المستشارة القانونية ديانا حمادة لـ "هي": ثقتي بالقضاء كبيرة ولدينا في الإمارات نظام قضائي متميز
إعداد: "سڤانا البدري" Savanah Al Badri
تصوير: "محمد فوزي" Mohammed Fawzi
ديانا حمادة، محامية مترافعة ومستشارة قانونية من الطراز الرفيع، أحبت أن تمتهن الإعلام في بداية مشوارها المهني، لكن الأقدار أهدتها مهنة القضاء، لتتمكن من إيصال صوتها، وتحقيق العدالة على كوكب الأرض. تمكنت ديانا مع زميلاتها في ميدان القضاء في دولة الإمارات من كسر المعادلة التقليدية، إذ لم يعد القضاء والقانون مهنة حكرا على العنصر الرجالي كما كانت سابقا. وتفخر بأنها تخرجت في كلية الشريعة والقانون، حيث درست الشريعة الإسلامية، والتي تصفها بأنها قواعد إلهية صالحة لكل زمان ومكان.. شخصية استثنائية بحضورها القوي ولباقتها، ويُشهد لها بالمقدرة والجدارة، فهي من أوائل النساء الإماراتيات التي أهّلها لقبها للتمتع بحقوق الترافع أمام جميع المحاكم في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ديانا حمادة لبنانية الأصل، ولدت ونشأت في الإمارات. هاجرت عائلتها في الستينيات من القرن الماضي إلى دولة الإمارات التي تصفها بالقول: "إن كان لبنان أبي، فإن أمي الإمارات التي ربتني وعلمتني وحضنتني". ورثت مهنة المحاماة عن والدها المحامي محمد حسني حمادة، من الجيل الأول في القضاء الاماراتي، وتشربت منه حب وعشق القانون في المنزل الذي ترعرعت فيه، وورَّثته لابنتها التي تسير اليوم على خطاها في مهنه المحاماة. تخرجت في كلية الشريعة والقانون في جامعة الإمارات، وأكملت دراستها العليا في المملكة المتحدة، وحصلت على الماجستير في القانون التجاري.
لعبت المحامية ديانا حمادة دورا بارزا ومهما في سَنِّ بعض القوانين في دولة الإمارات، وأوصلت صوتها للقضاء الأعلى الذي تقول عنه: "ثقتي بالقضاء كبيرة، لدينا قضاء في الإمارات لا مثيل له في المنطقة". تقلدت مناصب عديدة، ولعبت دورا مهما في تشريع بعض القوانين، وأسهمت في سن القوانين والتشريعات، لإنصاف المرأة الإماراتية، وضمان حقوقها. مجلة "هي" التقتها لتحدثنا عن أهم المحطات في حياتها المهنية، وأهمية القضاء في تحقيق العدالة الإنسانية.
كيف تصفين مهنة المحاماة والقضاء؟ وما الذي يستهويك فيها؟
المحاماة مهنة حرة، تشارك السلطة القضائية في استظهار الحقائق لتحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون. وما يستهويني فيها هو أنها مهنة قائمة على تقديم المساعدة للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين في الدفاع عن حقوقهم، وإرشادهم وفقا للقوانين المعمول بها إلى كيفية تنظيم وإدارة شؤونهم المالية والمهنية.
- القضايا الإدارية المدنية والأسرية كانت أساس تخصصك، ولكنك توسعت بعد ذلك إلى التخصص الحالي؟
التقاضي يشكل الجزء الأكبر من عمل المكتب اليوم، وما زلنا نمثل موكلينا في جميع القضايا المدنية والتجارية، وإن كنت شخصيا أفضل المثول أمام القضاء والترافع. حاليا اخترت التركيز على القضايا العمالية والأسرية، ولكننا توسعنا مؤخرا في مجال الإدارة والإرث، والذي كان تخصصا مقتصرا على مكاتب المحاماة الدولية في السابق.
- شاركتِ مع مركز دبي المالي في سن القوانين فيما يخص قانون الوصايا لغير المسلمين؟ ماذا يتضمن التشريع الجديد، وتحديدا ما يخص إرث الطفل؟ بمَ يختلف عن القانون الخاص بالمسلمين؟
جاءت مشاركتي في إعداد قانون الوصايا لغير المسلمين في مركز دبي المالي بناء على دعوة من اللجنة التشريعية، وترجع إلى كوني أول من تحدث عن ضرورة إيجاد قانون خاص بغير المسلمين، لتنظيم إرثهم خارج اختصاص محاكم الأحوال الشخصية في الدولة، والتي أخضعتهم للشريعة الإسلامية. وكنت قد تناولت موضوع إرث غير المسلمين في مقال نصف شهري في جريدة الناشونال الصادرة باللغة الإنجليزية. فالقانون يعتمد فكرة حرية صاحب المال في اختيار الموصى لهم دون تدخل من المشرع في تحديد المستفيدين من الإرث. وهنا يكمن الفرق بينها وبين وصية المسلم التي لا تجوز الا بثلث المال ولغير الوارث. أما بالنسبة للطفل الوارث، فلا توجد فروق واضحة إلا فيما يتعلق بحق الحضانة. فبينما حدد قانون الأحوال الشخصية حق الولاية والحضانة للطفل بعد موت والده أو والديه، فإن قانون الوصايا لغير المسلمين ترك للوالدين في إعداد وصاياهم حق اختيار القائمين على رعاية أطفالهم في الولاية على أموالهم وحضانتهم.
- بمَ تنصحون الأجنبي غير المسلم المقيم في الإمارات للحفاظ على إرثه؟
أول نصيحة، وخاصة في ظل التعديل الأخير لقانون الأحوال الشخصية في الإمارات وقانون المعاملات المدنية، هو أن تكون له وصية في الدولة إن كان غير مسلم مسجلة إما في مركز دبي المالي، أو في دائرة القضاء في أبوظبي. وإن كان مسلما، ننصح بأن تكون له وصية مسجلة وموثقة في دولة جنسيته.
سعيتِ لربط جمعية الإمارات بجمعيات المحامين والقانون دوليا، هل هذا يعزز من دور الجمعيات وتفاعلها على المستوى الدولي والعالمي؟
تعتبر جمعية الإمارات للمحامين والقانونيين المظلة الوحيدة التي تجمع المحامين في الدولة والحقوقيين أيضا، في ظل غياب منظومة النقابة المتعارف عليها. وقد شكلت الجمعية وأعضاؤها سندا وداعما كبيرا ومهما، خصوصا أثناء تداعيات أزمة جائحة كورونا، وفي بداياتها تحديدا. وتأتي أهمية الجمعية في كونها تلعب دورا مهما، في إبراز هوية وصورة المحامي الإماراتي في الداخل والخارج. وقد سعدت بتوصية المجلس بتعييني رئيسة للجنة العلاقات الدولية، وعملت مع أعضاء اللجنة على التواصل مع نقابات المحاماة الدولية والمحلية في عدد كبير من الدول، كما أنشأت الجمعية موقعها الإلكتروني باللغة العربية، وتجري حاليا ترجمته إلى الإنجليزية.
تتمتعين بحقوق الترافع أمام جميع المحاكم في الإمارات العربية المتحدة؟ ما مؤهلات هذا المنصب؟
لا بد للمحامي الإماراتي ليكون مؤهلا ولترخيصه للعمل في مجال المحاماة والقضاء، أن ينهي الطالب بعد تخرجه في الجامعة ونيله شهادة البكالوريوس في القانون تدريبا في معهد الدراسات القضائية لمدة سنة، ومن ثم يُمنح ترخيص المحامي المترافع. وفي دولة الإمارات، تمنح وزارة العدل رخصة محامٍ مترافع في البداية، ومن ثم في المحاكم المحلية في دبي وأبوظبي ورأس الخيمة إلى جانب المحاكم الاتحادية. كما أنني مسجلة في محاكم المركز المالي في دبي محامية مترافقة ومستشارة قانونية.
شجعتِ دخول النساء والفتيات إلى الشركات العائلية التي يشكل مردودها 80% من الاقتصاد المحلي، ما أبعاد هذه الخطوة؟ وما مدى أهميتها في دعم النساء الإماراتيات والحد من مشاكل التوريث؟
يعد موضوع الشركات العائلية، وأهمية تنظيم التوريث فيها أمرا على درجة كبيرة من الأهمية، ويمكن أن تفرد له صفحات عديدة. يشكل دور المرأة في الشركات العائلية أهم محاوره، والتي لا تزال شائكة في العالم العربي. وإن كنا رأينا أمثلة عديدة على قدرة المرأة وتميزها في إدارة أموال عائلتها في الكثير من الدول، إلا أن مسألة نصيبها في الإرث والمحدد بنصف إرث الرجل، ورفض البعض وجودها في مجالس الإدارة، ما زالا للأسف يمثلان أهم التحديات لها في مشاركتها.
هل أسهم تعديل التشريعات في دولة الإمارات كإقرار افتتاح الحضانات في مقر العمل في رفع إنتاجية المرأة؟
نعم بالتأكيد، وجود الحضانات عزز من وجود المرأة في مكان العمل، ولا شك أنه يزيد من إنتاجيتها. وإن كنت ما زلت أنادي بعدم ضرورة عمل المرأة خلال سنوات الإنجاب، وضرورة توفير عائد مادي للمرأة التي تنجب أطفالا كما هو الحال في الدول الاسكندنافية.
هل أعطى قانون العمل المرأة العاملة حقوقها في كل من القطاعين الحكومي والخاص، كإجازة الوضع مثلا؟
ما زالت المرأة تحظى بحقوق أفضل في القطاع الحكومي عن الخاص، لأن القطاع الخاص معني بالربح، وللأسف هذا الأمر لن يتغير. وإعطاء المرأة أي امتيازات سيقلل من فرص توظيفها، لذا فالخيار متروك لها في الاختيار.
كيف تصفين القانون الإماراتي؟ وهل هو منصف وداعم للمرأة الإماراتية؟
في الواقع لم أجد في القانون الإماراتي أي تمييز ضد المرأة، وحتى عند صدور قانون مساواة الأجر بين المرأة والرجل مؤخرا، لا أذكر أي شكوى وردت بشأنه في الماضي.
-أي القضايا تستهويك أكثر؟ وأي قضايا المرأة برأيك لم تأخذ حقها العادل؟
تستهويني عادة، القضية التي تجعلني أتساءل عن جدوى قانون بعينه، أو مدى ضرورة تعديل مادة في القانون أو عدم وجود سابقة قضائية، وأحيانا تجذبني القصة، وأحيانا يجذبني أصحابها. وما زالت قضايا الطلاق بالنسبة لبعض النساء وليس الجميع، هي القضية التي لا تأخذ المرأة فيها حقها العادل.
كيف تصفين تجربتك في مجال القانون والمحاماة الذي كان سابقا حكرا على العنصر الذكوري؟ وهل ما زلنا نعاني نظرة المجتمع الذكوري المشكك في قدراتنا؟
عندما تخرجت في كلية الشريعة والقانون في جامعة الإمارات كان عدد الخريجات لا يتجاوز عشر طالبات. وعندما بدأت العمل في المهنة، لم يكن عدد المحاميات كبيرا. ولكن اليوم عدد دارسات القانون والممتهنات، سواء الحقوقيات أو المحاميات، تضاعف وزاد بشكل كبير.
هل القانون الدولي منصف للمرأة العربية بشكل عام؟
القانون الدولي، وخاصة في جانب المعاهدات والاتفاقيات الدولية، أولى اهتماما بحقوق المرأة، وخصص عددا من المعاهدات الدولية التي تعنى بحقوقها، لكن المشكلة ما زالت تكمن في مدى توجه الدول ورغبتها في الانضمام لمثل هذه الاتفاقيات، ومن ثم الالتزام بها.
ما أهم المصاعب والتحديات التي واجهتك في مهنتك؟
العمل الحر مهمته الأصعب هو الاستمرارية، وأهم تحد لصاحب المهنة الحرة هو البقاء، وخاصة في مواجهة الظرف الأخير، وهو جائحة كورونا، والتي أدت إلى إنهاك قطاعات اقتصادية أثرت في كفاءة وإنتاجية عملنا نحن المحامين. السنة الماضية مثلت تحديا كبيرا لنا، وما زلنا نحاول التأقلم مع الظروف المستجدة.
كيف تصفين تجربتك مع الإعلام؟ ولَم فضلت المحاماة والقضاء عليها؟
عملي في القانون وليس الإعلام قدرٌ إن جاز التعبير، وليس اختيارا. فقد كانت دراستي للقانون أمرا من والدي، رحمه الله، وحتى دراستي العليا للقانون التجاري في بريطانيا. أما عملي في مجال الإعلام، فعلى الرغم من قصر مدته، كان ممتعا للغاية، وهيأني للكتابة، وأسهم في الظهور إعلاميا، وكان له دور كبير في تميزي في التحدث والإلقاء.
التحقت بمهنة المحاماة والقضاء بعد خمسة عشر عاما من تخرجك، كيف كانت التجربة؟
قضيت السنوات الأولى بعد تخرجي في البيت مع أطفالي، والتحقت بالعمل بعد خمس سنوات في الإدارة القانونية لمؤسستين شبه حكوميتين في دبي لمدة 10 سنوات، أنجبت أثناءها طفلي الثالث. وعندما ذهبت إلى المحكمة في اليوم الأول لحضور جلسة أحد الموكلين، فوجئت بصغر سن أغلب المحاميات، حتى إنني شبهت نفسي ببطلة المسلسل الأمريكي The Good Wife (الزوجة الجيدة)، والذي عادة ما أنصح المحاميات بمشاهدته. كان التحدي كبيرا، لكن التجربة كانت وما زالت غاية في المتعة.
رحلتك غنية، أي المحطات الأكثر استمتاعا في حياتك؟
أمومتي هي محطتي الأجمل والأكثر تفردا. وهي محطات بدأت بطفولة أبنائي، ومع كل يوم تكون المحطة أكثر حميمية ودفئا، محطات عمري التي تكسبني قوتي وتغمرني.
تقولين إنك محظوظة بأن لديك وطنين هما لبنان والإمارات؟ ماذا تمثل الإمارات لك؟
نعم، فأنا لبنانية الأصل، حيث قدم والدي من لبنان، فولدت ونشأت في الإمارات. فإن كان لبنان أبي، فإن أمي الإمارات التي ربتني وعلمتني وحضنتني. كان والدي من الجيل الأول في القضاء الاماراتي، وعمل محاميا مرخصا في الإمارات حتى وفاته رحمه الله. وهو من اختار لي دراستي، وما حققته هو حلمه.
ما رسالتك لزميلاتك في مهنة المحاماة والقضاء؟
رسالتي لكل محامية هي رسالتي لابنتي المحامية، والتي درست القانون باختيارها، أحبي القانون، وسيحبك. كثيرا ما يطلب مني تدريب طالبات في كليات القانون في مكتبي، ونصيحتي لكل واحدة منهن تتلخص في قراءة وتعلم القانون. فالقانون دراسة وفقه، وما نتعلمه في دراسة القانون هو طريقة الاستنباط للتوصل إلى الحل. أحبي القانون، وسوف يحبك، وسيكون لك جناحيك، كما هو لي.