الفنانة التشكيلية السعودية فاطمة النمر لـ"هي": الهدف من رسالتي هو نقل صوت كل امرأة
من خلال الرسم على قطع السجاد، تعبر الفنانة التشكيلية فاطمة النمر عن المرأة وقضاياها وكل ما تحمله من حس جمالي وفكري في أعمال فنية تجسد بها الموروث الشعبي لمحافظة القطيف.
الرياض : فيصل البلال
تصوير: راكان الرحبي
في البداية نود أن نعرف من تكون فاطمة.
فاطمة فنانة تشكيلية من مواليد مدينة القطيف، بدأت رحلتي في الفن منذ عام 1999 ، اخترت الفن ليكون صوتا ورسالة للتواصل مع العالم، وهو نقطة بحث عن الآخر بداخلي وبداخل كل إنسان، ومجهرا لمجتمعي وبيئتي وثقافتي، فأنا مؤمنة بأن الفنان هو انعكاس لبيئته وتراثه ولكل ما يمتُّ إليه بصلة، فالفنان يتشكل بحسب ما يتجلى بداخله. والهدف من رسالتي هو أن أنقل صوت كل امرأة، وأحاول أن أتجرد من داخلي، وأعيشها في أعمالي، وأنقل صوت كل امرأة وأعايش القضايا وكل ما يتجلى في هذا العالم من خلال لوحتي وأعمالي ومشاركاتي الفنية ومتابعة الأبحاث الفنية ودراستها، لأصل إلى ما أريده في فلسفة الفن وتصوير المواضيع العالمية المهمة حول الجنس البشري والمرأة خاصة، والحرية بتصوير ذاتي بجميع أعمالي بفلسفة فكرية ومفاهيم معاصرة فهي رحلة صراع، هذه هي فاطمة النمر.
حدثينا كيف كانت بدايتك في عالم الفن التشكيلي.
بدأت مع الفن بتحرير شخصيتي وأنا طفلة من خلاله انطلقت إلى العالم، وخرجت عن الصمت لكوني شخصية مختلفة، وأعاني من رهاب اجتماعي في طفولتي، بدأت أمارس الفن كحياة، فمن خلاله أعبر عن أفكاري والحالات التي أمر بها، وأستطيع التواصل مع العالم، وقد طورت موهبتي بدراسة العديد من الورش والتخصصات الفنية، ومن بعدها بدأت مشاركاتي الفنية في المعارض الفنية والثقافية، ولكوني فنانة فضولية، أحببت الخامات وتنوعها، فأخذت بالبحث عن معالجة الخامات باختلافها، ومنها بدأت رحلة اكتشاف الآخر بداخلي من خلال دمج الخامات، وإعادة تدويرها، وخاصة كل ما يتعلق بتراثنا، وما يخص ثقافتنا وحضارتنا، وإعادة تدويره من خلال أعمالي.
تنوعت خطوط الإبداع في الرسم، ومن ضمنها الإبداع على السجاد، حدثينا لماذا اخترتِ الرسم على السجاد؟
استوقفتني فكرة وجود قطع السجاد بكل بيت بما تحويه، وأثارت فكري بما فيها من زخم جمالي ولوني من زخارف ونقوش، واستلهمت فكرة من التاريخ قديما، وهي أنه كان تقدم للملوك والسلاطين قطع السجاد الثمينة، لتخليد قصصهم بشكل منمنم متناسق، استلهمت الفكرة بتخليد قصص للنساء من الوطن، وتخليدها على لوحات من السجاد تحكي قصص الوطن وتاريخه في عمل واحد. ومن خلال هذا قدمت معرض ريحانة الذي أقيم برعاية الشيخ راشد الخليفة في جاليري فوليك في البحرين، ومن بعدها انتقل إلى كل من لندن وإيطاليا وكولومبيا ومصر والولايات المتحدة.
ما الأفكار التي تشكل أعمال الفنانة فاطمة النمر؟
أفكار مبنية من الفكر والعمق الإنساني من تراثنا وبيئتنا وثقافة الوطن، وكل ما يخص الإنسانية والمرأة، بما تحمله من حس جمالي وفكري، فالأفكار تنشأ من تجربة وقصص يمر بها الفنان حتى تُختزل بعمل تعود عليه كل التراكمات الفلسفية والفكرية بمكنون جمالي يحاكي روح المتلقي.
برأيك ما العلاقة بين الثقافة التي تشكل الإنسان والفن التشكيلي؟
الفنان ابن بيئته، فالبيئة هي التي تشكل الفنان، ومنها تتبلور ثقافته وفكره، ويبقى على الفنان تنمية هذا الحس بتغذيته الفكرية والبصرية، حتى يصل إلى ما يسعى إليه من إنتاج فني متميز ومختلف، فالإبداع هو خلق ما يميزك. بخيوط السجاد والريشة نقلتِ للعالم الموروث الشعبي لمنطقة القطيف، حدثينا عن تلك التجربة. تجربة مختلفة بما تحمله من رسالة شكر وامتنان لهذا البلد ولمنطقة القطيف التي تتميز بكثرة الفنانين والمبدعين والمثقفين بها، فنقل الصورة ولو بسيطة للعالم عن مكنون الجمال والبيئة عن طريق الفن وما هو إلا مرايا توجه أنظار العالم إلى ما تحمله من مكنونات ثقافية وإرث حضاري، فهناك الكثير من النساء اللاتي استحققن تخليد سيرهن في تلك المنطقة، وكان لهن دور كبير في تغيير وتحويل فكر وثقافة أبناء المنطقة، ومحاولة إبراز أهم ما يتجلى من جمال وفلكلور وطقوس منطقة القطيف، وأسماء الشخصيات من المنطقة، مثل "أم الخير"، و"المعلمة” و"الشيخة” و"الحبابة” والثقافة، وغيرها من الشخصيات التي استغرقت في رحلة البحث ثلاث سنوات، لأخرج بهذه الأعمال التي توثق وتخلد سيرهن عبر العصور، ومازلت أسعى إلى إبراز شخصيات لها دور من خلال هذا المشروع ورحلة بحث لا تنتهي، فأنا أؤمن بأنه طالما هناك عطاء هنالك من يستحق أن يخلد.
حدثينا عن رحلتك التي استمرت ثلاث سنوات في اكتشاف أهم الشخصيات النسائية في منطقة القطيف.
حاولت أن أبرز منطقتي بشخصيات نسائية من حقبة الخمسينيات والستينيات والثمانينيات، فكانت رحلة البحث بالتواصل مع أهاليهن والشخصيات التي عاصرتهن، وسعيت لأجسد الشخصيات باللباس والرموز التي يمتازون بها من الكلمات، في قطع فني من خلال السجاد، لتكتمل اللوحة بتميزها بخامات من قطع السجاد المماثل للقطع الموجودة في منازل تلك الشخصيات النسائية الشهيرة. من الشخصيات في منطقة القطيف شخصية "أم الخير"، وهي المرأة الكبيرة التي تساعد الفقراء، وتسعى لعمل الخير بكل ما تستطيع فعله، وأيضا شخصية "السفافة"، وشخصية "الملاية" المختصة بالفقه والدين، فجميعها شخصيات تاريخية في منطقة القطيف عملت على تجسيدها في أعمال فنية.
تعد فاطمة النمر هوية فنية مختلفة الطابع، حدثينا عن مصدر إلهامك الذي خلق تلك الهوية.
مصدر إلهامي دائما هو كل قضية أو قصة أو حالة أمر بها، وأجسدها في عمل يختزلني باعتباري فنانة في عملي، فأنا أجرد نفسي من خلال ريشتي وأفكاري حتى تصل إلى المتلقي بعمق أحاول أن أترجمه.
ما الذي تسعى له فاطمة النمر من خلال أعمالها؟
دائما أقول إن الفن هو رمز الحضارات، ومن خلال فني أحاول أن أبرز الفن السعودي، ليصبح الفن السعودي أيقونة عالمية يتحدث عنها الجميع، وليس فقط من خلال فنوننا، بل من خلال ثقافتنا وحضارتنا، والجزيرة العربية شهدت العديد من الثقافات، ونحن نمتلك مخزونا عالميا من تلك الثقافات والفنون. وترتبط عاداتنا وتقاليدنا بالفنون، فالإنسان يمتلك مواهب مختزلة به في داخله يمارسها بشكل يومي، ومحاولة إبراز أهم ما يميز الثقافة من جماليات، والثقافة الإسلامية من النقوش والزخارف، والزخم الفني من خلال إبراز معالم وحضارات المنطقة كمدائن صالح، وغيرها من الحضارات التي كانت في الجزيرة العربية قبل الميلاد. لذا فالفن هو مرآة لتخليد ما تملكه المملكة من تلك الحضارات.
عام 2020 اختيرت مدينة الرياض عاصمة للمرأة العربية، برأيك ما مدى تأثير هذا القرار على المرأة السعودية؟
نحن الآن في عصر تمكين المرأة في جميع المجالات، وأسعدنا صدور قرارات عدة، من بينها "الرياض عاصمة للمرأة العربية"، ومن بعدها أتت قرارات عدة أثبتت ذلك، وتعيين نساء في مناصب وزارية وثقافية مهمة، وكان آخر قرار أسعدنا كثيرا، وهو قرار تعيين ثلاث فنانات في مجلس الشورى، هذا يعني أن هناك بنية تحتية قوية للفن تبنى من خلال هذا القرار الذي سوف يكون له أثر في السنوات القادمة، ومن بعدها وضع قرارات عدة لتخصيص وزارة ثقافة وتخصيص هيئات فنية، وإنشاء متاحف، وجعل الفن أهم وجهة سياحية في المملكة، وما يدعو إلى الفخر أن هنالك حضارة تقوم من خلال بناء الفن، ومن خلال هذا الفن يخلد الوطن.
ما الرسالة الرئيسة التي تحاولين نشرها من خلال فنّك؟
فني يحمل رسالة التعايش الفكري والثقافي في العالم، فلا يوجد أجمل من الإحساس بالفن، وتسخيره ليكون رسالة لمحو كل تلك الفوارق الفكرية والعنصرية والمجتمعية، وتسليط الضوء في المقابل على إنسانية الإنسان وجمال الفنون والتعايش معها.