رؤية نقدية ـ قوائم الأفلام المصرية الأعلى دخلاً..هل حقا تعنى شيئاً؟!
قد يظن البعض، أن تحقيق فيلم "المنتقمون: نهاية اللعبة" Avengers: Endgame دخلاً إجمالياً بلغ 2,79 مليار دولار، يعنى أنه الأعلى دخلاً فى تاريخ هوليوود، ولكن الحقيقة أن فيلم "ذهب مع الريح" هو الفيلم الأعلى دخلاً فى تاريخ هوليوود، رغم أنه حقق فقط 400 مليون دولار فى شباك التذكر، وهذا ليس لغزاً؛ فحسبة الإيرادات الأعلى فى التاريخ تتضمن حساب التضخم، وقياس قيمة العملة وقت العرض.
يظل الجدل حول أسماء الأفلام المصرية الأعلى دخلاً فى تاريخ السينما إفتراضياً؛ فلا توجد معلومات موثقة وأكيدة عن أرقام الإيرادات الحقيقية، وما تنشره المواقع وصفحات السوشيال ميديا مُجرد إجتهادات، ولا توجد معايير ثابتة لحساب الإيرادات؛ فلا توجد إحصائيات بعدد التذاكر المُباعة لكل فيلم، ولا نعلم ميزانيات إنتاج الأفلام، أو عدد القاعات التى تم عرض الفيلم بها، أو دخل الفيلم من مبيعات الأسطوانات المُدمجة، أو مقابل العرض فى القنوات الفضائية، والمنصات الإلكترونية، و لكن بعد حسبة الإيرادات السينمائية مع حساب فروق نسبة التضخم، سنجد أن عناوين أكثر الأفلام تحقيقاً للإيرادات محصورة فى مجموعة مُحددة من الأفلام التى تم إنتاجها خلال السنوات الأخيرة فى الألفية الثانية، وبداية الألفية الثالثة.
ما وراء الأرقام والقوائم
أرقام الإيرادات المرتفعة تهم المنتج بصورة أكبر، وهى مؤشر على أن صناعة السينما تُكافح من أجل البقاء والإستمرارية، ولكن هناك زاوية فنية تُغفلها التحليلات الإقتصادية، وهى الزاوية الفنية خلف تلك الأرقام، والدافع وراء إنتشار الحديث حول قائمة الأفلام الأعلى ايراداً هو الإيرادات الكبيرة لبعض أفلام عيد الأضحى، وتحديداً فيلم "الفيل الأزرق 2"، وقد بلغت إيراداته (93 مليون جنيه مصرى) حتى كتابة هذه السطور، وهو رقم غير مسبوق فى تاريخ شباك التذاكر المصرى، وقبل موسم عيد الأضحى كان فيلم "البدلة" يحتل قائمة الأعلى دخلاً (67 مليون جنيه مصرى) ولو صنع "الفيل الأزرق" وغيره من الأفلام الحديثة قائمة جديدة، فنحن فى حاجة لفهم ما وراء الأرقام والأفلام.
فى دراسة قام بها الباحث "محمد حسين"، مدير الأبحاث والمحتوى بمجلة السينما العربية، التابعة لمركز السينما العربية، فى مطلع العام الحالى، سنلاحظ أن قائمة الأعلى دخلاً بعد حساب نسبة التضخم، يغلب عليها عناوين الأفلام الكوميدية، وتحديداً الكوميديا التى ظهرت مع بداية الألفية الثالثة.
اعتمدت تلك القائمة معايير علمية لحساب القيمة الحقيقية للإيرادات، أهمها تقييم الإيرادات بالدولارالأمريكي، وحساب متوسط سعره أمام الجنيه المصري وقت العرض، وقد تصدرت القائمة عناوين أفلام مثل: "إسماعيلية رايح جاى"، و"صعيدى فى الجامعة الأمريكية"، و"جاءنا البيان التالى"، و"همام فى أمستردام"، وهى أنجح أفلام نجم الكوميديا "محمد هنيدى" جماهيرياً، وسنجد بها أيضاً أفلام "اللمبى"، و"اللى بالى بالك، و"عوكل"، و"بوحة"، وهى أنجح أفلام "محمد سعد" جماهيرياً؛ ولهذا، يمكن أن نقول بلا مبالغة أن كوميديا الإفيهات والاسكتشات الضاحكة هى التى حققت أعلى إيرادات فى شباك التذاكر المصرى فى كل تاريخه، ومع هذا فإن تلك النوعية من الأفلام لم تنجح فى الاستمرارية؛ لأنها لم تتطور، ولم تُجدد نفسها، وكانت أرقام إيرادات أفلام "هنيدى وسعد" فى السنوات الأخيرة مخيبة للآمال.
كوميديا الإفيهات تتصدر
أزمة "محمد سعد" و"هنيدى"، وغيرهما من نجوم كوميديا بداية الألفية، وإخفاق أفلامهم الأخيرة مؤشر واضح إلى إعتمادهم فقط على الكاريزما الشخصية، والإفيهات اللفظية، وكانت الشاشة مُجرد وسيط لإستعراض أدائهم، ولم يستخدموا فنون السينما لصُنع الكوميديا، وتؤكد إيرادات شباك تذاكر السينما المصرية حالياً، أن الجمهور بدأ يميل لنوعية أفلام الأكشن والجريمة والرعب، وربما يملها بعد سنوات ويبحث عن نوعية أخرى، هذا لو لم تتطور، وتنوع أفكارها وأساليبها.
بنظرة بسيطة على قائمة الأفلام الأعلى دخلاً فى هوليوود سنجد أنها أيضا أفلام تجارية، وتهدف إلى التسلية، ولكنها لم تقع فى فخ السينما المصرية، ولم تُسَلِم زمام أمورها إلى النجم الأوحد، مهما بلغت نجوميته، ولم تعتمد على كاريزما مؤقتة لممثل خفيف الظل؛ فأفلام الخيال العلمى والسوبر هيروز تحتل قائمة الأعلى دخلاً لأنها منحت فنون الإخراج والتصوير والمؤثرات والموسيقى التصويرية مساحة كبيرة بجوار النجوم، وأفلام مثل "تايتانيك"، و"أفاتار"، و"حرب النجوم"، ولا تكف عن رفع سقف هذه العناصر وتقديم الجديد، ولا تكف عن حصد مليارات الدولارات.
هل نحن فى زمن الأكشن؟
تُحاول السينما المصرية تدارك أخطاء الماضى؛ فنرى فى الأفلام الجديثة إجتهادات تقنية على المستوى الصورة البصرى، وذلك فى أفلام مثل "الفيل الأزرق" بجزأيه، وهو محاولة جيدة لتقديم شكل سينمائى بصرى لسينما الرعب والتشويق، وكذلك "ولاد رزق" بجزأيه، و"كازابلانكا" و"الخلية"، و"هروب إضطرارى"، و"حرب كرموز"، وكلها أفلام تُحاول الخروج من الدائرة النمطية للفيلم الكوميدى، وإجتهد صُناعها لتقديم شكل مُتقن للصورة السينمائية، ولم تعد المؤثرات والمعارك والمطاردات بسذاجة أفلام الأكشن فى السنوات الماضية، وحتى لو كان ذلك بسبب الإستعانة بفرق أجنبية متخصصة، فهو إضافة وخبرة للفيلم المصرى، ويفتح الباب على مصرعية أمام تقديم سينما متنوعة، قادرة على تقديم ألوان مختلفة من الدراما، ولديها فرصة لتجسيد خيال كتاب السيناريو، وصناعة نوعيات جديدة من أفلام التسلية والترفيه.
بلا مُبالغة ما تقدمه السينما مؤخراً لا ينقذ السينما من عثرتها الإقتصادية فقط؛ بل يعيد السينما إلى مسارها الصحيح، فالسينما ليست أفلام ميلودرامية عميقة فقط، وليست أفلام كوميديان أوحد ينفرد بدراما الفيلم، وليست أفلام مؤثرات مُبهرة، هى كل ذلك معاً، وحتى أفلام التسلية الخفيفة تحتاج تقنية تجعلها أكثر متعة وجمالاً.