"وداعاً شويكار"..النصف الحلو لثنائي الحب والكوميديا في السينما والمسرح!
لا يستطيع أحد الحديث عن "شويكار" (1938-2020) دون ذكر "فؤاد المهندس"، والعكس صحيح تماماً، والسينما المصرية تحفل بثنائيات فنية صنعت أعمالاً خالدة، لكنها لم تصل إلى جاذبية ثنائي "شويكار" و"فؤاد المهندس"؛ وقد قدما معاً أعمالاً بديعة في السينما والتليفزيون والمسرح والإذاعة، وتزوجا في الأفلام وفي الواقع أيضاً، وعاشا معاً تحت سقف بيت واحد، وإختلط لدى الجمهور الخيط الرفيع الذي يفصل بين حكايات الأفلام الخيالية، وواقع الحياة الزوجية الحقيقية، ورغم أن علاقتهما في الواقع إنتهت بالطلاق، عام 1980، بعد زواج استمر 18 عاماً، لكن ظل زواجهما على الشاشة أبدياً، وحينما رحلت "شويكار" عن الحياة بعد صراع مع المرض، قال البعض أنها رحلت إلى "فؤاد المهندس"، رفيق العمر والفن.
ثنائي الفن والحياة
كانت "شويكار" فتاة عشرينية أرستقراطية جميلة خفيفة الظل، تقضي وقتها وسط صديقاتها في نادي سبورتنج بالأسكندرية في حقبة الستينيات، وهناك تم إكتشافها كوجه متمرد وجميل صالح للوقوف أمام الكاميرا، وكانت تتمتع بالثقة وقوة الشخصية، وهى مواصفات تؤهلها لتكون ممثلة أدوار الحب والشر أيضا، وفي بدايتها الفنية قدمت أدوار صغيرة رومانسية، منها دور مضيفة الطيران التي كانت تحب الطيار "عمر الشريف" من طرف واحد، وذلك في فيلم "حبي الوحيد" إنتاج عام 1962، واستعان بها المخرج البريطاني "جورج ويلا" في دور صغير في فيلم Cairo إنتاج 1963، وكان الفيلم بطولة "جورج ساندرز" و"فاتن حمامة" ومجموعة كبيرة من نجوم السينما المصرية، وحينما رآها المخرج "فطين عبد الوهاب" وجد فيها بذرة فنانة كوميدية مختلفة، وقدمها دور "كريمة" التي تُدبر خطة إنتقام من "رشدي أباظة" مع زوجاته السابقات في فيلم "الزوجة 13"، وإستعان بها "فطين عبد الوهاب" لاحقاً في أدوار صغيرة في أفلام "عروس النيل" و"صاحب الجلالة". في تلك المرحلة وقفت "شويكار" أمام "فؤاد المهندس" كبطلة لمسرحية "أنا وهى وهو"، وحدث بينهما إستلطاف وتم زواجهما، وأصبحا أكبر ثنائي فني مضمون النجاح في السينما والإذاعة والمسرح.
سنوات التوهج والتألق
لم تكن ملامح "شويكار" ذات الأصول التركية الشركسية تؤهلها لدور بنت البلد، ولكن موهبتها تجاوزت ذلك الحاجز، وقدمت مثلاً دور الزوجة الشعبية سليطة اللسان في فيلم "أرض النفاق"، وكان غريباً أن تقبل تجسيد دور امرأة شريرة، وتتخلى عن النمط التي إعتاده الجمهور في أدوارها الثنائية مع "فؤاد المهندس"، وهو الفتاة الأرستقراطية الجميلة المُدللة، التي تنطق الكلام بلكنة غريبة مُحببة، وهى الشخصية التي جسدتها في عدد كبير من الأفلام، وصنعت "شويكار" مع "فؤاد المهندس" عشرات الأفلام الكوميدية الخفيفة من أشهرها "مُطاردة غرامية" و"أجازة غرام" و"العتبة جزاز" و"سفاح النساء" و"غرام في أغسطس" و"عريس بنت الوزير" وغيرها، وقدم ثنائي "شويكار والمهندس" عشرات من المسلسلات الإذاعية التى كانت تُبث غالباً كحلقات يومية في شهر رمضان، وتحولت لاحقاً إلى أفلام مثل "شنبو في المصيدة" و"انت اللي قتلت بابايا"، وهناك كنز إذاعي يضم العديد من الأعمال الكوميدية لثنائي "شويكار والمهندس" لم تُخلدها السينما مثل "عشان سواد عنيها" و"دليلة والفك المفترس" و"إجري إجري" و"خميس وجمعة"، ولها أعمال أخري لم تجمعها بـ"فؤاد المهندس"، مثل المسلسل الإذاعي "أشجع رجل في العالم" مع "أمين الهنيدي"، وكانت بطلته حينما تحول إلى فيلم سينمائي.
خفوت النجومية
رغم شهرتها الطاغية كممثلة كوميدية، إلا أنها قدمت عدد من الأدوار الميلودرامية وأدوار الإغراء البعيدة عن أسلوبها الكوميدي الشهير فى الأداء؛ فلعبت في الستينيات دور الفتاة اللعوب التي تتودد إلي لاعب كرة شهير في فيلم "حديث المدينة"، وقدمت دور الموديل الحسناء التي تتورط في علاقة مع رسام ومع مسؤول سياسي كبير في فيلم "فتاة شاذة"، وتتخلي "شويكار" عن جمالها وتُجسد دور فتاة مُعقدة بسبب ملامحها التي تعتقد أنها غير جميلة، وظهرت في الفيلم بأنف ضخم في فيلم لا يُعرض كثيراً على الشاشات هو "الرجال لا يتزوجون الجميلات"، ولا ننسى دور "قرنفلة" صاحبة المقهى الذي كان يرتاده مجموعة من طلبة الجامعة الثوريين في فيلم "الكرنك"، وتكاد تخلو قائمة أعمال "شويكار" في حقبة السبعينيات والثمانينيات من الأدوار الكوميدية؛ فعملياً توقف ثنائي "شويكار والمهندس" عن صناعة المزيد من الأفلام الكوميدية الخفيفة مع بدايات السبعينيات، وتم الإنفصال بينهما كزوجين في بداية الثمانينيات، ومنذ ذلك الوقت شاركت "شويكار" في العديد من الأفلام البعيدة عن الكوميديا، أغلبها أدوار مساعدة وصغيرة مثل أدوارها في "النداهة" و"الأخوة الأعداء" و"دائرة الإنتقام" و"طائر الليل الحزين"، و"السقا مات"، و"الخبز المر"، و"أمريكا شيكا بيكا"، و"كلمني شكراً"، وفي التليفزيون شاركت في عدد من المسلسلات الهامة، منها "امرأة من زمن الحب"، و"هوانم جاردن سيتي"، و"بنت من شبرا"، وفي منتصف السبعينيات شاركت ببطولة المسرحية الكوميدية الكويتية "وأيضاً هالو دوللي" أمام الممثل الكويتي "عبد الحسين عبد الرضا"، وفي منصف الثمانينيات شاركت ببطولة مسرحية "الزيارة انتهت" أمام "محمود ياسين"، وقبل ذلك بعدة سنوات وتحديداً عام 1979 شاركت "فؤاد المهندس" بطولة مسرحية "إنها حقاً عائلة مُحترمة"، وكانت عودة فنية نادرة لهما، ولكنها لم تكن العودة الأخيرة، فبعد عشرة سنوات وقف ثنائي "شويكار والمهندس" على المسرح مرة أخرى لتقديم مسرحية بعنوان "روحية اتخطفت"، ولم تكن للعودة نفس ألق وبهاء مسرحياتهما الأقدم مثل "سيدتي الجميلة" و"حواء الساعة 12" و"أنا فين وإنتي فين".
تُمثل الراحلة "شويكار" نصف ثنائي كوميدي بديع ضمها مع "فؤاد المهندس"، هو الثنائي الأهم والأكثر مرحاً في تاريخ السينما والمسرح المصري، وتحتل "شويكار" بخفة ظلها الطبيعية وأدائها المتفرد وتلقائيتها الجذابة مكانة هامة في تاريخ الكوميديا النسائية في السينما العربية على مدار تاريخها.. سلاماً لروحها الجميلة وتحية لفنها الذي أمتعنا وسيُمتع الأجيال القادمة.