رؤية نقدية ـ "الفيل الأزرق 2".. إبداع أم هلوسة؟!
فى مشهد نهاية فيلم "الفيل الأزرق 2" هناك إشارات إلى استمرارية القصة، وعدم نهاية الصراع الغرائبى بين الإنس والجن، وهو الصراع الذى ظننا أنه انتهى تماماً فى المشهد السابق لمشهد النهاية، ويختلف هذا عن نهاية الجزء الأول، حيث كانت نهاية الفيلم توحى بنهاية القصة تماماً، ولم تمهد صراحة لوجود جزء ثانٍ من الفيلم. هذا يعنى أننا أمام مؤشرات نية صناع الفيلم تقديم سلسلة فيلمية تقوم على نفس الحبكة.
فى الجزء الأول -المأخوذ عن رواية "أحمد مراد"- شاهدنا تجربة سينمائية تفتح باب التجريب الفنى على مستوى الصورة، والاختلاف عن السائد فى موضوعات السينما المصرية؛ وقدما المخرج "مروان حامد" والكاتب "أحمد مراد" عمل سينمائى ينتمى لعالم الدراما النفسية، وجنح العمل إلى الخيال حينما بدأت شخصية "يحى" التى جسدها "كريم عبد العزيز" فى تتناول حبة الفيل الأزرق لتحفيز عقله على الخروج إلى مساحات خارج إطار الواقع، والتنقل فى الزمن بحثاً عن مفاتيح حل لغز حالة "شريف" التى أداها "خالد الصاوى"، وهو رجل قتل زوجته وابنته، مدعياً أن جن يدعى "نائل" دفعه لارتكاب الجريمة.
الماورائيات والغيبيات مفتاح دراما الفيلم
الصراع الرئيسى فى الجزء الأول كان يقترب من اللغز البوليسى؛ ففريق المستشفى يحاول إثبات أن القاتل يعانى من مرض نفسى، والبطل يبدأ فى تصديق ما يحكيه القاتل، ويستخدم البطل أسلوب المحقق البوليسى الذى يبحث عن المجرم الحقيقى، ولكنه تحقيق غريب يميل فيه البطل إلى تصديق الماورائيات، وهنا بدأت الدراما تنحاز إلى جانب الخرافة على حساب المنطق العلمى.
حسب معايير الفيلم - كعمل فنى مصنوع للتسلية - فان الخرافة أجمل وأكثر متعة على الشاشة؛ وكانت حجة للمخرج "مروان حامد" لتقديم عدد من المشاهد الخيالية والسيريالية غير المسبوقة فى السينما المصرية، سواء من خلال التعبير عن حالة هلوسة "يحى"، أو بتقديم مشاهد تدور فى أزمنة قديمة، وتتحدث عن جن يلبس أشخاص ويدفعهم إلى التصرف حسبما يرغب.
الإبهار وحده لا يكفى!
ما يقدمه فيلم "الفيل الأزرق 2" على مستوى الإبهار البصرى يتفوق عن الجزء الأول، وإذا قيمنا تلك المشاهد بشكل منفصل؛ فهى بديعة وبها لمسات جمالية فى التصميم والتنفيذ، وبالأخص مشهد الغرق فى البانيو، ومشاهد الغجرية فى الزمن القديم، وربما هناك إسراف فى تقديمها على حساب الدراما نفسها، ولكنه إسراف مقبول فى إطار الحالة العامة للفيلم، ويعيبه فقط عدم توظيفه فى أغلب الأحيان بنسيج حبكة الفيلم، أو بتفاصيل من الواقع المحيط بشخصية البطل.
الفيلم يقدم وجبة سينمائية جيدة للمعجبين بالجزء الأول، وهو يتفوق فى الإبهار البصرى، والمؤثرات الصوتية، والملابس والماكياج والإكسسوار، والتأثير السحرى لموسيقى "هشام نزيه"، وهى أحد ركائز تحقيق المود القاتم والغموض بالعمل، ولكن الفيلم يخفق فى تقديم قصة جديدة جذابة، ويرتبك فى مشاهد الرعب؛ ومن أسباب ضعف هذه المشاهد غياب خلق التعاطف مع الشخصيات، وبالأخص أفراد عائلة الدكتور يحى، وهو يتجاهل تقديم أسباب فتور العلاقة بين يحى وزوجته "لبنى" التى تجسدها "نيللى كريم".
حتى منتصف الفيلم تقريباً لا يقدم الفيلم إلا حالة طويلة غامضة من الهلاوس التى يعيشها "يحى"، وهى تداعيات تحدث له بسبب اهتمامه بحالة "فريدة" التى تجسدها "هند صبرى"، المريضة النفسية، المتهمة بقتل زوجها وابنتها، وتبدو حبكة الصراع شبيهة كثيراً بشكل حبكة الجزء الأول. شخص ارتكب جريمة قتل عنيفة، وادعى أنه لم يكن واعياً وقت ارتكابها، ويتم تحويله لمستشفى الأمراض النفسية لتقييم حالته، ويتم استدعاء طبيب نفسى له ماضى مع الاكتئاب والاستهتار الشخصى، وهو الوحيد الذى يكتشف أن الجن الذي تَجَسَده هو من دفعه لذلك. تبدأ الأحداث فى التحرك بنشاط درامى بعد لجوء "يحى" المتكرر لتعاطى حبات الفيلم الأزرق القوية، ليحاول حل لغز جريمة "فريدة"، ومن أجل إنقاذ عائلته التى أصبحت مهددة بإنتقام الجن.
جن "هند صبرى" المرتبك!
"هند صبرى" تقوم تقريباً بما قام به "خالد الصاوى" فى الجزء الأول، و"إياد نصار" يقدم صورة مشابهة من شخصية الطبيب "محمد ممدوح"، ويسير "كريم عبد العزيز" على نفس النهج الغرائبى لحل اللغز: تناول حبات الهلوسة، واستخدام التعاويذ القديمة للتخلص من الجن الشرير.
تقدم "هند صبرى" شخصيتها على عدة مستويات: أولها فريدة المتهمة بقتل زوجها وابنتها، وهى شخصية مغرورة ومتعالية حسب تقديم السيناريو لها، وغجرية العصور الوسطى الفاسقة التى قتلت ابنتها وزوجها وانتحرت لتحصل على الخلود بصحبة الجن "نائل"، وهناك مساحة أخرى لشخصية "فريدة" التى تتحدث بلسان الجن والغجرية. ما قدمته "هند صبرى" من أداء أقرب إلى بروفات الأداء الصوتى والحركى للشخصية، وهو أداء لم يتبلور تماماً، حمل مبالغات وخرج مرتبكاً ومشوشاً، ويفتقد نلوين الانتقال بين الشخصيات.
كريم عبد العزيز يواصل تقديم شخصية الدكتور النفسى، الذى يعانى من أعراض اكتئابية بأداء هادىء وناضج، بعيداً عن الأداء الكوميدى الساخر، الذى يلون أغلب أفلامه.
الظهور الخاص لخالد الصاوى فى شخصية شريف قلب موازين تقييم الأداء فى الفيلم؛ حيث قدم فى دقائق قليلة أداء مكثف وملون، دون مبالغة، وهو الأداء الأبرز والأفضل فى الفيلم.
باقى شخصيات الفيلم اجتهدت فى اطار المساحات الدرامية المتاحة لها، وبشكل خاص "نيللى كريم" و"إياد نصار"، وكلاهما كانت شخصيته تحتمل مساحة أكبر فى أحداث الفيلم.
العمل يقدم وجبة سينمائية جيدة وجذابة للمعجبين بالجزء الأول، ويسترسل فى تصوير حالة الغموض والخيال دون اهتمام كبير بالدراما، ويقف فى منطقة متوسطة على مستوى الأداء التمثيلى، وإذا كان هناك مزيد من الأفيال الزرقاء فى المستقبل؛ ننتظر أن تكون أكثر أصالة وإبداعاً، وأقل تجريباً وهلوسة.