّلت إلى سلسلة من أعمال الشغب، وبلغت ذروتها في قصف القوات البريطانية للإسكندرية ومعركة التل الكبير التاريخية.

3
الصورة من La Biennale Venice

عمان

على مدى قرون عديدة، كانت سلطنة عمان دائما نقطة التقاء للحضارات، ويعرض جناحها في بينالي الفنون هذا العام تراثها الغني. بعنوان "ملاذ"، يسأل المعرض فنانين من خلفيات مختلفة تجسد جوهر الإرث العماني المتعدد الثقافات، بما يتماشى مع موضوع البينالي، "غرباء في كل مكان". يستمد معرض "ملاذ" إلهامه من قلب عُمان التي كانت ملاذا للبحارة والمهاجرين والتجّار، ويأخذ زواره في رحلة فنية وحسية، عاكسا تقاليد توفير الحماية والقوت للمسافرين القادمين من الأراضي البعيدة. وقد تم التعبير عن الموضوع الرئيس من خلال وسائط فنية متنوعة، لمرافقة المشاهد في رحلة استكشافية مطبخية، حيث يمثل الطعام رمزا للوحدة، ويجسد روح الجذور العائلية. يعيد معرض "ملاذ" إحياء كرم الضيافة العمانية التاريخية، ويشجع الزوار على الانخراط في استكشاف فريد للغنى الثقافي العماني.

4
الصورة من La Biennale Venice

لبنان

الجناح اللبناني دعا الفنانة "منيرة الصلح" لبناء جسر بين الخرافة والواقع. عملها التركيبي المتعدد الوسائط "رقصة من حكايتها" يتألف من 41 قطعة تشمل الرسوم واللوحات والمنحوتات والتطريز والفيديو. من خلال إعادة تصوّر حكاية اختطاف "أوروبا"، تعيد الفنانة النّظر في التطلعات والتحديات التي تواجهها نساء عصرنا.

تتعمق "الصلح" في التراث اللبناني الغني، المتجذر في التراث الفينيقي، وتكرّم الروايات الخالدة التي أسهمت في تشكيل الثقافات عبر آلاف السنين. ومن خلال أعمالها، تعزز صوت الأميرة الفينيقية "أوروبا" التي ترمز إلى مرونة المرأة وقدرتها على الصمود وقوتها.

يغرس عمل "الصلح" التركيبي جذوره في حكاية أسطورية: اختطاف الأميرة "أوروبا" على شاطئ مدينة صور من قبل الإله "زوس" الذي اتخذ شكل ثور أبيض. وتسمح إعادة النظر في الحكايات الخرافية بالتأمل النقدي وبظهور وجهات نظر بديلة. فتقودنا الرحلة التي تدعونا "الصلح" إلى السفر فيها على خطى الأميرة "أوروبا"، نحو تحقيق مصير أنثوي متحرر من تأثير "الآلهة"، مصير يحتضن الأدوار والمسؤوليات المرتبطة عادة بالرجال دون الخضوع لهم، وفي الوقت نفسه يتطلع إلى حالة مختلفة من الوجود. وقد أوجدت "الصلح" من خلال إعادة تفسيرها للأسطورة مساحة كلامية ومرئية تحتفي بالتحرر والحرية والمساواة والالتزام والتضامن.

يقدّم الجناح اللبناني هذا المعرض للجمهور بهدف تعزيز الوعي الاجتماعي والسياسي الجماعي من خلال استخدام القوة التحويلية للفن.

5
الصورة من La Biennale Venice

 

ختاما، يُعرض عمل الفنانة التركية "نيل يالتر" للمرة الأولى في بينالي الفنون، وقد تم تكريمها هذا العام بجائزة "الأسد الذهبي للمسيرة الفنية". وقد عُرضت أعمال "يالتر"، التي انغمست طوال فترة شبابها في عالم الناشطين والناشطات النسويات، في مؤسسات كبرى حول العالم على مدى عقود.

يضم قسم Nucleo Contemporaneo عملين أيقونيين لها يتناولان موضوع الهجرة. الأول هو "منزل دائري"Topak Ev  (1973)، تظهر فيه خيم مجتمع "البكتيك" الرحل في منطقة وسط الأناضول، وهي خيم تصنعها عادة عرائس المستقبل، وترمز إلى أدوار الجنسين في هذه المجتمعات.

ثم هناك عملها التركيبي بعنوان "المنفى عمل شاق" (1977-2024)، والذي يأخذ اسمه من كلمات الشاعر التركي "ناظم حكمت"، ويعرض مقاطع فيديو وملصقات إعلانية توثق حياة وتجارب المهاجرين والمنفيين، تحت العنوان المرسوم فوقها بأحرف حمراء كبيرة تذكّرنا بالشعارات السياسية.

6
الصورة من La Biennale Venice