رؤية نقدية ـ أحمد أمين ليس الأول..لماذا يتدخل الجمهور فى اختيارات الممثلين؟
أثناء قراءة رواية ما، يتحول القارئ إلى مخرج لأحداثها، يتصور ملامح الشخصيات، والأماكن التي تجري فيها الأحداث، ويتكون في خياله كادرات وتكوينات خاصة به؛ ولهذا يمكن تفهم حالة رفض عدد كبير من قُراء روايات "ما وراء الطبيعة"، للكاتب "أحمد خالد توفيق" إختيار شبكة Netflix الممثل "أحمد أمين" لتجسيد شخصية بطل الروايات، طبيب أمراض الدم الدكتور "رفعت إسماعيل"، فى أول مسلسل مصرى لـ Netflix، من إنتاج "محمد حفظي"، وكتابة وإخراج "عمرو سلامة"، فقد عبث هذا الإختيار بخيال ألاف القراء، الذين إختاروا بخيالهم ممثل كهل ووقور، مثل الممثل "عبد العزيز مخيون"، أو "نبيل الحلفاوي" ورأوهما أقرب إلى ملامح الشخصية الخيالية من الممثل "أحمد أمين".
هل الجمهور دائماً على حق؟
الفريق المؤيد لاختيار "أمين" يرى أنه ملائم للشخصية، ولديه المؤهلات والموهبة، ويجب أن يحصل على فرصته، ولا يعني شهرته فى الأدوار الكوميدية الساخرة أنه لن يستطيع تأدية شخصية عالم عجوز يتعامل مع ظواهر مخيفة ومرعبة تتجاوز المنطق والطبيعة، وهذا منطق مقبول نظرياً، ولكن الواقع يقول أن هناك حالة رفض لا يُستهان بها من قطاع كبير من جمهور السوشيال ميديا، وهو قطاع يُعبر عن وجهة نظر جمهور قُراء أعمال "أحمد خالد توفيق"، ولو كنت مكان "نتفليكس" أو المنتج "محمد حفظي" والمخرج "عمرو سلامة" لن أتجاهل رأي الجمهور الإستباقى، حتى لو بدا مُتعصباً، ولا يعني هذا التراجع عن إختيارهم "أمين" بطلاً للمسلسل، ولكن ما المانع من نشر صورة من تجربة ماكياج الممثل للشخصية؟ ربما تمتص هذه الصورة حالة الرفض المُسبق لأداءه للشخصية، وقد يجعل الجمهور الذى يستهدفه المسلسل أقل تحفزاً وغضباً من هذا الإختيار.
هذه هى المرة الأولى التى يرفض فيها قطاع من الجمهور العربي اختيار ممثل لتجسيد شخصية ما على الشاشة، في مرحلة ما قبل التصوير، والمألوف أن يحدث ذلك بعد عرض الأعمال الدرامية، وبشكل خاص الدراما التى تحكى سير حياة المشاهير، وقد أثار مثلاً تجسيد الممثل "أشرف عبد الباقي" لشخصية "إسماعيل يس" الكثير من الجدل، لأن أداء "عبد الباقى" كان استنساخاً لأداء "إسماعيل يس" الممثل وليس الإنسان، ومع الماكياج المتواضع كانت ملامحه أقرب إلى ملامح الممثل "عبد المنعم إبراهيم"، وبشكل أو آخر كانت المسلسلات التى جسدت شخصيات أخرى مثل "سعاد حسني"، و"تحية كاريوكا"، و"صباح" مُحبطة بسبب فشل الممثلين والماكياج والدراما فى التعبير عن ملامح وروح تلك الشخصيات المحبوبة جماهيرياً.
الممثل المناسب للدور المناسب
تؤكد الروايات القادمة من كواليس الأفلام أن أغلب رفض ترشيحات الممثلين يأتى من منتج العمل؛ مثل تلك الحكاية المتداولة عن رفض المنتج "رمسيس نجيب" اختيار "أحمد زكي" لبطولة فيلم "الكرنك"، وكانت وجهة نظره أن هذا الشاب الأسمر لا يمكن أن يكون حبيب سعاد حسني، وذهب الدور إلى "نور الشريف"، ولكن "أحمد زكي" لم ييأس، وأحب "سعاد حسني" فى أفلام لاحقة مثل "موعد على العشاء" و"الراعي والنساء"، وفي مسلسل "هو وهى".
أحياناً يبدو اختيار المخرج لممثل محدد لأداء الشخصية غريباً، وخارج كل التوقعات، ولكنه فى النهاية صاحب الرؤية النهائية للعمل، وهو المسؤول عن صورة وملامح الشخصية الدرامية على الشاشة، وقد كان الممثل "براين كرانستون"، الاختيار الغريب للكاتب "فينس جليجان"، لبطولة مسلسل Breaking Bad ، وحدث جدل بينه وبين شبكة AMC، منتجة المسلسل، فقد كان "كرانستون" معروفاً كممثل تليفزيونى كوميدى، وكان "جليجان" و"كرانستون" قد عملا معاً في إحدى حلقات مسلسل الخيال العلمي The X–Files ، وكان الدور لشخص أفكاره السياسية متطرفة ومصاب بمرض خطير، وكان عليه أن يثير تعاطف المشاهد وكراهيته فى نفس الوقت، وكانت براعة "كرانستون" فى تجسيد الشخصية المتعصبة سبباً فى إصرار "جليجان" على إختياره لتجسيد شخصية "والتر وايت" المُعقدة المخيفة.
"ما وراء الطبيعة".. النسخة المختلفة
لا يجب أن نرى اختيار "أحمد أمين" خارج سياق رؤية المخرج "عمرو سلامة" لتنفيذ العمل، وهو تقديم حكايات "ما وراء الطبيعة" برؤية مختلفة مع الحفاظ على روح الروايات، وهذا بحسب تصريحاته الواردة فى المنشور الإعلامى الذى نشرته شبكة Netflix فى مايو الماضي، ولا يمكن تحديد سقف الاختلاف الذى يريد "سلامة" تقديم العمل به، وأظن أن هذا "الاختلاف" يتضمن اختيار شخصيات العمل، التى ستكون عامل جذب للمشاهد بلا شك، ولكن الأهمية الأكبر ستكون مدى براعة تنفيذ مسلسل درامي من نوعية الخيال العلمي، ويتحمل "عمرو سلامة" العبىء الأكبر فى تحويل الحكايات، من روايات مكتوبة إلى صورة درامية جذابة.
أغلب الظن أن اختيار "أحمد أمين" هو أقل مشاكل أول مسلسل مصرى تنتجه Netflix، وهو عمل تشويق ورعب وخيال علمى، ويحتاج إلى تنفيذ مشاهد خيال وخدع صعبة، وهى خبرات لم تتفوق فيها الدراما المصرية، ولكن قد يكون "ما وراء الطبيعة" هو البداية، ونأمل أن يصل نجاح المسلسل إلى مستوى نجاح الروايات، وأن يحصل "أحمد أمين" على شهادة باسم الدكتور "رفعت إسماعيل".