رؤية نقدية ـ "بـ100 وش".. نصّابون لكن ظُرفاء
الدراما خدعة مُتفق عليها بين الممثل والمُشاهد؛ لا شىء نراه على الشاشة حقيقي، القاتل ممثل يخدعنا، والحبيبة المُخلصة ممثلة تجيد أداء عواطف مزيفة، والنصاب واللص والمحامي البارع كلها شخصيات درامية نجحت في خداعنا، وكُلما أتقن صُناع العمل الخدعة شعر المشاهد بالمتعة، وكما يحدث في عمليات النصب الكُبرى يحتاج النصاب إلى كثير من التحضير والإعداد حتى يُصدقه الضحايا، وفي مسلسل "بـ100 وش" حضور الإهتمام بالتفاصيل، والاهتمام بدور عناصر الإخراج والتصوير والديكور والماكياج والموسيقى والمونتاج والأزياء وغيرها من العناصر التي خلقت حالة من المصداقية، فصدق المتفرج العصابة وتوتر معها، وضحك علي تصرفات أعضائها، وتمنى نجاح عملياتها، ورقص كلما سمع تتر البداية والنهاية.. إنه سحر الفن، وجمال الخدعة.
عصابة سكر وعمر
لا يأتي الموسم الدرامي الرمضاني غالباً بأعمال ناضجة أو مُكتملة فنياً؛ فهو موسم استهلاكي يرتبط ببحث المنتجين عن الأرباح وإيرادات الإعلانات، وغالباً يتم ترويج النجم لبيع العمل أكثر من العمل نفسه، ويبدأ التنفيذ مُتأخراً وعلى عجل للحاق بأوقات العرض المحددة، ويتم تكييف العمل المحدود ليملأ ثلاثين ليلة رمضانية؛ فهل نجح "بـ100 وش" في النجاة من هذه الحالة الاستهلاكية؟ وهل نجحت المخرجة "كاملة أبو ذكري" في قيادة فريق نصابين "بـ100 وش"؟ في البداية نبدأ فى التعرف على باقي شخصيات العصابة وملامحها الشخصية، ومنهم الأرستقراطي ابن حى الزمالك "عمر- آسر ياسين"، وابنة الحى الشعبي "سكر- نيللي كريم"، وكل منهما لديه طموحات مادية ويستخدم النصب لتحقيقها، وتحدث الصدفة التي تجمعهما في مكان واحد أثناء تنفيذ سكر لعملية نصب على جواهرجي، وبعد نصب عمر على سكر وانتقام سكر من عمر تبدأ رحلة تعاون لتنفيذ عملية نصب كبيرة، ويبدأ تشكل العصابة بشكل كوميدي؛ فبعض أفراد العصابة لا دور حقيقي لهم في تنفيذ الخطة؛ مثل "نجلاء- دنيا ماهر" ممرضة عم غزال الرجل المريض الذي تحاول العصابة الحصول على ماله بأوراق مزورة، وكل دورها أنها علمت بالخطة بالصدفة، وأصبحت بشخصيتها الميالة للنكد والثرثرة جزء من صداع العصابة، وكذلك السائق الذي يستخدم السجع فى الكلام، وكذلك صديقة سكر المرحة، ولكن أهم شخصيات العصابة هى "ماجي- علا رشدي" خبيرة الماكياج، والكومبارس السكير "سباعي- شريف الدسوقي" الذى يقوم بدور محامي، و"فتحي- مصطفى درويش" وهو صاحب جيم وبلطجي يوفر للعصابة وكر آمن للاجتماع، و"حمادة- إسلام إبراهيم" جار سكر وصديقها خبير التكنولوجيا، وموظف السجل المدني المرتشي "سامح- مصطفى عبد العظيم".
ما بعد العشر حلقات الأولى
توجه "كاملة أبو ذكري" الممثلين لطريقة أداء عفوية للغاية؛ فالممثلين يتحدثون دون تردد، وتتداخل جملهم الحوارية، ولا ينتظر ممثل انتهاء الآخر من جملته ليبدأ هو؛ ولهذا نرى الحوارات الخلافية عفوية وحيوية وأقرب لطبيعة الحوار العادي، ومنح المسلسل الدراما عدد من المواهب المخفية التي تألقت بشدة في العمل، ونجح كل منها في تقديم شخصيته بلا افتعال، وخرجت الكوميديا من تناقضاتهم الشخصية وأسلوبهم في التعامل مع الأزمات، ولهذا نرى عوامل الفشل حاضرة مع شخصيات لا تُجيد ما تفعله تماماً، وتبدو خطة عمر دائماً على المحك، ورغم التشابه الذي يراه البعض مع عصابة البروفيسور في المسلسل الإسباني La casa de papel لكن عصابة عمر وسكر كما كتبها "أحمد وائل" و"عمرو الدالي" هزلية للغاية رغم كل خطط عمر الذكية، ونجاحها في كل عملياتها حتى الآن جزء من الحالة الكوميدية التى تبرر كل هذا الحظ، وحتى العقل المُدبر عمر نراه في حالة هلع بعد وفاة الرجل المريض الذي يحاولون سرقته بشهادة وفاة مزورة، وبعد العملية الأولى التي استغرقت عشر حلقات استمر المسلسل بقوة الدفع الذاتي لجاذبية الشخصيات، ولهذا تراجعت عمليات النصب نفسها إلى خلفية العمل، ورأينا عملية الحضانة الدولية ومحل بيع السيارات ومحلات المجوهرات تتم بسرعة في مقابل فرد مساحات أكبر لعلاقة عمر وسكر، وحكاية حب حمادة من طرف واحد لنادية شقيقة سكر، وخطوبة نادية لشخص آخر، وهذا الاسترسال جعل الحلقات العشر الثانية عادية مقارنة بالحلقات الأولى الأكثر إخلاصاً لتيمة العمل وهى النصب والاحتيال والمغامرات.
الكاميرا داخل وخارج الوكر
من العناصر المُلفتة في المسلسل التصوير الخارجي واختيار أماكن التصوير الداخلي بعيد عن ديكورات الاستديوهات المُستهلكة، وكان ذلك من أبرز عناصر تحقيق المصداقية؛ فالتصوير الخارجي كان مُوظفاً بشكل جيد للغاية، ؛ فنرى اجتماع العصابة الأول في غرفة ضيقة فوق السطوح، ولاحقاً فى مخزن مهجور، ونعرف ملمح من ملامح عامل الديليفري حمادة، وهو يستمع لأغنية عاطفية في السماعات أثناء قيادته دراجته النارية في الشارع لتوصيل طلب، والمواجهة الأولى بين عمر وسكر كانت فى جراج، وفيلا عم غزال التي تحمل طراز الأربعينيات، ومنزل عمر الكلاسيكي الطابع في الزمالك، وبيت ماجى المودرن، وشقة سكر الشعبية، وكلها أماكن مُنتقاة بعناية، وكانت حوارات ومشاجرات العصابة في الوكر المهجور هى أكثر مشاهد العمل جاذبية، وكانت كاميرا "كريم نادر" ومونتاج "وسام الليثي" تعبر عن حالة صخب العصابة بلقطات رشيقة ومكثفة تصور الحالة الساخرة لحواراتهم العبثية داخل المكان الفوضوي.
ثغرة الماكياج
شخصية "ماجي- علا رشدي" جزء هام من الخطة؛ فهى خبيرة الماكياج البارعة التي يمكنها تغيير ملامح أعضاء العصابة حتى لا يمكن كشفهم أو التعرف عليهم، وهى التى تستطيع منحهم 100 وش لخداع الآخرين، ورغم هذا نرى الماكياج أضعف حلقات المسلسل؛ ويتفاوت مستوى خدع الماكياج من عملية لعملية، ماكياج عملية النصب على محال المجوهرات وتنكر "آسر ياسين" فى شخصيتي الضابط والزوج الملتحي المتدين ربما يكون الأفضل، ولكنه أقل في عمليتى البنك والحضانة، وكان في أضعف حالاته في ماكياج المحامي "شريف الدسوقي" والسيدة الأجنبية "نيللي كريم".
العمل لا يُعيد إختراع الدراما الكوميدية، لكنه يُعيد للدراما شكلها المُفترض؛ حيث تتحكم رؤية المخرج في تفاصيل العمل وأداء الممثلين وحركة الكاميرا، ورغم أن العمل يُقدم فكرة تقليدية ومُستهلكة درامياً مثل النصب، لكنه خلق دراما لطيفة ومرحة ومُختلفة عن كل الأعمال الكوميدية السطحية الحالية التى فشل مُعظمها في الخروج من قوقعة الافيهات السمجة والحبكات الساذجة وكتابة الإسكتشات البعيدة عن روح كتابة الدراما الكوميدية.