رحيل "شون كونري"..الممثل الذي تمنى قتل جيمس بوند!
قبل أن يصبح "جيمس بوند" الشهير، كان "شون كونري" في صباه وشبابه صبي فقير، والدته عاملة نظافة، ووالده سائق شاحنة، وقد عمل صغيراً في مهن مُتواضعة، مثل توصيل زجاجات اللبن للمنازل، وتلميع أكفان الموتى في دار للجنازات، ثم ترك المدرسة وإلتحق بالبحرية، ومارس رياضة ألعاب القوى، وكاد أن يُصبح لاعب كرة قدم، لكنه فضل الإتجاه إلى التمثيل، وعمل كومبارس بالمسرح، وشارك بأدوار صغيرة في بعض المسلسلات التليفزيونية الإنجليزية، ثم إنتقل للسينما في الخمسينيات وحقق بعض النجاح.
العميل السري الذي يكره المسدسات!
منحته حياة العمل بجد مُبكراً الكثير من الخبرة، وبعض الخشونة والإندفاع، وكان إنطباع "إيان فلمنج" كاتب ومُخترع شخصية جيمس بوند عنه سلبياً، حينما قابله أول مرة قبل تصوير فيلم Dr. No "دكتور نو"، ولم يُعجب به، وكان يُفضل أن يذهب الدور إلى الممثل "كاري جرانت"، ولكن "كونري" أجاد دوره إلى الحد الذي جعل كثيرون يرون فيه التجسيد الأفضل لشخصية "جيمس بوند" كما يجب أن يكون. المُدهش أنه نفسه لم يُحب شخصية "جيمس بوند"، وكان في الواقع يكره المسدسات، وطالب بحظر حملها، على الرغم من أنه كان يحملها طوال الوقت في مغامراته بأفلام "بوند".
لم يكن "شون كونري" الذي رحل عن عمر 90 عاماً يوم 31 أكتوبر هو أول "جيمس بوند" على الإطلاق، فقد سبقه الممثل "باري نيلسون" في تجسيد الشخصية في فيلم تليفزيوني عام 1954، ولكن"كونري" أول جيمس بوند يظهر على شاشة السينما، وربما يكون أفضل من نجح في تقديم جيمس بوند بمزيج أداء يجمع بين الجدية وخفة الظل، ودون أن تفلت منه خيوط الشخصية.
بعد خمسة أفلام جسد فيها شخصية العميل البريطاني 007 خلال الستينيات إكتفي من الشخصية، وضاق بضغوط نجاح السلسلة رغم أنها منحته الشهرة والمال الوفير، وتصدرت شباك التذاكر في العالم، ولكنه قرر تجسيد شخصيات أخرى في أعمال مُختلفة تُشبع طموحه الفني، وخلفه الممثل "جورج لازنبري" في أداء شخصية "بوند" ولكنه فشل في مهمته، وتعود الشخصية مرة أخرى إلى مطاردة "شون كونرى"، وبعد تجسيده فيلم أخر بعنوان Diamonds Are Forever "الماس إلى الأبد" قرر هجر شخصية بوند للأبد، ولم يغتر ببريق الماس، وإكتفى من مال "بوند"، حتى أنه منح كامل أجره من فيلم "الماس إلى الأبد" للأعمال الخيرية.
الهروب من جيمس بوند!
كلفه قرار هجر شخصية "جيمس بوند" العيش في بطالة فنية فترة من الزمن، بالإضافة إلى تدهور الأجر الذي كان يُعرض عليه، وبعد 12 عام من تمثيله "الماس إلى الأبد" عادت شخصية "بوند" تُطارده مرة أخرى، وكان عمره وقتها 53 عاماً، وقبل بطولة فيلم Never Say Never Again "لا تقل أبداً مرة أخرى" عام 1983، ولم يكن ملائماً عمرياً وجسدياً لمزيد من مُغامرات عميل المُخابرات البريطاني، ويتذكر "كونري" أنه كان يسير ذات مرة مُسرعاً بسيارته وطارده شرطي مرور عرفه بنفسه قائلاً: أنا السيرجنت "جيمس بوند"، ولم يكن الشرطي يمزح، فقد كان هذا إسمه بالفعل، وكانت تلك هى المطاردة الأخيرة بين "شون كونري" وأى "جيمس بوند"، فقد توقف نهائياً عن أداء شخصية العميل 007، وصرح للصحافة ذات مرة قائلاً: "لطالما كرهت هذا الملعون "جيمس بوند" وتمنيت قتله".
خارج عباءة شخصية "بوند" قدم "شون كونري" العديد من الشخصيات الملفتة التي تؤكد موهبته وجاذبيته كممثل أمام الكاميرا، وحتى أثناء مشاركته في سلسلة "جيمس بوند" شارك في عدد من الأفلام الناجحة، منها "مارني" إخراج "ألفريد هيتشكوك" و"شرائط أندرسون" إخراج "سيدني لوميت"، كما شارك في نسخة 1974 الشهيرة من فيلم "جريمة في قطار الشرق السريع" عن رواية "أجاثا كريستي".
الأوسكار الوحيد
في مُنتصف السبعينيات بدأ يُقدم دور الرجل الكهل، الذي يحمل خبرة الحياة وحكمة السنين، وقدم أفلام تحمل حركة أقل ودراما أكثر، وقدم عام 1976 شخصية روبن هود العجوز أمام "أودري هيبورن" في فيلم Robin and Marian "روبن وماريان"، وقام بدور الراهب الذي يُحقق في جرائم قتل غامضة تحدث داخل دير إيطالي في فيلم The Name of the Rose "إسم الوردة"، الذي أخرجه "جان جاك أنو" عن رواية "أمبرتو ايكو"، وقدم في فيلم The Wind and the Lion "العاصفة والأسد" شخصية شيخ قبيلة عربي يُدعى الريسوني يقوم بإختطاف عائلة إنجليزية ثرية في المغرب، والفيلم مأخوذ عن أحداث حقيقية جرت وقائعها فى بداية القرن العشرين.
فى فترة الثمانينيات بدأ ظهور "شون كونري" في الأدوار المساعدة، وشارك في بطولة فيلم من إخراج "برايان دى بالما" بعنوان The Untouchables بجوار "كيفن كوستنر" و"روبرت دى نيرو" و"أندي جارسيا"، وحصل على أوسكار التمثيل الوحيد في حياته عن دور الشرطي الصارم الذي يشارك في فرقة لمحاربة عصابات آل كابوني، وشارك لاحقاً في العديد من الأدوار الثانية الشهيرة، منها دور البروفيسور هنري جونز في سلسلة أفلام "إنديانا جونز"، وعاد للبطولات في أعمال إثارة وجاسوسية أكثر هدوء من مغامرات "جيمس بوند"، منها القبطان الروسي في فيلم "مُطاردة أكتوبر الأحمر"، و"المنزل الروسي"، وقدم دور الملك في "الفارس الأول"، وفي التسعينيات قدم أدوار حققت شهرة كبيرة، منها Entrapment "فخ" مع "كاثرين زيتا جونز"، وفيلم The Rock "الصخرة" بمشاركة "نيكولاس كيج"، وإختتم مسيرته أمام الكاميرا عام 2003 بفيلم الخيال العلمي The League of Extraordinary Gentlemen.
"شون كونري" أيقونة في عالم السينما، وقد أسست سلسلة أفلام "جيمس بوند" التي جسدها ما يُعرف حالياً بأفلام الإنتاج الضخم (Blockbuster)، التي تُحقق رواجاً وأرباحاً هائلة في شباك التذاكر، ونجاحه الأهم كان في قدرته على التألق والجاذبية على الشاشة خلال مراحله العُمرية المختلفة.