رؤية نقدية ـ Modern Love..فضفضة صحفية ودرامية عن قصص حب ملهمة!
الحب هو العاطفة الأكثر تأثيراً فى كل الفنون، وتكاد تكون السبب الأهم فى ازدهار الدراما بكل أنواعها. الحب - أحياناً - يُغلف الدراما، وفى أحيان أخرى يكون محورها، وهناك ملايين من قصص الحب تحدث كل يوم، وكلها قصص حب رائعة، ولكن القليل منها الملائم ليكون موضوع عمل درامي مؤثر وجذاب، ففى الواقع تتشابه قصص الحب بصورة تجعلها نمطية ومكررة، إلا بعيون أصحابها، والقصص التى تنشرها صحيفة "نيويورك تايمز" فى الباب الأسبوعي الذى يحمل عنوان Modern Love "حب عصري" تحمل حكايات استثنائية، وتحظى بشهرة كبيرة بين قراء الصحيفة منذ بداية هذا الباب قبل أربعة عشر عاماً، وقد كتبها أصحابها من واقع تجاربهم الشخصية، وهى حكايات مدهشة وملهمة وإنسانية إلى حد بعيد، وقد إختارت شبكة أمازون بعض تلك الحكايات وصنعت منها حلقات مسلسل بعنوان Modern Love، المسلسل يشارك فيه عدد من نجوم السينما والتليفزيون، ومنهم "آن هاثاوى"، و"أندي جارسيا"، و"تينا فاي"، و"ديف باتل"، و"صوفيا بوتيلا"، و"كاثرين كينر"، وغيرهم.
صور الحب المختلفة
تحكي كل حلقة حكاية منفصلة عن قصة حب معاصرة، وتستغرق كل حكاية حوالي ٣٠ دقيقة، وخلال تلك الحكايات المُكثفة نشاهد صور مُلونة من الحب، ونحاول الإجابة على سؤال مُعقد: "لماذا يؤثر غياب الحب وحضوره على حياة البشر بهذه الصورة؟".
هذا النوع من الحكايات يشبه الفضفضة الذاتية، ولهذا جائت حكايات الحلقات أصيلة وحميمية. هى حكايات نيويوركية جداً، ولكنها إنسانية ومُلهِمة، وفى حكاية "حينما يُصبح البواب رجل حياتك"، وهى الأولى فى ترتيب الحلقات نشاهد تلك العلاقة المدهشة بين فتاة انتقلت حديثاً للمدينة، بحثاً عن فرصة عمل بعد تخرجها، وبين حارس العقار، وهو عسكرى سابق، وكان قناصاً بارعاً، ولكن هل حدة بصره تمنحه القدرة على أن يعرف من الشاب الأنسب للفتاة؟ كلما اصطحبت الفتاة شاباً يؤكد الحارس للفتاة أنه ليس الإختيار الملائم، والمدهش أنه دائماً يكون على صواب، وتتطور الحكاية، ويُصبح هذا الحارس هو الرجل الأهم فى حياة الفتاة، وتتجاوز علاقته بها حدود حراسة المدخل، فهو الحارس الأكبر لمشاعر الشابة الذكية الرقيقة.
هذه الحالة من الحب الأبوي، أو الأفلاطوني، تقابلها حكاية فتاة أخرى تفتقد فعلياً وجود أب فى حياتها، وتنخرط فى علاقة ملتبسة مع رجل يكبرها بثلاثين عاماً، يعمل فى نفس الشركة التى تعمل بها، وذلك فى حلقة "إنه يشبه أبي، ولكنه كان مجرد عشاء"، وهذه العلاقة محورها صراع بين موجتين مختلفتين من المشاعر: الأولى لرجل خمسينى يبحث عن علاقة عابرة مع شابة صغيرة، والثانية لفتاة تبحث عن أب مفقود داخل هذا الرجل اللطيف الذى تلتقيه فى اجتماعات العمل.
لحظة سقوط الأقنعة
تتدفق الحكايات والمشاعر فى حلقات أخرى عن الملل الزوجي بين ممثل معروف وزوجته التى يستبعدها الزوج من كل مناسبة تتعلق بعمله، وهذا حوار صحفي مع مُبرمج شاب لبرنامج مواعدة يتحول إلى دردشة عن تجارب حب سابقة لكليهما، وهذه فتاة متشردة تبحث عن ثنائي مناسب لتربية الطفل الذى ستلده بعد شهور، وتجمع حلقة "خذني كما أنا، أيما أكون" بين البهجة والكآبة معاً، فبطلتها "آن هاثاواي" امرأة تعمل فى شركة محاماة، وتُخفي معاناتها مع اضطراب ثنائي القطب، وهى تتحكم فيه بقدر إستطاعتها، ولكنه يؤثر على حياتها بصورة جذرية، فقد تسيتقظ فى غاية البهجة والنشاط، تذهب لشراء ثمرات الخوخ الطازج التى تحبها بشدة، وتلتقي فى المول التجاري برجل تتفق معه على موعد غرامي، وتُصيبها نوبة خمول واكتئاب أثناء اللقاء الأول، وتضطرب حياتها العاطفية والعملية، وتفسد ثمرات الخوخ التى اشترتها ولم تأكلها، ما عدا ثمرة واحدة، مصنوعة ببراعة شديدة من الخشب، وكانت هدية من الشاب الذى التقته فى المول.
دراما من واقع الحياة
اكتشاف الصداقة الحقيقية، والحب الصادق، في عز الأزمات، هو جوهر حلقة "آن هاثاواى"، وكذلك حلقة "في المستشفى"، فاصل من الصراحة"، حيث يتحول لقاء غرامي عابر إلى حادث غير مقصود، وترافق الفتاة الشاب الذى أصابته شظية زجاج فى ذراعه أثناء ساعات إسعافه في المستشفى، ورغم أنهما لا يعرفان بعضهما البعض، إلا أن ساعات ما بعد الجراحة تتحول إلى نوع من الفضفضة بينهما، ويتجرد كل منهما من القناع الذى صنعه أمام الأخر في الساعة الأولى للقائهما.
رغم إختلاف الحكاية في كل حلقة، إلا أن هناك رابط ما يضفر حلقات المسلسل، ربما المكان والأجواء، ربما المشاعر الإنسانية التى تبدو نمطية ومتشابهة عن بعد، وخاصة جداً ومختلفة عن قرب، ربما تركيز السيناريو على نقاط الضعف الإنساني، فتلك الحكايات لا تصور الشخصيات بصورة مثالية، فهى على نحو ما نوع من الإعترافات الشخصية، والمواجهات العاطفية، وهى ليست ميلودامية تماماً، ولكنها مؤثرة وعاطفية، وتعرض بشكل أنيق وذكي ومرح صور جذابة من الحب المعاصر.