فيلم "Luca" ..حكايات "ديزني" و"بيكسار" اللطيفة عن العائلة والصداقة والفسبا الإيطالية !
تُحاول شركة "ديزني" جاهدة إعادة جمهور السينما إلى قاعات العرض، في وقت لا زال خطر وباء "كورونا" يُلقي بظلاله الكئيبة على كل الأنشطة الإجتماعية التي تتطلب تجمعات بشرية، وقد نجحت بالفعل في تحقيق قدر معقول من الإيرادات في فيلم "رايا والتنين الأخير" Raya and the Last Dragon الذي قدم حكاية أميرة صغيرة تذهب في مهمة خطيرة للقضاء على لعنة أصابت والدها وأهل بلدتها وحولتهم إلى تماثيل، ولم يكن الفيلم على درجة التوقعات فنياً، وأسوأ ما فيه هو لعنة الصوابية السياسية التي حولت أميرات ديزني من شخصيات حالمة بسيطة إلى مُقاتلات مثل (مولان) وشريرات مثل (كوريلا)، ولاعبات فنون قتالية مثل (رايا)، ولكن يأتي فيلم "لوكا" ليعيد ديزني على مسار افلام الأنيميشن اللطيفة، ويُقدم من خلال قصة بسيطة حكاية صبي صغير وصديقه، وهما يُحاولان إكتشاف العالم من حولهما.
التعايش مع الآخر!
الفيلم يجمع مرة أخرى بين "ديزني" العملاق الكلاسيكي، وشركة "بيكسار" التي كسرت قواعد وتقنيات فيلم الأنيميشن الكلاسيكية، وقد تم إنتاجه بصعوبة بالغة في ظروف "كورونا"، وقام الممثلون بالأداء الصوتي للفيلم من منازلهم، وعلى عكس ما فعله الممثلون يحاول "لوكا" الشخصية بطلة الفيلم الهروب من المنزل الآمن، وإكتشاف العالم المُحيط به، و"لوكا" كائن بحري يعيش في أعماق البحر بالقرب من بلدة إيطالية ساحلية، ويُطلق البشر على الكائنات من نوعية "لوكا" وحوش البحر، وتُحيط عائلة "لوكا" من وحوش البحر صغيرها بكثير من الرعاية والتحذيرات، والحياة النظامية الصارمة، وتمنعه من الإقتراب من الشاطيء، ومن البشر بشكل خاص؛ فهم وحوش آدمية تحاول صيدهم دائماً.
رسمت "بيكسار" الوحوش البحرية بصورة لطيفة للغاية، وهو أمر يجعل تسميتها بالوحوش البحرية غريباً، وهذا مقصود تماماُ؛ فهذه الكائنات البحرية اللطيفة مًسالمة للغاية، ولا تؤذي البشر على الإطلاق، ولكن الخرافات البشرية شيطنتها، وصورتها بصورة مُخيفة في أعين البشر، وجعلت صيدها واجباً وضرورة. أحد الشخصيات البشرية يظهر بيد مبتورة، ويدعي أن وحش بحري إلتهم ذراعه أثناء رحلة صيد، ولكن يعود لاحقاً ويقول أنه كان يمزح، وفي الواقع أنه وُلد هكذا.
البحث عن المغامرة!
ينطلق الفيلم من علاقة صداقة تنشأ بين "لوكا" و"ألفريدو"، والأخير أكبر سناً وأكثر ثقة وإقدام من الصغير "لوكو"، وهو ككُل وحوش البحر بالفيلم يتحول إلى بشر حينما يخرج من المياه ويجف جسده، وعلى عكس "لوكا" الخائف من الإقتراب من سطح الأرض يجد "ألفريدو" جنته في جزيرة منعزلة يجمع فيها بقايا أشياء من صُنع البشر من الأعماق؛ مثل جهاز الموسيقى، والمجلات، وصور الدراجات النارية، وبخاصة نوعية "الفسبا" الإيطالية التي يحلم بقيادتها، والفيلم يدور في بيئة إيطالية، ويُقدم شخصيات قرية صيد من ثقافة المدن الصغيرة في البحر الأبيض المتوسط؛ فنجد الفتاة العنيدة "جوليا" التي تُحاول منافسة الأولاد، والصبي اللئيم المُتنمر الذي تتبعه مجموعة تُطيعه خوفاً من بطشه، والسيدات العجائز اللذين لا يعجبهم شىء، والرجال المتحمسون دوماً للصيد والدفاع عن البلدة من وحوش البحر.
يحتوي الفيلم على ملامح من أعمال شهيرة لديزني؛ مثل "ليتل ميرميد" The Little Mermaid، وفيه تستطيع عروس البحر "آريال" التحول إلى فتاة بشرية، و"البحث عن نيمو" Finding Nemo وهو يُصور حكاية السمكة "نيمو" وضيقها بالحماية المفرطة من عائلتها، و"كوكو" Coco الذي صور صبي يتمرد على قواعد عائلته الصارمة ويذهب في رحلة لتحقيق حلمه في الموسيقى، وكلها أعمال تُركز على العلاقات العائلية والأحلام الشخصية.
في "لوكا" يعيش اليتيم "ألبرتو" في عالم خيالي، وحيداً على جزيرة، وسط مُقتنيات بشرية يُعاملها مثل كنز، ويجد "لوكا" في صديقه الجديد وسيلة للمغامرة والمعلومات المثيرة عن عالم البشر ودراجات "الفسبا" المفتون بها، والتي تشير إلى الرغبة في الحرية والإنطلاق، وحينما يُقررا الذهاب إلى البلدة القريبة والإندماج وسط البشر، تأخذ مُغامراتهم شكلاً جذاباً يجمع بين المواقف الضاحكة نتيجة مُحاولات الصديقان إخفاء هويتهما، والتصوير البديع للبلدة الإيطالية وثقافتها الشعبية.
وحوش لطيفة وخرافات بشرية!
نجد في خلفية المدينة الإيطالية بالفيلم أفيش فيلم "أجازة رومانية" Roman Holiday إنتاج 1953، بطولة "أودري هيبورن" و"جريجوري بك"، وإخراج "ويليام وايلر"، وهى إشارة لفيلم تأثر به كُتاب سيناريو "لوكا"؛ فهو عن أميرة تُخفي هويتها وتُحاول الإندماج وسط الناس في روما، وتلتقي بالصدفة بصحفي تتجول معه في المدينة وتقوم بتجربة قيادة "الفسبا" بنفسها في شوارع روما، وهو الفيلم الذي إقتبست من السينما المصرية فيلم "يوم من عمري" إنتاج عام 1961 وكان من بطولة "عبد الحليم حافظ" و"زبيدة ثروت".
يحمل "لوكا" الكثير من الإسقاطات على الواقع الإنساني لكل العصور، وفي خيطه الدرامي الأساسي نرى في العلاقة بين البشر وما يسمونه وحوش البحر شكل من أشكال العداوات المُصطنعة نتيجة الإختلافات والخرافات وتراكم الصراعات، وتأتي المواقف التي تًصور الإحتكاك بين العالمين لتبرز تهافت كل الخلفيات السلبية؛ فلا يوجد فرق جوهري بين الطريقة التي يحمي بها الكبار صغارهم في أعماق البحر أو على سطح الأرض، وكلاهما يخشى الأخر لأسباب غير حقيقية، تغذيها الكراهية والتعصب والصور النمطية لشيطنة المختلفين.
الفيلم يُجسد تعاون شركتي "ديزني" و"بيكسار"، وأخرجه "إنريكو كازاروزا"، ورغم إنه لا يُقدم عملاً مُبتكراً على مستوى الفكرة لكنه يصوغ فكرته ببساطة وجاذبية على مستوى الرسوم والألوان والروح الكوميدية للسيناريو، ويبتعد كثيراً عن الأفلام التي تروج لنظريات الصوابية السياسية التي أصبحت تنافس وباء كورونا في تدمير روح الدراما وإنسانيتها.