في عام الكورونا..المنصات الرقمية تكسر الشكل التقليدي للمسلسل العربي !
يقترب عام 2020 من نهايته، ولا زالت أثار جائحة الكورونا تُربك صناعة السينما والتليفزيون، عربياً وعالمياً، ولكن يُمكن أن نُلاحظ التراجع النسبي لعدد الأفلام العربية المعروضة في السينما، في مقابل ازدهار مشاهدة المسلسلات العربية على المنصات الرقمية مثل "شاهد" وWatch It ، ونتفليكس، لم تتضح بعد تأثيرات المنصات الرقمية على الإنتاج الدرامي العربي، ولكن هناك مؤشرات تطرح نفسها لتغييرات تدريجية على ملامح الدراما، ويشكل خاص المسلسلات، وقد يبدو الوسيط الرقمي مجرد واجهة جديدة لعرض المسلسل والفيلم كما خطط له صُناعه، ولكن الواقع يؤكد أن الوسيط الجديد قد يفرض شروطه، خاصة حينما يبدأ في انتاج أعماله الأصلية، فطبيعة المشاهدة وجمهور المنصات يحتاج إلى أعمال لها مواصفات تختلف عن الشكل التقليدي الذي تتبعه المسلسلات عادة، وهذا ما نلاحظه في مسلسلات أخيرة من نوعية "نمرة اتنين" على منصة “شاهد VIP”، أو الأعمال ذات الحلقات المحدودة التي بدأت منصة Watch It فى عرضها مثل "شديد الخطورة".
ما بعد الـ30 حلقة!
لا يزال المسلسل العربي مُتمسك بقالب الثلاثين حلقة، وهو قالب رمضاني يعتمد على توزيع الحكاية على عدد أيام الشهر، ورغم خروج بعض أعمال الدراما التليفزيونية من زحام العرض الرمضاني، ونجاح فكرة العرض خارج هذا الموسم فقد تمسك صُناع الدراما بقالب الثلاثين حلقة، ويعود ذلك لأسباب تتعلق بأجور النجوم، والإعلانات، وبيع المسلسل للفضائيات، ولكن المنصات تحررت من تبعية الإعلانات، وتبع هذا التحرر من قالب الثلاثين حلقة الذي أصاب المسلسل الدرامي بالترهل والبطيء، ومنحت نجوم الصف الثاني بطولات، وبدأ إنتشار المسلسل الذي لا يتجاوز عشر حلقات، ورغم أن هذا القالب ليس جديداً على الدراما العربية، لكنه اختفى مع بدايات الإنتشار الفضائي، وسيطرة شركات الإعلان على سوق الدراما، وضغوطها التي حولت المسلسل إلى مادة جذب للإعلانات وليس العكس، وخلقت قوانين للدراما تعتمد على حصر البطولة في عدد محدود من نجوم الصف الأول، وحينما تحرر المسلسل من تلك القيود بدأنا نشاهد أعمال أكثر تنوعاً ورشاقة، وكانت منصة "شاهد" النموذج الأكثر قدرة على نقل الدراما العربية من الشكل النمطي المكرر إلى قوالب غير مطروقة، وربما يكون مسلسل "نمرة اتنين" هو أكثر أعمال “شاهد VIP” خروجاُ على المألوف الدرامي العربي.
قلوب مختلفة ومُدن مُتنوعة!
"نمرة اتنين" مسلسل ينتمي إلى قالب مسلسل الأنثولوجي، وهذا المُطلح يطلق على أى عمل درامي تليفزيوني يقدم حلقات مُنفصلة من ناحية الحكايات والشخصيات والممثلين، ويجمع بين الحلقات وحدة الفكرة العامة والمضمون، وفي حالة "نمرة اتنين" نشاهد في حلقة حلقة قصة مُختلفة، والتيمة التي تجمع بين القصص هى العلاقات العاطفية التي ترتبط بشكل ما بثقافة المكان التي تدور فيه، وهذا شاهدناه في عمل مشابه هو مسلسل Modern Love "حب عصري"، الذي قدم عددم من قصص الحب المختلفة يجمع بينها أنها تدور في مدينة نيويورك.
بعد عرض الحلقات الأولى من "نمرة اتنين" نُلاحظ أنه يتناول العلاقات العاطفية خارج إطار الشكل الإجتماعي التقليدي. في الحلقة الأولى نرى تلك العلاقة في صورة نزوة في حياة البطل "عمرو يوسف" مع عميلة يُقابلها "صبا مبارك"، والنزوة تبدأ على خلفية الخلافات الحادة بين البطل وزوجته "نُهى عابدين"، وعُقدة النزوة هو مساحة الإختلاف بين عقلية البطل مُتحفظة وسلوك حبيبته المتحرر من قواعد العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الشرقي، وهذا الطرح الجريء يستمر في الحكاية الثانية التي تدور حول زوجة "نيللي كريم" تفوت طائرتها في بيروت، وتُسلي وقتها بعلاقة هاتفية مع رجل تعرفت عليه من خلال برنامج مواعدة.
في كلا الحكايتين البطولة للحوار والأفكار، ويُضيف الإخراج عنصر المكان كخلفية للأفكار وطبيعة العلاقات، ففي الحلقة الأولى "الناحية التانية" لا يمكن فصل طبيعة علاقة البطل وحبيبته وزوجته عن مجتمع "الجونة" الثري الذي يعيشون فيه، وفي الحلقة الثانية "اللي بيصير ببيروت" تتحفظ البطلة على مشاركة صديقاتها ليلة سهر بيروتية جامحة مع شاب لبناني، لكنها تُجرب مواعدة رجل من وراء مساحة الإنترنت الآمنة، والمفاجأة أنها تقع في غرام سحر شخصيته من مجرد الحوار الممتد بينهم لساعات متواصلة. المسلسل شارك في كتابته مجموعة من الكتاب منهم "سماء عبدالخالق" و"مريم نعوم"، وشارك مجموعة مخرجين في إخراج حلقاته منهم "طارق العريان" و"تامر محسن".
فضاء كبير وخيال محدود!
خرج مسلسل "في كل أسبوع يوم جمعة" بطولة "منة شلبي" و"آسر ياسين" عن إطار الموضوعات الرومانسية، فهو ينتمى للدراما النفسية وحبكته تعتمد على تيمة القاتل المتسلسل، وقد أخرج العمل "محمد شاكر خضير" عن رواية الكاتب "إبراهيم عبد المجيد"، وقد نجح العمل من خلال حلقاته العشر في تقديم دراما تشويق بوليسية جذابة، والمسلسل جزء من خطة منصة "شاهد" لتقديم أعمال أصلية ذات موضوعات مُختلفة، وتضم قائمة المنصة عدد من الأعمال التي تُحاول الخروج من إطار المسلسل الطويل، وجاء مسلسل "مملكة إبليس" إخراج "أحمد خالد موسى" وتأليف "محمد أمين راضي" ليجمع بين حواديت الحارة والخلفية الأسطورية للمكان، والمسلسل من جزأين، كل منهما 15 حلقة، وتُقدم "شاهد" في مسلسل "الحرامي" دراما عن لص يقتحم منزل أثناء غياب أصحابه، ولكن عودتهم المفاجئة تضطره للاختفاء في المنزل لعدة أيام، والمسلسل يدور في أجواء الكورونا والتباعد الإجتماعي، وكان حلقاته العشر مُكثفة، ولا يتجاوز زمن الحلقة 13 دقيقة، وهو قالب غريب على الدراما العربية.
واختارت "نتفليكس" في أول إنتاج مصري لها تقديم عمل مُختلف عن السائد في الدراما المصرية، وهو مسلسل "ما وراء الطبيعة"، وهو مسلسل قصير مكون من ست حلقات، وهو مأخوذ عن قصص الكاتب الراحل "أحمد خالد توفيق" ويصور مجموعة من الأحداث الخارقة للطبيعة التي يحاول طبيب مصري حل ألغازها.
هناك نماذج أخرى عديدة تؤكد أن الدراما التليفزيونية تُحاول الخروج من عباءة الشكل التقليدي للمسلسل، لكن يظل الخيال المحدود لصُناع الدراما عائقاً أمام تقديم المزيد من الأعمال المُختلفة والمتنوعة، وربما تدفع المنصات في هذا الإتجاه، بما تُقدمه من حرية وميزانيات إنتاج كبيرة، والكرة فى ملعب المبدعين، والمُغامرة بتقديم أعمال مُبتكرة، وكسر حواجز أفكار وأشكال الدراما التليفزيونية القديمة، والتحليق في رحاب الفضاء الرقمي الواسعة.