"دعني لولدي".. فيلم تسبب في اعتزال "ليلى مراد" وأكملته "فاتن حمامة" ولم يُعرض أبداً!
حينما عُرض فيلم "الحبيب المجهول" في صيف 1955 لم تكن ليلى مراد التي تحل ذكرى ميلادها اليوم (17 فبراير 1918 - 21 نوفمبر 1995) تُدرك تماماً أنه أخر فيلم تقوم بتمثيله، وأن السينما بدأت تُدير ظهرها لها. كانت "ليلى" قد احتفلت بعيد ميلادها رقم 37 قبل عرض الفيلم بشهرين، وأدركت أنها لم تعد تلك الشابة التى تصلح لدور التلميذة والشابة الصغيرة، وكان للفيلم الغنائي في مُنتصف الخمسينيات نجومه الجدد، وفي نفس العام الذي عُرض فيه "الحبيب المجهول" عرضت السينما أربعة أفلام للمطرب الشاب "عبد الحليم حافظ" هى: "أيامنا الحلوة"، و"لحن الوفاء"، و"أيام وليالي"، و"ليالي الحب"، وكان "حليم" صاحب صوت عاطفي أحبته "ليلى مراد"، وفي المقابل كان "حليم" يحلم بفيلم يجمعهما معاً، وطلب منها ذلك أثناء لقائهما بالصدفة على شاطىء مدينة الإسكندرية.
فيلم عبد الحليم وليلى مراد!
في عام (1957) كانت "ليلى مراد" تُعد لألبوم غنائي جديد، وكان يضم أغنية لحنها الشاب "بليغ حمدي" وكتبها الشاعر "إسماعيل الحبروك"، وذهبت للإذاعة وسجلت مطلعها، وكان عنوانها "تخونوه"، وأثناء لقاء جمع "بليغ حمدي" وصديقه "عبد الحليم" تباهى الأول بالأغنية التي لحنها للمطربة الشهيرة، وغنى أمامه مقاطع منها، وأنصت "حليم" مبهوراً بجمال اللحن والكلمات، ووجد الأغنية ملائمة لأحداث فيلمه الجديد "الوسادة الخالية"، وطلب أن يساعده "بليغ" في إقناع "ليلى مراد" بالتنازل عن الأغنية لصالحه، ويُقال أن "ليلى مراد" وافقت بنُبل شديد، بل كتبت رسالة رقيقة إلى "عبد الحليم" تؤكد موافقتها الشخصية، وتنازلها عن كافة حقوقها المادية والقانونية، وعبرت عن سعادتها البالغة بتقديم الدعم لنجم شاب في بداياته.
هذه الحكاية اللطيفة هى الرواية المُنتشرة عن كواليس الأغنية، لكنها لم تكن تُمثل كل الحقيقة، ولم تكن "ليلى مراد" سعيدة تماماً، بل رُبما كانت غاضبة وتشعر بمرارة كبيرة حتى أنها قررت اعتزال السينما للأبد، وهذا حسب كلماتها في حوارها مع الممثل والمذيع "سمير صبري"، وقد نشرها في كتابه الذي صدر مؤخراً بعنوان "حكايات العمر"، ويحكي فيه على لسان "ليلى مراد" بعد سنوات من وفاة "عبد الحليم" كيف عرض عليها المنتج "رمسيس نجيب" بطولة فيلم بعنوان "دعني لولدي" أمام "عبد الحليم"، وقد وافقت على الدور ووقعت عقد الفيلم، وذهب "عبد الحليم" وصور بعض المشاهد الخارجية في إيطاليا، وتقول "ليلى" بتأثر: "ثم حدث موقف جعلني أترك الفيلم والفن كله".
حقيقة أزمة أغنية "تخونوه"!
الموقف المقصود يتعلق بأغنية "تخونوه"، ونقل "سمير صبري" عن "ليلى مراد" روايتها التي تؤكد فيها أن الأغنية لحنها "بليغ" لتغنيها ضمن أحداث فيلم "دعني لولدي"، وسمعها "عبد الحليم" بالصدفة، وتمسك بها، وأصر أن يغنيها في فيلم "الوسادة الخالية"، وهدد "رمسيس نجيب" بعدم استكمال الفيلم لو لم يحصل على الأغنية، ولم يكن هناك من يستطيع رفض طلب لعبد الحليم، وعلمت "ليلى مراد" بالصدفة برعبة "عبد الحليم" الشديدة في الحصول على الأغنية.
شعرت "ليلى مراد" بالأسى وقالت في لحظات تخففت فيها من صمتها وتحفظها: "صعبت علىً نفسي جداً..الأغنية كانت عجباني..وكنت أنتظر أن يستأذن عبد الحليم مني على الأقل، قبل أن يأخذ الأغنية، وكنت سأوافق..لكنه لم يفعل".. وأكدت أنها لم تستسغ ما حدث ولم ترض عنه أبداً، وأضافت: "أنا قلت لروحي أنا مش عاوزة وجع دماغ..ولا مشاكل..وتركت الفيلم والفن كله".
هذه الرواية تتناقض مع كل الروايات الأخرى المُنتشرة على الإنترنت، وفي الصحف القديمة، وحتى رواية "بليغ حمدي" المسجلة تليفزيونياً.
قصة واحدة وأفلام عديدة!
بدأت قصة "دعني لولدي" أثناء تصوير فيلم "الوسادة الخالية" إنتاج "رمسيس نجيب"، عن قصة قصيرة للكاتب "إحسان عبد القدوس"، وكان "عبد الحليم" يُعد لفيلمه القادم مع "رمسيس نجيب"، وكان مُعجباً بقصة قصيرة أخرى من قصص "إحسان عبد القدوس"، وكانت بعنوان "دعني لولدي"، وهى عن علاقة بين شاب وامرأة تعاني إهمال زوجها، رجل الأعمال المشغول بعمله دائماً، وتقضي إجازة في "فينيسيا" بإيطاليا بصحبة ابنها وعمره تسع سنوات، وهناك تبدأ شرارة الحب بين الزوجة والشاب، ولكن غيرة الإبن الصغير تكون عقبة أمام تلك العلاقة، وكانت "ليلى مراد" مُرشحة لدور الزوجة أمام "عبد الحليم" الذي يقوم بدور الشاب الذي يقع في غرام امرأة تكبره في العمر.
تسبب اعتذار "ليلى مراد" في توقف مشروع الفيلم، وربما تغيير بعض تفاصيله، حتى تناسب المرشحات الجدد لبطولته؛ مثل "سعاد حسني" و"زيزي البدرواي" و"لبنى عبد العزيز"، ولكن المعوقات كانت توقف تكملة التصوير، وتكرار مرض "حليم" حتى أسند "رمسيس نجيب" بطولة الفيلم إلى "أحمد رمزي" و"فاتن حمامة"، وتم الإتفاق على ظهور "عبد الحليم" كضيف شرف، وربما يكون في شخصية الزوج المشغول بعمله عن زوجته، وما يؤكد هذا الشكل النهائي للفيلم وجود أفيش (ربما غير نهائي) بصور وأسماء الأبطال المذكورين، ولقطات من مواقع تصوير مختلفة في إيطاليا تضم "فاتن ورمزي"، ومن الغريب أن الأفيش يذكر أن القصة لكاتب إيطالي وكذلك السيناريو، وموجود أيضاً اسم "إحسان عبد القدوس".
قصة الفيلم شبيهة للغاية بقصة للكاتب النمساوي "ستيفان زفايج" بعنوان "السر المُحترق"، وقد حولتها السينما المصرية إلى فيلم بعنوان "جنون الحب"، أخرجه "نادر جلال" عام 1977، وكان بطولة "نجلاء فتحي" و"حسين فهمي"، وقام بدور الطفل الغيور على أمه الممثل الطفل –وقتها- "خالد أبو النجا".
لم يُستكمل فيلم "دعني لولدي" أبداً، وتولى "رمسيس نجيب" إخراج مشاهده، وهو على الأغلب في حوزة ورثته، وأتمنى أن يتم إعداد هذه المشاهد للعرض في أى مناسبة سينمائية قادمة.